عدنان سمّور: إسرائيل وتوسيع جبهاتها


أحياناً يحتاج المرء الى عرض المعطيات المتوفرة بالترتيب ، ليتمكن من فهم المشاهد الموجودة ،وتطور الأحداث ، بشكل يساعد في فهم حقيقة ما يجري ولمصلحة من يجري ، على المديات القريبة والبعيدة ، لذلك سنحاول في هذه العجالة استعراض الأحداث بواقعية وبالترتيب .

1-الجبهة الأولى

بعد معركة طوفان الأقصى التي أذلت اسرائيل وكسرت هيبتها ، قررت اسرائيل وأعلنت ، انها بصدد شن حرب مدمرة ، لإنهاء المقاومة في قطاع غزة ، وتلقت دعماً مفتوحاً من اميركا والغرب الجماعي ، على مدى 14 شهراً ، وتم تعطيل الممؤسسات الدولية لصالحها ، هذه المؤسسات التي من شأنها حماية الشعوب من العدوان والظلم والإبادة الجماعية والتجويع ، والتطهير العرقي ، ورغم ذلك ، فشلت اسرائيل وداعموها في البقاء في غزة ، وفي تركيع غزة ومقاومتها ، وعلى رأسها حركة حماس ، واسرائيل اليوم تتوعد وتهدد ، بمتابعة حربها في غزة ، حتى تتمكن من تحقيق النصر الحاسم ، الأمر الذي يعني وجود جبهة معلقة ، في غزة هي مصدر استنزاف واقعي ، ومعنوي لقدرة ولهيبة ولسمعة اسرائيل ، رغم عظمة الخسائر والتضحيات الفلسطينية ، مع احتفاظ المقاومة الفلسطينية بجهوزيتها ومعنوياتها المرتفعة ، وصمود حاضنتها الشعبية .

2-الجبهة الثانية

استدارت اسرائيل نحو لبنان ، واعلنت انها تريد ، تركيع المقاومة وإخراجها من منطقة جنوب نهر الليطاني ، ونزع سلاحها ، وقد تمكنت من توجيه ضربة قوية للمقاومة ، وتمكنت من قتل جزء لا يستهان به من قادة المقاومة ، ودمرت مباني وبنى تحتية بشكل غير مسبوق في لبنان ، ولكنها عجزت عن تحقيق أهدافها المعلنة ، وطلبت إيقاف الحرب ، وانسحبت من جزء كبير من الأرض التي تمكنت من دخولها ، وما زالت تهد وترعد ، وتعِد بأنها تريد نزع سلاح المقاومة ، ولكن المقاومة عادت ترفع راياتها على حدود فلسطين ، واثبت جمهور المقاومة انه يمثل أفضل بيئة حاضنة لمقاومته في المنطقة والعالم ، خاصة في تشييع شهيد الإنسانية الخالد ، السيد حسن نصر الله . الأمر الذي يبقي اسرائيل في جبهة معلقة ، تعجز عن حسمها كما تتمنى لصالحها ، وهي تستنزف قواها وقدراتها ومعنويات مستوطنيها وجيشها ، وتؤثر سلباً على سمعتها .

3-الجبهة الثالثة

لقد بات اليمن بعد وقف القتال في لبنان وغزة ، يمثل هماً يؤرِّق إسرائيل وداعميها ، نظراً لما استطاع ان يقدم اليمن من دعم لمساندة المقاومة في فلسطين ولبنان ، وهو ما زال يهدد ، بأنه في حال معاودة قتال الصهاينة على أي من الجبهتين ، فسيتدخل مباشرة للدفاع والمؤازرة ، وتعطيل الملاحة لمصلحة إسرائيل وداعميها ، في مضيق باب المندب والبحر الأحمر والمحيط الهندي ، وحيث يمكن أن تطال صواريخه ومسيراته ، وزوارقه ، وغواصاته ، الأمر الذي يشكل جبهة معلَّقة ، وتهديداً ، ومصدرا‌ً مقلقاً بشكل دائم ، لجيش ومستوطني وداعمي اسرائيل .

4-الجبهة الرابعة

تتابع اسرائيل عملية مداهمات وتصفيات وهدم منشآت في الضفة الغربية ، على أمل تهجير الفلسطينيين الى الأردن ، ومصادرة ممتلكاتهم وأرزاقهم وضمها لاحقاً للكيان ، ولكن الضفة لا زالت تقاوم ، وتفشل مشاريع اسرائيل في إخضاعها واستسلامها ، وتبقى الضفة الغربية بذلك جبهة مفتوحة ، رغم فداحة خسائرها وتضحياتها ، وتشكل مصدر استنزاف وقلق وجودي للكيان .

5- جبهة أراضي ال 48

ما زالت هذه الجبهة مفتوحة ، ومصدر استنزافٍ دائم ، ويقوم فيها الفلسطينيون ، بعمليات طعنٍ ودهسٍ ، ترعب وتقلق المستوطنين وجيشهم ، ولا يبدو أن هناك ، أي أملٍ بالتخلص من هذا المصدر من القلق والرعب لإسائيل جيشاً ومستوطنين على المدى المنظور.

6- الجبهة السورية

صحيح أن النظام في سوريا سقط ، وتمكنت اسرائيل بدعم اميركي غربي ، من تدمير الترسانة التي كان يملكها الجيش العربي السوري ، وتمكنت من احتلال اجزاء من جنوب وشرق سوريا ، ولكن كل هذه الإنجازات ، لم تؤمن الشعور للكيان بالإطمئنان ، وإسرائيل تدرك أن هذه المرحلة من انعدام الوزن ، وفقدان البوصلة في سوريا لن يدوم طويلاً ، وهذه المساحة الواسعة التي يتاح لاسرائيل أن تحتلها ، ستشكل عبأً لإسرائيل في إبقاء سيطرتها عليها ، الأمر الذي يحتاج إلى توفر أعداد هائلة من الجنود ، وإسرائيل الخارجة من حرب ضروس على جبهات غزة ولبنان واليمن ، وجيشها منهك وفاقد الشهية على القتال ، وقيادة الكيان متناحرة ، ورأس هرمها متهم بالفساد ، وفيها مجتمع منقسم على نفسه ، وناقم على قيادته ، هذا ولم تبدأ مقاومة جادة في سوريا ، حتى الآن ، ولا بد أنها ستنشأ في القادم من الأيام ، وقد بدأت بوادرها وإرهاصاتها بالظهور ، وهذه الجبهة ستشكل بمرور الأيام وتطور الأحداث ، أكبر مصدر لاستنزاف الموارد العسكرية والمادية ، لكيان وداعميه .

7-الجبهة الإيرانية

إضافةً للجبهات السابقة ، يحدثنا نتنياهو باستمرار ، عن فرصته الذهبية ، في الإنقضاض على الجمهورية الإسلامية ، لتدمير أحلامها بامتلاك سلاح نووي ، ولا بد أن المراقب للجبهات الستة المفتوحة على مصرعيها ، يقول في قرارة نفسه "الدست كان ينقصه هذه الكرعانة" ، لتكتمل جبهات اسرائيل المستنزفة لها ، والكاشفة لضعفها عن حسم ولو لجبهة صغيرة واحدة منها ، خاصة أن الجبهة الأخيرة التي تدعى ايران ، تمثل قلعة عجز العالم عن إخضاع شعبها وقيادتها ، في حرب استمرت ثماني سنوات ، وكان فيها الشرق والغرب مجتمعاً ضد الجمهورية الإسلامية الفتية في تلك المرحلة ، بينما ايران اليوم تمكنت من بناء قوة يشهد لها العالم بكفاءتها وفعاليتها ، وايران اليوم نسجت تحالفات استراتيجية مع الكثير من شعوب العالم بشرقها وغربها ، والتي انكشف امامها ظلم وغطرسة وتسلط وهيمنة اميركا ومن يدور في فلكها ، من هنا يمكننا القول ، ان اسرائيل تقف اليوم على مفترق الطرق الذي وقف عليه هتلر ، عشية قراره غزو الإتحاد السوفياتي في الحرب العالمية الثانية ، حيث قال تشرشل فور سماعه هذا الخبر ، لقد دق هتلر أول مسمار في نعشه ، وكانت هذه نبوءة صادقة ، ويمكننا اليوم أن نستخلص أن اسرائيل التي تعيش اصعب مراحل وجودها ، منذ أنشأها المشروع الإستعماري في منطقتنا ، وتعيش أعمق مراحل قلقها الوجودي ، وتراهن أكبر وأضخم مراهناتها الوجودية ، وما كانت لتصل الى هذه المرحلة الحرجة ، لولا دوام وتصاعد ومثابرة وإصرار شعوب المنطقة على المقاومة وتطوير أساليبها وتوسيع جبهتها ، وما على جبهة المقاومة الا الاستمرار بجهودها وجهادها ، حتى ترهق اسرائيل وداعميها ، وتفقدهم الشهية على القتال ، وتفشل مشاريعهم ومخططاتهم ، وتستعيد حقوق شعوبها وحريتهم وسيادتهم وأرضهم ، وتطرد غزاتها من ارضها وقرارها .

عدنان ابراهيم سمور

05/03/2025

تعليقات: