رغم الدمار الكبير قررت عائلات عدّة تحدي الظروف القاسية في البقاء في قراها (حسين سعد)
من بلدة بيت ليف والقوزح، مروراً بعيتا الشعب ورميش ويارون ومارون الراس، وصولاً إلى عيترون، في قضاء بنت جبيل، تتفاوت مشاهد عودة أبناء هذه البلدات إلى قراهم المدمرة بنسب مختلفة. في بعض هذه القرى بدأت الحياة تدبّ مجدداً. في حين أنها لا تزال معدومة في بلدات اخرى، تزامنا مع انتشار فرق مسح الأضرار التابعة لمؤسسة جهاد البناء ومجلس الجنوب.
دمار كلي في القوزح
ينهمك مهنا فلفلة في رش المبيدات لمشاتل التبغ، التي زرعها متأخراً نتيجة الغياب القسري عن قريته " القوزح"، الواقعة عند الحدود اللبنانية الفلسطينية. لم يبق في الحارة الجنوبية للبلدة، حيث تسكن عائلة "فلفلة" سوى منزلها القديم، الذي كان متروكاً لأعمال الزراعة. فكل البيوت والمنازل ذات الطابع الأثري، وخزان المياه الذي يتوسطها، دمرت كلياً أو أصبحت غير صالحة للسكن.
من أصل 52 عائلة كانت تسكن القرية، قبل العدوان الإسرائيلي، عادت 12 عائلة، عمدت فور رجوعها إلى الشروع بإصلاح الأضرار مثل زجاج النوافذ والأبواب، لتقيهم من الأمطار والبرد القارس. ويقول هاني فلفلة إن منزله الأساسي، تضرر بشكل كبير، فلجأ إلى بيته القديم رغم حاجته للتأهيل، وذلك انطلاقاً من تشبثه بتراب بلدته، التي ولد وترعرع في حقولها الممتدة إلى عيتا الشعب وراميا وبيت ليف ودبل.
أما ابن البلدة شربل رزق فعاد إلى البلدة لحظة إعلان وقف إطلاق النار وانتشار الجيش اللبناني للعمل داخل مشغله لتركيب البيوت الجاهزة، فقد ازداد الطلب على الغرف والبيوت الجاهزة، التي كان ينجز الكثير منها لقوات اليونيفيل. نجا مشغله من الاعتداءات الإسرائيلية، بخلاف منزله ومحطة المحروقات التي لحقها دمار تام، شبيه بعدوان تموز 2006. وعليه لجأ للسكن في بلدة رميش القريبة، ببدل إيجار قيمته 300 دولار. وهو حالياً ينتظر دفع التعويضات وإعادة الإعمار. وأكد أن مجلس الجنوب ومؤسسة جهاد البناء، أنهيا أعمال الكشف ومسح الأضرار في البلدة.
عودة الحياة إلى بيت ليف
تعود الحياة بشكل بطيء إلى "يت ليف"، التي دفعت 37 شهيداً، من بينهم ثمانية شهداء مفقودو الأثر. غالبية سكان البلدة يعتمدون في معيشتهم على الزراعة. وبعد توقف الحرب أطلقت البلدية ورشة كبيرة، تركزت على فتح الطرقات وإزالة الركام من الشوارع وتأمين المياه لتسهيل عودة الأهالي. ويؤكد رئيس البلدية محمد حميّد أن الدمار لحق بحوالي 150 وحدة سكنية، فيما معظم باقي المنازل تعرضت لأضرار. ويلفت حميّد إلى أن غالبية أصحاب هذه المنازل لم يعودوا إلى البلدة، ويقيمون في بيروت أو القرى المجاورة مثل صديقين وياطر وحاريص وتبنين وغيرها. فإلى الدمار لا يزال التيار الكهربائي مقطوعاً، بسبب استمرار أعمال صيانة الشبكة.
وأكد حميد أن مجلس الجنوب وجهاد البناء أنهيا أعمال الكشف على المنازل المدمرة والمتضررة، آملاً الإسراع في إعادة الإعمار وعودة الأهالي وفتح أبواب المدرسة الرسمية في البلدة، التي انتقل طلابها إلى القرى المجاورة.
ابن البلدة، جهاد ملك يأتي يومياً للوقوف على أطلال منزل العائلة. ويقول: "منذ انسحاب العدو، بدأت أتردد إلى البلدة، وتحديداً إلى المبنى المدمر الذي كنت أقيم فيه مع شقيقي. وأسعى إلى الانتقال من تبنين، حيث نزحت، إلى بلدتي بيت ليف، حين يتوفر أي منزل للإيجار. وإذ طالب الحكومة بالعمل الجاد لإعادة إعمار البيوت المدمرة، أكد أنه حالياً يتدبر أمره بعدما حصل على بدل إيواء من مؤسسة جهاد البناء بقيمة أربعة آلاف دولار. وهو موعود بالحصول على بدل الأثاث قريباً.
تحدي الظروف القاسية بعيتا الشعب
يمم أهالي عيتا الشعب وجوههم نحو بلدتهم متفقدين منازلهم المدمرة وشوارعهم المليئة بالركام. منذ أيام شيعوا شهداء الوديعة من أبناء البلدة، وعددهم 41 شهيداً. اجتمعوا جميعاً على أنقاض بيوتهم، ثم عادوا إلى أماكن نزوحهم في بلدات منطقة صور.
بعض عائلات البلدة تحدت الظروف القاسية وقررت البقاء. أحضر حسين نصّار، بيتاً جاهزاً إلى عيتا الشعب، ووضعه إلى جانب منزله المدمر. ويقول: "رغم كل الوجع فإن العيش على تراب عيتا أفضل بكثير من النزوح. امضي أيامي في البلدة مع عائلات قليلة اختارت البقاء رغم الافتقاد إلى الكهرباء والماء". وأكد نصّار أنه يستعين ببطارية سيارة يشحنها عند جيرانه من كهرباء الطاقة الشمية، يستخدمها للإضاءة في الليل.
من جانبه يؤكد رئيس البلدية محمد سرور أن حوالي عشر عائلات فقط، تقيم حالياً في البلدة المدمرة. فنسبة الدمار في البلدة تفوق 95 بالمئة. ومن أصل أكثر من ثلاثة آلاف بيت، تم تسليم 116 منزلاً، وهذه المنازل التي لم يشملها الدمار الكلي، بحاجة إلى تأهيل وترميم. ولفت إلى أن مجلس الجنوب كشف على المؤسسات الرسمية في البلدة، بينما تقوم مؤسسة جهاد البناء بأعمال المسح والكشف على المنازل. وسبق ودفعت المؤسسة بدلات الإيواء والأثاث لأصحاب المنازل المدمرة.
يارون شبه مدمرة
شمل الدمار أكثر من ثمانين بالمئة من منازل بلدة يارون، إلى جانب كل مرافقها العامة، كما أكد رئيس البلدية علي تحفة، مشيراً إلى إن حوالي 15 عائلة فقط، عادت إلى بيوتها القابلة للسكن بعد إخضاعها للترميم والتزود بنظام الطاقة الشمسية، في ظل عدم توفر الكهرباء.
وأشار إلى أن مؤسسة جهاد البناء أطلقت أعمال مسح وكشف الأضرار في البلدة، وأن مجلس الجنوب، قد ساعدنا حتى الآن بفتح الطرقات وإزالة الركام. لكنه لم يبدأ بعمليات مسح الأضرار. وأعلن أن البلدية أحضرت بيتاً جاهزاً ونصبت خيمتين في الساحة لمتابعة شؤون الأهالي، بعدما طال التدمير مبنى البلدية.
من بين العائدين إلى البلدة المزارع حسين غشّام "، الذي لفت إلى أن منزله ومنازل أبنائه دمرت بالكامل. وأكد أنه سيقيم في منزل شقيقه بعد تزويده بالطاقة الشمسية على نفقة شقيقه المغترب، الذي أمن أيضاً بدل تركيب زجاج النوافذ والأبواب، قبل بدء عمليات الكشف على الأضرار.
المشهد بمارون الراس لا يوصف
لا يوجد وصف كاف لتصوير الدمار الذي لحق بلدة مارون الراس. هنا كل المساكن والمرافق والبنى التحتية دمرت تدميراً كاملاً. معالم البلدة تغيرت وبات من الصعب تعقب شوارعها وطرقاتها. ويقول مختار البلدة خليل شحادة: "البلدة أكثر من منكوبة. لم يبق فيها بيتاً واحداً. وإذا ما بقي بيوت معدودة فهي غير صالحة للسكن، وبحاجة للترميم".
يقع منزل المختار الذي لحقه الدمار على مقربة من حديقة مارون الراس. لم يبق من الحديقة، التي كانت قبلة للسائحين والمتنزهين، أي معلم، بعدما محتها الغارات الإسرائيلية. وإذ يؤكد أن "كل الخسائر تهون أمام فقدان خيرة الشباب والقادة"، دعا الحكومة، التي التزمت دفع التعويضات، إلى المبادرة للقيام بواجبها تجاه أهلي البلدة، الذين قدموا أغلى ما يملكون.
عيترون تستعيد عافيتها
خسر المربي جمال حجازي منزله في حي "الخانوق" ببلدة عيترون، مع حوالي أربعة آلاف كتاب من مكتبته العملاقة. باتت جميع كتبه، التي جمعها على مدى أكثر من أربعة عقود، تحت أنقاض منزله.
يتوجه حجازي كل يوم من مكان نزوحه الحالي في بلدة تبنين إلى بلدته عيترون. يمضي النهار في البلدة باحثاً عن كتبه، التي تمكن إلى الآن من انتشال أكثر من خمسين منها. ثم يرجع مع ساعات المساء إلى منزل النزوح.
لكن بخلاف باقي القرى الحدودية بدأت بلدة عيترون، التي دمر فيها حوالي الألف منزل، تستعيد بعضاً من حيويتها ونشاطها. فقد سجلت هذه البلدة أعلى نسبة من العائدين إليها، قياساً بباقي بلدات الحافة الأمامية، في قضاء بنت جبيل. وأعيد افتتاح عدد من المؤسسات والمحال التموينية لتلبية احتياجات العائدين.
وحال هذه البلدة كحال سائر القرى المجاورة لناحية الكشف على الأضرار. تأخر الكشف قليلاً، لكن قبل أيام، بدأت مؤسسة جهاد البناء، عمليات مسح الأضرار. وقد حصل غالبية أصحاب البيوت المدمرة على تعويضات بدل الإيواء والأثاث. على أن تشهد الأيام المقبلة انطلاق أعمال الكشف التي يتولها مجلس الجنوب، المكلف من الحكومة.
تعليقات: