اميركا التي اعتبرت نفسها ، انها حققت إنتصاراً ساحقاً على منافسها الرئيسي ، الإتحاد السوفياتي ، بعد حرب باردة أرهقتهما لمدة تقارب النصف قرن ، بعد الحرب العالمية الثانية ، إعتقدت بعدها ، انها باتت قادرة على إدارة شؤون العالم بمفردها ، ولن تستطيع أي دولة من دول العالم ، بعد هذا النصر الحاسم الذي حققته ، أن تواجهها ، أو تقف في وجه مخططاتها ومشاريعها التي تطمح إليها من خلال إدارتها لشؤون العالم ، حيث هيمنت وتفردت بالتحكم بإدارة منظمة الأمم المتحدة والمؤسسات الحقوقية والمالية والانسانية التابعة لها ، ومن خلال التحالفات الكبرى التي حاكتها على امتداد العالم ، وخاصة حلف الناتو الذي كان من المفترض أن يتم حلُّه بعد انهيار الإتحاد السوفياتي ، لأنه فقد مبررات وجوده ، لكن حقيقة الأمر أنه بقي وتم تعزيزه ، ودخل بمشاريع كبرى جديدة وضخمة ، مثل سعيه لتفتيت روسيا ، عن طريق ضمه لدول البلقان التي استقلت حديثاً ، عن الإتحاد السوفياتي ، الأمر الذي انتهى بصدام مباشر مع روسيا ، في اوكرانيا ، حتى وصل الأمر الى مرحلة كبيرة من الفشل والإستنزاف ، لكل من اميركا وغربها الجماعي ، لدرجة باتت اميركا مضطرة معه ، لتحمِّل شركاءها في حلف الناتو نتيجة هذا الفشل الكبير ، وتطالبهم بتعويضات ، باحثة عن دفاتر جدتها القديمة ، وكانت اميركا قد أدخلت هذا الحلف ، قبل هذه المرحلة ، في حروب إخضاع لمنطقة غرب آسيا ، عندما احتلت العراق ودمرت نظامها واقتصادها وحاولت تمزيقها إلى دويلات ، وعندما حاولت احتلال أفغانستان لتحولها إلى خنجرٍ في خاصرة كل من روسيا وايران ، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً ومدوياً ، في تحقيق اهدافها في المحاولتين ، وحاولت إخضاع ايران من خلال الحرب التي قادت تحالفها ضد اليمن ومن خلال خروجها من الأتفاق النووي معها بطريقة فجة وتسلطية ، ومن خلال فرض عقوبات قاسية ومتشددة على الإقتصاد الإيراني ، ولكنها لم توفق في تحقيق أهدافها وفشلت أيضاً فشلاً عظيماً ، رغم الجهود والموارد الهائلة التي وظفها في هذه المشاريع ، وكانت تهدف من وراء كل هذه المحاولات ، الى الإنتصار على من تعتبرهم منافسين صغار ، لتتفرغ للمنافس الحقيقي الأكبر ، الذي هو الصين ، وخسرت بذلك فرصة لا تعوض من الوقت الذي قامت الصين باستغلاله على أفضل وجه ، حيث تابعت مشروع تقدمها ونموها في كافة المجالات الإقتصادية والعمرانية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والتكنولوجية والفضائية ، وباتت دولة عظمى لا تجرؤ اميركا على إيذائها ومحاصرتها ، وممارسة تسلطها وهيمنتها عليها ، وكانت تجربة اميركا الأخيرة ، باستخدامها الكيان الصهيوني لضرب محور المقاومة بدأً بفلسطين (غزة) مروراً بلبنان والعراق واليمن ، وقد حققت بعض الإنجازات الميدانية بسبب استخدامها القوة المفرطة ، وبسبب استخدامها أحدث تكنولوجيا الأسلحة ، بحساب مفتوح قدمته لإسرائيل ، وقد تكون دول التبعية العربية هي الممول الرئيسي لهذه المعركة ، لأن هذه المعركة كما تدَّعي اميركا تستهدف عدو العرب الأساسي ، الذي هو ايران ، ولكن هذه المعركة لم تتمكن اميركا وحلف الناتو من حسمها النهائي لصالحها ، وبقي الكثير من النقاط الجوهرية العالقة التي تمنع اميركا من تشكيل المنطقة حسب رغباتها ومصالحها ، مثل العجز عن اخضاع وطرد الشعب والمقاومة الفلسطينية من غزة ومن الضفة الغربية ، والعجز عن اخضاع المقاومة في لبنان ونزع سلاحها ، وعجزها عن كسر إرادة الشعب والقوات المسلحة اليمنية ، وها هي تقف اليوم مباشرة ، وجهاً لوجه في مقابل ايران واليمن وحركات المقاومة في المنطقة ، وتهد وترعد وتطلق المبادرات شرقاً وغرباً ، وتوزع قرارات توسيع مساحات دولٍ وتقليص مساحات دولٍ أخرى ، وتقترح على دول أن تضمها اليها رحمة بها ، كما تقترح ترحيل شعوب من ارضها رحمة بها ، وتدعي انها تركز اهتمامها على اوضاع اميركا الداخلية ، وتقوم بإجراءاتٍ تقشفية ، فتلغي مؤسسات عملاقة ، وتقلص اعداد العاملين والموظفين في المؤسسات الفدرالية ، وتعِد شعبها بالإزدهار والتألق مجدداً ، وإعادة اميركا الى عصر عظمتها وتفوقها العالمي والعلمي ، في وقت تتابع فتح ملفات حروب ومعارك مع دول في مشارق الأرض ومغاربها ، كل هذا العرض لمشاريع اميركا وقيادتها الجديدة الواعدة ، تجعلها تقترب من مشروع صدامي عالمي ، في منطقة غرب آسيا ، في وقتٍ تعيش فيه اصعب ظروفها الإقتصادية وأزماتها الداخلية ، وعجزها عن حسم أي حرب تخوضها ولو كانت مع عدو بحجم غزة ، وفي مرحلة تعيش فيها اميركا في عنق الزجاجة ، في تصدِّيها لصعود الصين في مقابلها ، فكيف ستتمكن الإمبراطورية الأميركية من من حسم كافة معاركها الممتدة من تايوان في اقصى شرق العالم والتي تمر بأوكرانيا وتتابع سيرها في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن وها هي اليوم تقرع باب طهران ، عاصمة المقاومة الإسلامية العالمية ، واعدة ومهددة وراعدة بأنها ستحولها الى رماد في حال إصرارها على تحدي إرادتها وعلى دعمها لقوى المقاومة في منطقة غرب آسيا ، واميركا وخبراؤها واستراتيجيوها ، هم أكثر العارفين بأن مباشرة الصراع مع ايران ، قد تتمكن اميركا وقادتها من تحديد بدايته ، ولكنها ستقف مجدداً أمام اليوم التالي للحرب ، التي لا يعلم إلا رب العزة متى وكيف ستنتهي ، وكيف ستكون صورة المنطقة بعدها ، وكيف سيكون شكل انظمة وشعوب وانتماءات دول المنطقة ، بعد هذه المعركة الهائلة والمرعبة ، وكيف سيكون النظام العالمي أيضاً بعدها .
اميركا التي أطلق استراتيجيوها الموتورون والمتغطرسون والمسكونون بحلم نهاية التاريخ على أيديهم ، أطلقوا مشروع صدام الحضارات ، في وقت طرح الاستراتيجيون العقلاء من بني البشر في مقابله ، مشروع حوار الحضارات ، ولكن اميركا تصر على جعل العالم يعيش اوهام عظمتها وعقدها التاريخية ، الأمر الذي سيؤدي الى إطلاق شلالات الدم على مداها ، وسيؤدي الى هدم جزء عزيز وعظيم من النتاج الحضاري الإنساني للمنطقة ، ولكن النهاية لن تكون ، إلا انتصار مشروع المصلحة الإنسانية العليا الذي تمثل ايران نموذجه الحضاري الأرقى على مستوى العالم ، والذين تمثل اميركا اليوم وغربها الجماعي النموذج المعادي الأقبح للمشروع الحضاري الإنساني في هذا العالم .
اميركا اليوم تنحدر مسرعة نحو مصيرها المحتوم الذي ينتظرها ، وهو نزولها عن مشروعها المتفرد والمتسلط والمتغطرس في ادارة هذا العالم ، بسبب كثرة اخطائها وتجاوزاتها التاريخية ، وبسبب مقاومة احرار العالم لمشاريعها الأنانية القذرة ، وبسب سنن الله التي اودعها رب العزة في خلقه في هذا الوجود .
عدنان ابراهيم سمور
17/03/2025
تعليقات: