صبحي القاعوري: الأرملة الحسناء.. حكاية الصمود والمقاومة


رحل الزوج الحنون، الرجل الذي كان رمزًا للوقار والحكمة، تاركًا وراءه أرملة حسناء خارقة الجمال، ذاع صيتها في كل أرجاء المعمورة، تمامًا كما كان زوجها الراحل موضع احترام وتقدير الجميع. عاشت معه حياة سعيدة يُحسدون عليها، لكن القدر اختطفه، فعمّ الحزن، وانتشر خبر وفاته، فيما أعلنت زوجته الحزينة أن مراسم التشييع ستُعلن لاحقًا.

جلست الأرملة الشابة في ريعان صباها، تغمرها الأحزان، وتهمس لنفسها: إلى من تركتني يا حبيبي؟

وكيف سأواجه وحوش هذا العالم، حيث قلّ من يعرفون الله؟ قرّرت الامتثال للشرع، فقضت عدّتها الشرعية دون أن تخرج من منزلها إلا للضرورة.


وحوش الداخل والخارج يتربّصون بالأرملة الحسناء

لكن حساب الحقل لم يأتِ مطابقًا لحساب البيدر، إذ سرعان ما هاجم وحوش الخارج، المشهورين بالغدر والقتل وهم من صلبوا المسيح عليه السلام، الأرملة في الليلة الأولى، مما اضطرها للنزوح إلى مكان أكثر أمنًا. لكنها لم تسلم، فقد لاحقها الأعداء لمحاولة كسر معنوياتها، ورغم فشلهم في ذلك، فإنهم نجحوا في ارتكاب مجازر وحشية بحق الأطفال والنساء والشيوخ، ودمّروا البيوت فوق رؤوس ساكنيها.

أما وحوش الداخل، فكانوا أشدّ قساوة، إذ لم يكتفوا بالصمت على العدوان، بل مارسوا التخاذل والهمز واللمز، متشفّين بهزيمة الأرملة أمام الغزاة، ومتطاولين عليها. لكنها، وكما فعلت دومًا، ردّت عليهم قائلة:

"نحن نكره العدو، لكننا نحترمه لأنه يقاتل من أجل قضيته، أما أنتم فنحبكم لأنكم تساندون العدو، لكننا نحتقركم لأنكم تخونون وطنكم وأمتكم. لقد اخترنا الحياة بعزّ وكرامة، فيما رضيتم أن تكونوا محبوبين كالكلاب."


اتفاق هشّ وصمود لا ينكسر

مضى شهران على هجوم الأعداء، وفي ظل ضربة موجعة تعرّضوا لها، استنجدوا بالراعي الأميركي لوقف إطلاق النار، فحصلوا على ما أرادوا. وافق السلطان وحكومته على الاتفاق، لكن العدو لم يلتزم به، بل واصل احتلال خمس مواقع استراتيجية، متذرّعًا بـ"الوقت الكافي للحل الدبلوماسي"، بينما كانت الدول الراعية للاتفاق تحمي مصالحه وتشرّع احتلاله.

رغم ذلك، لم تستسلم الأرملة الحسناء، وواجهت كل المؤامرات، فاستذكرت قول السيد المسيح عليه السلام: "من أنصاري إلى الله؟" فكان الجواب مدوّيًا:

"لبيكِ يا جنوب، لبيكِ يا لبنان!"


نهاية العدة... وبداية المعركة

في صباح اليوم الأخير من الاتفاق، كانت العدة الشرعية قد انتهت مع إضافة أحد عشر يومًا. نهضت الأرملة الحسناء، أدّت صلاة الفجر، ثم انطلقت كالبحر الهائج بأمواجه العاتية، تتقدّمها جحافل بشرية تفوق الجيوش عددًا، لتجبر العدو على الانسحاب، مسطّرةً ملحمة بطولية غير مسبوقة. لكنها دفعت ثمن الانتصار، إذ خسرت 25 شهيدًا وعددًا من الجرحى، في حين بقيت المواقع الخمسة تحت الاحتلال، بانتظار "الحل الدبلوماسي" الذي تتبنّاه القوى الكبرى.


ظلم السلطان وحكومته

عادت الأرملة الحسناء لترميم منزلها، لكنها فوجئت برجال أمن السلطان يوقفون أعمال البناء، بل ويهدمون ما رمّمته، ويحرّرون بحقّها مخالفة قانونية. وبكل هدوء، سألتهم:

"هل بِيع الجنوب؟ هل تعون ما تفعلون؟ ألا تدركون أن هذا قد يؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه؟ فكروا بآبائكم وأمهاتكم، بإخوانكم وأخواتكم، بزوجاتكم وأولادكم!"


ما بعد النصر... التشييع المهيب

اجتمعت الأرملة الحسناء بأبنائها المقاتلين، ووضعتهم في صورة المخططات التي تُحاك للبنان والمنطقة، محذّرةً من الأخطار القادمة، ثم أعلنت التشييع.

وفي لحظة الوداع، احتشدت مئات الآلاف من الوفود، مشاركين في تشييعٍ مهيب، يليق بمقام الراحل الكبير، مؤكدين أن الطريق مستمرّ حتى التحرير الكامل، بينما لا تزال الدبلوماسية تدور في متاهة الوعود الفارغة.


الحاج صبحي الفاعودي

تعليقات: