هيئة القضايا في وزارة العدل لن تتراجع عن الدعوى المرفوعة أمام المحكمة المالية (علي علوش)
في كل مرة، تُحاول هيئة القضايا في وزارة العدل ملاحقة أي شخصية تدور في فلك الطبقة السياسية اللبنانية، فترفع دعوى قضائية ضدها لضمانة مصلحة الدولة اللبنانيّة، تنتفض السلطة السياسيّة، وتحاول منعها من متابعة الدعوى بحجة حاجتها لترخيص مسبق من الوزارة المعنيّة.
التدخل بالقضاء
وفي كل مرةٍ، يثبت وزير المالية السابق، يوسف الخليل، أنه جزء من تركيبة ماليّة وسياسيّة لا تملك أي مصلحة في الكشف عن خباياها. وهو الذراع اليُمنى لحاكم مصرف لبنان السابق، رياض توفيق سلامة، وخاض معركته بشكل علنيّ، وسعى لعرقلة تحريك الكثير من الملفات حرصًا على "امبراطور" المصرف المركزي السابق وعلى المعلومات التي يمكن أن يبوح بها. ولم تنحصر الفضائح في القرارات التي له سلطة مباشرة عليها، بل تجاوز الخليل هذا الأمر بأشواط، وقرّر التدخل بالقضاء اللبنانيّ بصورة علنيّة.
قبل أيام قليلة من مغادرة الخليل لوزارة الماليّة، حوّل كتابًا لوزير العدل السابق، هنري الخوري، يطلب فيه من رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضي كلود غانم، التراجع عن الدعوى التي تقدمت بها رئيسة الهيئة قبل تقاعدها، القاضية هيلانة اسكندر، ضد أعضاء المجلس المركزي بعد اتهامهم بالتسبب بالانهيار الاقتصاديّ وملاحقتهم قضائيًا.
تفيد مصادر "المدن" إلى أن الدعوى المدنية التي تقدمت بها اسكندر أمام المحكمة المالية قبل أيام قليلة من تقاعدها، أزعجت السلطة السياسية وأربكتها، وحاولوا منعها من متابعة هذه القضية لما يمكن أن تحمل من تداعيات سلبية على الأسماء المذكورة في الدعوى. وعلى الرغم من أنها دعوى مدنية ومسارها سيكون طويلًا، إلا أن الخوف الأكبر هو من اتخاذ قرار الحجز الاحتياطي على كل أملاك وعقارات الملاحقين بالدعوى.
طالت الدعوى أكثر من 25 شخصًا في وقت واحد، وقسمت الدعوى لمرحلتين، الأولى طالت كل أعضاء المجلس منذ العام 1993 حتى 2018، والمرحلة الثانية طالت أعضاء المجلس منذ العام 2019 حتى العام 2025، أي وصولًا للولاية الأخيرة التي تضم: حاكم مصرف لبنان بالإنابة، وسيم منصوري، بشير قازان، سليم شاهين، ألكسندر مارديان، والمدير العام لوزارة الاقتصاد الحالي، محمد أبو حيدر، والمدير العام لوزارة المالية الحالي (منصب شاغر).
على أي حال، وبحسب معلومات "المدن" فإن الخليل حوّل كتابًا لوزير العدل السابق، هنري الخوري، (إذ يتعذر عليه مخاطبة هيئة القضايا في وزارة العدل بشكل مباشر)، وطلب بموجبه ضرورة تراجع القاضي غانم عن الدعوى المرفوعة، بحجّة أن تحريك هكذا دعوى يتطلب إذن مسبق من وزير الماليّة، واسكندر لم تخاطبه ولم يعط أي إذن لها. وبرّر الخليل موقفه متمسكًا باستشارة قامت بها سابقًا، رئيسة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، القاضية جويل فواز (زوجة القاضي هنري الخوري)، التي أكدت فيها أن "أي إجراء قانونيّ أو قضائيّ تنوي هيئة القضايا أن تتخذه، يتوقف في الدرجة الأولى والأخيرة على طلب يوجه إليها من الوزير المختص".
للتفصيل أكثر، تمثل هيئة القضايا في وزارة العدل الدولة اللبنانيّة بشكل مباشر، لذلك مسؤوليتها الدفاع عن مصلحة الدولة اللبنانيّة. ومع بدء تحريك الدعاوى القضائية تصب لمصلحة الدولة اللبنانية لكنها تلامس بصورة مباشرة أو غير مباشرة السلطة السياسية، تمسكت السلطة السياسية باستشارة القاضية فواز لتقييد تحركات هيئة القضايا.
نصوص واضحة
والخليل الذي تمسّك باستشارة قضائية سابقة تعود للعام 2020، إلا أنه نسي أن قانون تنظيم وزارة العدل كان واضحًا بالصلاحيات التي أعطاها لهيئة القضايا، إذ جاء في المادة 18 من قانون تنظيم وزارة العدل "تتولى هيئة القضايا إقامة الدعاوى باسم الدولة اللبنانية، والدفاع عنها في الدعاوى المقامة عليها في الداخل والخارج، واعداد الاستحضارات واللوائح والمذكرات والأحكام والقرارات العائدة لدعاوى الدولة.
وتتولى أيضًا: "المثول أمام جميع المحاكم العدلية والادارية". و"القيام بجميع الأعمال التي يتطلبها الدفاع عن مصالح الدولة أمام المحاكم سواء كانت مدعية أو مدعى عليها".
أما بما يتعلق بصلاحيات رئيس هذه الهيئة، فجاء في المادة 20 من قانون تنظيم وزارة العدل: "لا يجوز للادارات العامة التابعة للدولة إجراء المصالحات في الدعاوى العالقة أمام المحاكم والتي يكون للدولة علاقة بها إلا بعد موافقة رئيس هيئة القضايا ومدير عام وزارة العدل، وتعتبر باطلة كل مصالحة تعقد خلافًا لهذا النص". وبالعودة إلى كل النصوص القانونية، ما من نص قانونيّ يفرض على هيئة القضايا طلب الترخيص المسبق من الوزارات قبل التقديم بدعوى قضائية لمصلحة الدولة اللبنانية.
استنسابية القضايا
وأداء الخليل يطرح الكثير من التساؤلات، ويشي بأنه يتعامل باستنسابية وفقًا لما تقتضيه مصلحة السلطة السياسية، ففي العام 2023 لحظة ادعاء القضاء اللبنانيّ على سلامة، أبلغت اسكندر الخليل أنها في صدد الدخول في الدعوى المقامة ضد سلامة لضمانة حقوق الدولة اللبنانية من الأموال التي ستحتجز. وبحسب مصادر قضائية لـ"المدن" فإن الخليل لم يعط أي ترخيص لها، وأكد أنه غير معني بهذه الدعوى، ولا يتوجب عليه إعطاء إذن مسبق". آنذاك، حجب الخليل اسمه عن إعطاء الإذن لملاحقة سلامة، وطلب من اسكندر التصرف منفردة، فلماذا التدخل المباشر بالقضاء اليوم للتراجع عن ملاحقة أعضاء المجلس المركزي؟
مصادر قضائية أكدت لـ"المدن" أن هيئة القضايا في وزارة العدل لا تحتاج لترخيص أو إذن مسبق لتحريك أي دعوى تصب لصالح الدولة اللبنانيّة، وما قام به الخليل هو تدخل واضح بالسلطة القضائية، ومن دون أي حق". وأكدت مصادر المدن إلى أن "هيئة القضايا لن تتراجع عن الدعوى، وستتابعها خلال المرحلة المقبلة". ومن المرجح أن يتم اتخاذ إجراء احترازي بحجز كل أموال أعضاء المجلس، بما فيها الأموال المنقولة وغير المنقولة لضمان حق الدولة اللبنانيّة".
وأكدت المصادر القضائية لـ"المدن" إلى أن "الاستشارة التي يتمسك بها الخليل هي رأي قضائي فقط، وهيئة القضايا غير ملزمة بهذه الاستشارة للتقيد بها".
إذن، ثمة ما يكفي من أسباب لطرح علامات استفهام حول أداء الخليل وأسباب صمته في الفترة الماضية. فجأة تحول لفدائيّ لخوض معركة سلامة والمصرف المركزي. هو الذي أخفى نتائج التدقيق الجنائيّ ليقول بعدها أنه تقرير أولي، ليتبين لاحقًا عكس ذلك، وإلتزم الصمت حين طالبت المصارف بأكثر من 67.9 مليار دولار أميركي فجأة، حين ادعت مذكرة ربط النزاع أنها مترتبة على الدولة لمصلحة المصرف المركزي، وحين طُلب للتحقيقات الأوروبية، ردد عبارة واحدة فقط أثارت سخط القضاة: "لا أعرف..لا أعرف".
تعليقات: