تعاون عائلي على المؤونة في حاصبيا
أياد تكد لتملأ الخزائن بما لذَّ وطاب..
العرقوب :
عندما يتفرغ المصطافون والمغتربون العائدون إلى لبنان عامة وقراهم تحديداً »لشم الهوا« والتمتع بالعطلة الصيفية، تتفرغ نساء المناطق الريفية لهمٍّ أساسي وحيوي لصحة وموازنة أسرهن. ليست المؤونة البيتية التي يشتهيها سكان المدن ويدفعون »الغالي« للحصول عليها تفصيلاً عابراً في حياة ست البيت. تشكل المؤونة نمط حياة واستهلاك تجهد نساء القرى لتوريثه لبناتهن كـ»سلاح يواجهن فيه الدهر«. فالمؤونة مثل »القرش الأبيض تستله في وجه اليوم الأسود«، كما تفلسف أم شادي، من كفرشوبا، دفاعها المستميت عن المؤونة. وتستهلك المؤونة حيزا كبيرا من وقت وجهد العائلة الريفية وموازنتها، ولكنها في المقابل تؤمن المواد الأولية الضرورية للغذاء، بدءاً من مختلف أنواع الخضار والفاكهة والحبوب والمخللات والمجففات، كما الحليب ومشتقاته والزيت والزيتون والتين والعنب...
ففي معظم المنازل الريفية تفتح ست الدار ورشة متواصلة... مواقد الحطب تعتبر الخطوة الأولى نحو ملء الخزائن في غرف المؤونة التي تنتهي برفوف زاخرة بما لذ وطاب. »مراطبين« فخارية أو زجاجية تكشف عن عشرات الأنواع من خضار وفواكه مجففة ومربيات وجبنة بلدية وأختها اللبنة... وصولاً إلى الكشك والقاورما، ناهيك عن الزيتون وزيته، الزبيب والتين والكمبوت، دون أن ننسى الحبوب على اختلافها ومعها العديد من انواع الزهور الزراعية والبرية منها على حد سواء والمختلفة بتركيبتها والتي تتم لملمتها من الحقول الجبلية. »زهورات« تشكل في غالبية الأحيان علاجا لبعض الأمراض الصدرية، التي تكثر في فصل الشتاء الملقب »بالباب الضيق« والذي يعني لسكان الريف، صعوبة الحصول على ما تريده في هذا الفصل.
تمتد منطقة العرقوب جغرافياً من ارتفاع ٣٠٠ متر عن سطح البحر لتصل ١٥٠٠ متر. يساهم مناخ المنطقة في تنويع إنتاجها الزراعي، إضافة الى الأعشاب البرية المميزة والنادرة لما فيها من متممات غذائية وصحية، يجعل منها »جنة البساتين« كما تقول ماجدة قمرة، أم شادي من كفرشوبا. كانت أم شادي، ومنذ زمن بعيد، تحضر مؤونة الشتاء لعائلتها فقط. اليوم، »ومع تكاثر الطلب على المؤونة الطبيعية والخالية من المركبات الكيمائية أو المقويات العضوية«، تحولت أم شادي تدريجياً إلى بيع ما يفيض عندها من مؤونة إلى مغتربي البلدة والجوار. مع الوقت طورت أم شادي وبعض نساء المنطقة خبراتهن عبر مساهمات مجانية أمنتها لهن بعض الجمعيات الخيرية عبر سلسلة ندوات ودورات. »احترفت« أم شادي المهنة وأصبحت تشارك في المعارض المختصة بالمؤونة البيتية في العديد من المدن اللبنانية حيث لاقت منتجاتها »إقبالاً واستحسانا من الزبائن، وهكذا بين الضحك واللعب صارت مهنتي مورد رزق لي ولعائلتي«، تضيف قمرة مشيرة إلى أنها باتت »خبيرة بفوائد كل نوع من الزهور والأعشاب البرية التي تضاهي افضل العقاقير«. وتختم أم شادي بدعوة مؤسسات المجتمع المدني والسلطات المحلية في القرى والبلدات الريفية، الى »تشجيع »صناعة« المؤونة البلدية وتنظيم معارض ودورات تدريبية لربات المنازل، لما له من مردود مادي وغذائي وصحي لكل أفراد العائلة«.
تنطلق سميرة حمدان، أم علي، (٨٠ عاماً) في نظرتها إلى المؤونة من الذي يقول »إن البيت يللي ما في خزانة للمونة هو بيت فقير«، خاصة في فصل الشتاء الذي تكثر فيه الثلوج. وتنتقد أم علي »نساء هالوقت (هذه ألأيام) اللواتي يهملن المؤونة »بعرف من أولادي وأصدقائهم أن الجميع يفضل المؤونة البيتية على منتجات السوق، فلماذا لا يحافظ الجيل الجديد على مهنة أجداده؟«.
وتستفيض أم رواد، ليلى خير الدين، في شرح طرق تحضير كل نوع من أنواع المؤونة »الخير بالضيعة كتير وكله طبيعي وصحي« تقول. ولذا تحضر خير الدين وكل عام »الكشك والزعتر البري واللبنة والمربيات، بالطريقة عينها التي تعلمناها من أمهاتنا وجداتنا لتكون زادنا وزوادنا للشتاء الذي نمضيه في المدينة«. وترى خير الدين انه بالإضافة إلى الفوائد الصحية للمنتجات البيتية، هناك توفير المصاريف حيث تسهم المؤونة في تخفيض مصروف البيت حوالى أربعين في المئة على ألأقل.
وتبقى المؤونة البيتية بالنسبة لعليا فياض، »ورغم التطور المتسارع في كل شيء«، تبقى بالنسبة لأبنائنا كـ»القرش الأبيض لليوم الأسود«. وتعطي فياض مثالاً على صحة كلامها »انه عند دخولك أي منزل ريفي وفي أي وقت كان، تكون المائدة حاضرة بما لذ وطاب من خيراتها، وبإمكان ربة البيت ان تجهز طاولة لضيوفها من خزانة المؤونة وهذه ميزة غير متوفرة لسكان المدينة«.
تعليقات: