رئيس وزراء إسرائيل السابق أرييل شارون يشير إلى خريطة تظهر جنوب لبنان عام 1982 (ا ف ب)
بيروت تطالب برعاية أممية وأميركية لتثبيت الاتفاقات ودفع تل أبيب للانسحاب من النقاط الـ5
يتهم لبنان إسرائيل باحتلال مساحات كبيرة من أراضيه عند الحدود الجنوبية من مرتفعات مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، إلى تمدد قرية الغجر السورية المحتلة داخل الأراضي اللبنانية، فالنقاط الـ 13 المتنازع عليها، والمناطق الـ 18 المحتلة من قبل إسرائيل وصولاً إلى التلال والنقاط الخمس الأخيرة.
كثر الحديث الإعلامي الإسرائيلي أخيراً عن انطلاق عملية التفاوض بين لبنان وإسرائيل حول الحدود البرية بين البلدين في ظل إبقاء تل أبيب سيطرتها العسكرية والأمنية على نقاط حدودية خمس لم تنسحب منها مثلما انسحبت من عديد من القرى والبلدات الجنوبية الحدودية التي احتلتها ودمرتها في الحرب الأخيرة، تضاف إليها سيطرتها منذ فبراير (شباط) الماضي على كامل موقع العبّاد شرق حولا (مرجعيون) بشقيه اللبناني والإسرائيلي، إلى نقاط لبنانية عديدة سابقة تعتبر باعتراف الأمم المتحدة نقاطاً وأراضي لبنانية محتلة من إسرائيل.
يأتي حديث التفاوض مع معلومات تبث هنا وهناك عن احتمالية التطبيع بين لبنان وإسرائيل في وقت لم تزل إسرائيل تستبيح لبنان برمته جواً وبراً وبحراً، فتقصف وتدمر وتغتال وتراقب وكأن الحرب لم تنته بعد عملاً باتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة بين البلدين برعاية أميركية وفرنسية وتمهيداً لبدء تطبيق بنود القرار الأممي 1701، الأمر الذي اعتبره عديد من المحللين السياسيين والاستراتيجيين في لبنان رغبة إسرائيلية في جر لبنان إلى مفاوضات تحت النار تملي من خلالها شروطها وقراراتها.
نقاط حدودية عالقة
لم تكن المواقع الخمسة والتلال التي لم تنسحب منها إسرائيل بعد الحرب الأخيرة هي النقاط الخلافية الوحيدة بين لبنان وإسرائيل، إذ ثمة نقاط كثيرة متراكمة وعالقة منذ عشرات السنين بين البلدين، إذ كانت إسرائيل في حالات الحرب والسلم وباعتراف أممي تعبث بالحدود فتبدلها وتتمدد داخل الأراضي اللبنانية، وتنسحب أحياناً تحت الضغط الدولي وتتردد وتؤجل في أحيان كثيرة، وهذا ما جعل الصراع مفتوحاً، إذ يتهم لبنان إسرائيل باحتلال مساحات كبيرة من أراضيه عند الحدود الجنوبية من مرتفعات مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، إلى تمدد قرية الغجر السورية المحتلة داخل الأراضي اللبنانية، فالنقاط الـ 13 المتنازع عليها، والمناطق الـ 18 المحتلة من قبل إسرائيل وصولاً إلى التلال والنقاط الخمس الأخيرة.
والنقاط الـ 13 المتنازع عليها هي في بلدات رأس الناقورة، ثلاث نقاط في علما الشعب، البستان، مروحين، رميش، يارون- مارون الراس، بليدا، ميس الجبل - حولا، العديسة، العديسة - كفركلا والمطلة - الوزاني.
ثبتت اتفاقية الهدنة المعقودة بين لبنان وإسرائيل عام 1949 الحدود اللبنانية- الإسرائيلية الدولية بناء على ترسيم حدود 1923 باتفاقية بريطانية- فرنسية عرفت باسم "اتفاقية بوليه– نيوكومب" أو "خط بوليه– نيوكومب" وعززت الاتفاقية بخرائط حدودية مفصلة وقع عليها الطرفان قبل تثبيتها في الأمم المتحدة.
ومنذ أواخر الستينيات بدأت إسرائيل تشن حروبها على لبنان تحت عناوين مختلفة فتبدل الحدود لمصلحتها مما يضطر لبنان إلى اللجوء لمجلس الأمن الدولي للضغط على إسرائيل وإلزامها الانسحاب من أراضيه، فتنجح المفاوضات أحياناً وتفشل في أحيان أخرى.
المفاوضات مصلحة لبنانية؟
نسأل العسكري السابق في الجيش اللبناني اللواء الركن جورج شريم والذي كان قائداً لمنطقة جنوب الليطاني سابقاً عما إذا كانت المفاوضات ستعيد إلى لبنان حقه المهدور، فيجيب "الكلام عن المفاوضات وما يدور من معلومات حولها في اليومين الأخيرين، لم يصدر موقف رسمي لبناني بشأنها بعد، وورد في وسائل الإعلام أنه طرحت أفكار عن بدء التفاوض بين لبنان وإسرائيل حول النقاط الخمس التي لم تنسحب إسرائيل منها، إضافة إلى منطقتين عازلتين، طريق العديسة (مرجعيون) ومساحة بين يارون ومارون الراس (بنت جبيل) يضاف إليها المناطق المتنازع عليها وهي 13 منطقة تم تعريفها بعد ترسيم الخط الأزرق برعاية الأمم المتحدة في أعقاب انسحاب إسرائيل عام 2000 من الأراضي اللبنانية وصارت الأمم المتحدة تعتبر الخط الأزرق الخط الذي يجب على جميع الأطراف احترامه وعدم خرقه".
ويضيف "يجب إجراء مفاوضات حول المناطق المتنازع عليها حتى تتبين الحقوق، ولبنان يطالب بهذه المناطق باعتبارها من الأراضي اللبنانية، وإسرائيل تدعي عكس ذلك، لذلك يجب أن تكون هناك مفاوضات برعاية أممية لوضع حلول لهذه المناطق المتنازع عليها، فلبنان لا يستطيع في الوقت الحالي إجراء مفاوضات مباشرة لذلك سوف تحصل مفاوضات غير مباشرة برعاية إما أطراف دولية أو الأمم المتحدة، وهناك مفاوضات تجري بين لبنان وإسرائيل من خلال لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، وكانت تتم سابقاً من خلال الاجتماعات الثلاثية التي تحصل في الناقورة ويشارك فيها الجيش اللبناني وقوات يونيفيل والجيش الإسرائيلي".
ويشير شريم إلى أن هناك "حديثاً عن نوع آخر من المفاوضات، لكن هذا الشيء لم يتضح حتى الآن ولا توجد صورة واضحة لكيفية التفاوض ومن سيرعاه وتحديد ما سيتناوله، وهناك حديث آخر لا أعلم مدى جديته أنه يمكن التوصل في نهاية المطاف إلى تطبيع بين لبنان وإسرائيل، وثمة علامات استفهام كبيرة حولها كونها وردت في وسائل إعلام إسرائيلية".
ويؤكد شريم أن "لبنان في الوقت الحاضر غير جاهز لموضوع التطبيع، فهو يخرج من حرب مدمرة ولديه آلاف الضحايا والقتلى وآلاف الجرحى، وثمة مدن دمرت، ومهجرون لبنانيون لا يستطيعون العودة إلى بيوتهم وقراهم وأراضيهم التي يزرعونها بسبب الأعمال والظروف العسكرية وبسبب المناطق الحدودية التي لم تزل محتلة".
ويتابع "لذلك يجب أن يكون موضوع التطبيع خارج التداول، ولبنان لا يمكنه أن يدخل إليه بمعزل عن موقف الدول العربية، خصوصاً أن إسرائيل رفضت الخطة العربية تجاه غزة التي طرحت في مؤتمر القاهرة الأخير، ولبنان بحاجة إلى أن يدخل بالمفاوضات لأن هناك عدة مواضيع يجب حلها ومنها قضية الأسرى، وقد أفرج عن خمسة منهم أخيراً وهذا نعتبره أمراً إيجابياً، فهم أسرى لبنانيون كان يجب أن يعودوا إلى أهلهم وأعتقد أن هذا الأمر تم نتيجة الضغط اللبناني والمطالبات اللبنانية الرسمية من رأس الدولة والحكومة اللبنانية ووزارة الخارجية".
ويرتاح اللواء شريم إلى أن "موقف لبنان إيجابي أمام العالم، إذ بدأ بتنفيذ النقاط المتعلقة بالقرار الأممي 1701، والجيش اللبناني بدأ ينتشر في معظم مناطق الجنوب ويقوم بواجباته، إذاً لبنان يقدم ما هو مطلوب منه وعلى الطرف الآخر أن يبادر إلى حلحلة الأمور العالقة حتى يمكننا الانطلاق بحلول للمناطق المتنازع عليها مثلما حصل في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية، ويجب أن تكون هناك مفاوضات على ترسيم الحدود البرية وصولاً إلى الهدوء والاستقرار وهذا لن يتم إلا من خلال المفاوضات برعاية دولية".
المفاوضات دفع للعهد الجديد
المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى الـ "يونيفيل" العسكري السابق في الجيش اللبناني العميد الركن منير شحادة يقول بدوره "أقرأ موضوع الحديث عن مفاوضات على النحو الآتي، هناك ضغوطات من العهد الجديد في لبنان بشخص رئيس الجمهورية جوزاف عون، أنه بعد انتخاب رئيس للجمهورية بضغط دولي وتأليف حكومة جديدة بضغط دولي، وكيفية انطلاق عجلة الإصلاح في البلد وبدء الانصراف إلى الشأن الداخلي اللبناني ولم يعط المجتمع الدولي أي قوة دفع للعهد الجديد ولم تزل إسرائيل تحتل نقاطاً لبنانية وتنفذ غارات جوية من أجوائه وتقصف، هو بمثابة أمر خطير بالنسبة إلى العهد، فيجب أن يقدم المجتمع الدولي وبخاصة أميركا الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار قوة دفع جديدة لهذا العهد في الانطلاق وكي يظهر أن الدبلوماسية التي نادى بها ولا سيما في خطاب القسم هي الطريق إلى الحل في انتهاء الحرب".
ويضيف شحادة "لذلك تحركت الإدارة الأميركية بدءاً بتحرير عدد من الأسرى اللبنانيين ثم أطلت نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس بخطاب من البيت الأبيض تحدثت عن التعمير الذي يجب أن يكون بيد الدولة اللبنانية وليس بيد فريق من الفرقاء وممنوع على ’حزب الله‘ أن يعيد هو عملية التعمير، فكيف يطبق هذا الأمر على أرض الواقع وإسرائيل لم تنسحب بعد من الأراضي التي احتلتها وتمركزت فيها ولم تزل تخرق وقف إطلاق النار؟ لذلك جاء الحراك الأميركي والضغط الأميركي بهذا السياق وصدر كلام عن إنشاء لجنة لمناقشة النقاط الخلافية حول الخط الأزرق، أي النقاط الـ 13 المتنازع عليها، ونقاط الخرق الدائم الـ 18، وهذا يعطي دفعاً للعهد الجديد كونه كان محرجاً طوال هذه الفترة وينادي بأنه يريد حل الأمور بالطرق الدبلوماسية".
تحذير من نوايا سلبية
يتخوف شحادة من نوايا سلبية تجاه المفاوضات التي يحكى عنها قائلاً "أنا كخبير عسكري وكنت رئيساً للوفد المفاوض بالاجتماعات الثلاثية في الناقورة، أرى وكأن تل أبيب تحاول إدخال النقاط الخمس التي لم تنسحب منها في نقاشها مع النقاط الـ 13 وكأنها أضحت من النقاط المتنازع عليها، هذا شيء خطير، وأن تتحول 13 نقطة متنازع عليها إلى 18 نقطة، مع أن النقاط الخمس واضح احتلالها وهي داخل الأراضي اللبنانية، وقد أتت مورغن على سيرة هذه النقاط ووجوب انسحاب إسرائيل منها كونها نقاطاً محتلة، إن خلط النقاط الخمس مع النقاط الـ 13 المتنازع عليها في الخط الأزرق أراها أمراً سيئاً على لبنان في المستقبل".
المواقع التي لم تنسحب منها إسرائيل أخيراً لم تكن هي النقاط الخلافية الوحيدة بين البلدين (أ ف ب)
قوات يونيفيل في الجنوب اللبناني (أ ف ب)
تعليقات: