بفعل العدوان الإسرائيلي، تكبّدت مدينة النبطية ومناطقها المجاورة خسائر مادية جسيمة طاولت العديد من المحال التجارية والمراكز الحيوية فيها. وخلّف الدمار آثاراً كبيرة على الحركة التجارية، وشهدت بعض القطاعات تراجعاً ملحوظاً. ومع وقف إطلاق النار، بدأ أبناء النبطية رحلة التعافي التي لا تزال تشهد تحديات مستمرة، حيث يتعافى القطاع التجاري ببطء ويعود إلى الحياة بفضل إصرار الأهالي وعزيمة التجار الذين اختاروا النهوض رغم الدمار الذي طاولهم.
وأبلغت مصادر محلية في النبطية «الأخبار» أن 1000 وحدة سكنية و500 وحدة تجارية مدمّرة ما بين دمار كلّي وجزئي في المدينة. وعليه؛ شُلَّ ما نسبته 80% من السوق التجاري والحركة المعهودة فيه.
الحركة التجارية تتعافى
بعد وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان سارع أبناء النبطية وتجارها للنهوض من تحت الركام ومحاولة العودة إلى وضعية ما قبل الحرب. فباشر أصحاب المحال المتضررة بشكل جزئي بورش الترميم وواصلوا العمل بشكل فوري، فيما افتتح أصحاب المحالّ والمصالح المدمّرة كلياً، بدائل جديدة عن محالّهم في شوارع أخرى في مدينة النبطية، وأبوا الخروج منها.
«الحركة التجارية في النبطية بدأت تأخذ حيّز التعافي وتعود تدريجياً إلى سابق عهدها رغم الدمار والركام اللذين لا يزالان يغطيان قسماً من شوارعها»، وفقاً لرئيس بلدية النبطية خضر قديح، الذي أوضح أن «حركة السير الكثيفة والإقبال على المدينة من القرى المجاورة ما هما إلا خير دليل على عودة الحياة الطبيعية فيها، بعد انقضاء ثلاثة أشهر على وقف إطلاق النار».
وأثنى قديح، خلال حديثه مع موقع «الأخبار»، على «همّة أهالي النبطية وتُجّارها، وعلى عزيمتهم وإصرارهم في إعادة إحياء ما قصد العدو تدميره، إيماناً بأنهم أصحابُ حقٍّ وأرض»، مشدداً على أن «كل هذا تحقّق بفضل دماء الشهداء وروح المقاومة التي تنبض بكل جنوبي هنا».
وبالتزامن مع حلول شهر رمضان، لم توفّر المدينة هذه الفرصة لإحياء روح الصمود والحياة، إذ نصبت فانوساً رمضانياً كبيراً وسط الركام والدمار، بمبادرة منها وبالتعاون والتنسيق مع جمعية تجار النبطية. وفي سياق إحياء المدينة اجتماعياً من جديد، قال قديح إنه «تم تفعيل النشاطات المجتمعية والرياضية في المدينة بشكل لافت، إذ تم تنظيم دورة الكرة الطائرة باسم الشهيد أحمد كحيل، إلى جانب فعاليات تونبولا وبطاقات تسوق للسكان والمقبلين من الجوار»، ما عكس حرص الجهات المعنية على إعادة الحياة والحركة في النبطية إلى طبيعتها من جديد رغم الظروف الصعبة.
التصميم على الاستمرار
يبدي تجار النبطية وجوارها تصميماً كبيراً على الاستمرار ومواصلة تحدي الظروف الصعبة التي أنتجها العدوان. ويقول في هذا السياق، مالك محالّ «حلويات الديماسي» في النبطية، محمد الأمين، لموقع «الأخبار»، إن الخسارة التي لحقت بمحله كانت أولاً خسارة معنوية، نظراً إلى كونه الإرث الوحيد للعائلة منذ 75 عاماً، واليوم «لم يبقَ منه أثر». وأضاف أن «الخسارة المادية كانت أيضاً كبيرة عليهم، إذ توقف العمل تماماً، ما أدى إلى فقدان الزبائن وعدم القدرة على تلبية طلباتهم، سواء داخل لبنان أو من خلال التصدير إلى الخارج». ووفق تقديراته، فإن «قيمة الخسائر، بما في ذلك المواد الأولية، البضاعة، المعدات، والديكور، بلغت نحو 160 ألف دولار».
وفي ما يتعلق بفروعه الأخرى، أوضح الأمين أن بعض محالّ العطور التابعة له في النبطية تضررت جزئياً، لكنه تلقّى تعويضات من مؤسسة «جهاد البناء»، مؤكداً أن «الدفعات التي قُدّمت له كانت كافية ووافية لتغطية الأضرار الجزئية التي لحقت بالمحال».
أما عن دوافع إعادة الفتح، فأوضح الأمين أن مهنته «جزء لا يتجزأ من حياتي»، مشدداً على أنه «حلونجي ولا يمكنني التخلي عن مهنتي، نحن نريد أن نعيش ولن نتوقف، فهناك عائلات تعتاش من عملنا، ومن واجبنا الاستمرار من أجلها، ومن أجل أهلنا الأوفياء في النبطية، والرسالة السامية التي نحملها، وسيتم فتح الديماسي من جديد قريباً». ولفت إلى أن محله أُعيد ترميمه بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 2000 ثم بعد حرب 2006، واليوم يُعاد بناؤه من جديد.
ومع الغياب الحكومي التام في التعويض على أبناء القرى الجنوبية، يبقى الدور الأبرز للمؤسسات والجمعيات الدينية والمجتمعية. فقد شرع «النادي الحسيني» في النبطية إلى تنفيذ مبادرة إنشاء 95 متجراً بنظام البيوت الجاهزة، وتمّ تخصيص مساحة تبلغ 6 آلاف متر مربع تابعة للوقف وتديرها الحسينية، ضمن منطقة البيدر اللصيقة بالسوق التجاري، بدعم مالي من السيّد علي السيستاني، المرجعية الدينية في النجف، تُقدّم بالمجان ولمدة عامين لأصحاب المتاجر المُدمّرة كلياً، وستكون معزّزة بمرْأب سيارات وممرات وأنشطة جاذبة.
وفي ذات السياق، قال مالك محال «بيطار للأدوات المنزلية» في النبطية، حسن بيطار، إن الدمار الذي لحق بمحله «كان نقطة انطلاق لمرحلة جديدة تُجسّد إيماني الراسخ بالأرض»، مشدداً على أن «الدمار الكلي الذي لحق بالمحل لم يكن نهاية المطاف».
وكشف بيطار أن خسارته تُقدّر بحوالي 1.6 مليون دولار «ثمن البضاعة التي كانت موجودة فقط»، مؤكداً أنه «رغم خسارة الموظفين، قررتُ أن أبدأ من جديد، وعاودتُ افتتاح محلي في شارعٍ آخر في النبطية، وذلك تأكيداً على استمرارية الحياة رغم الدمار الذي خلّفته إسرائيل، وأن عزيمة المعاودة أقوى من كل شيء، وما تمر به مدينتنا من تحديات لن يمنعنا من استعادة مكانتنا وإثبات قدرتنا على المواصلة والبقاء».
إن «عودة الحياة التجارية إلى النبطية بعد العدوان الإسرائيلي تمثّل رمزاً للإصرار والعزيمة، وهي تجسيد حقيقي لروح المقاومة التي لا تعرف الاستسلام»، هكذا يصف أبناء النبطية وتجارها عودة الحياة إلى طبيعتها في المدينة. ورغم الدمار والخسائر البشرية والمادية والمعنوية، يعتبر الأهالي أن العزيمة والإرادة والمقاومة أقوى من أي قوى قد تحاول تدميرهم. وعلى هذه القاعدة، هم مطمئنون إلى أن النبطية باتت تستعيد عافيتها تدريجياً.
تعليقات: