لماذا نحارب اميركا اليوم؟
الجواب لن يبدأ بكلمة لأن ، فأميركا هي التي تحاربنا ، عبر وكلاء لها كالكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ، أو عبر حلفاء لها من الخارج أو من الداخل ، وليكون جوابنا واضحاً وجلياً ، على هذا السؤال البالغ الأهمية ، سنفترض أن اميركا وكيانها الغاصب لفلسطين ، وغربها الجماعي ، والمتأثرين بحلمها الليبرالي في منطقتنا ، انتصروا علينا نصراً حاسماً ، وساحقاً وماحقاً ونهائي ، أو أننا نحن استسلمنا لهم ، وقلنا لهم فصَّلوا لنا العالم الذي تريدونه ، ونحن على أتم الجهوزية لنحيا فيه كما تحبون وترغبون ، ولن نفعل ما يغضبكم أو يثير حفيظتهم ، أو يتسبب لكم بالقلق والإزعاج والتحسس منا ومن سلوكنا لا سمح الله .
كيف تتصورون سيكون تعاملهم معنا في هذه الحالة ؟ وحين اقول معنا ، أقصد بأني اتكلم بإسم كل الذين يمانعون ويقاومون مشروح احتلال فلسطين ، ومشروع الهيمنة الغربية على منطقتنا بزعامة اميركا ، وليكون لدينا تصور وتقدير قريب لمطالبهم التي سيطالبونها بها ، سنستهلم تجاربهم وتعاملهم مع الذين استسلموا لهم في فلسطين وفي اماكن كثيرة من العالم خلال تاريخهم الطويل ، وأول ما سيخطر في بالنا هم سكان اميركا الأصليين ، الذين تمت إبادتهم عن بكرة ابيهم ، وأقل تقدير لعددهم سبعين مليون انسان ، وهناك تقديرات بأن عددهم كان مئتي ملوين انسان بريء وأعزل ، وفي النهاية قام المستعمرون باحتلال ارضهم ، ونهب ثرواتهم ، وضيع تاريخهم ، وشوه مساهماتهم الحضارية الإنسانية الغنية ، وسجل التاريخ الغربي ، انه انتصر في حرب مشرفة على شعوب وصفها بأنها همجية ومتوحشة ، وهو المدجج بالسلاح والخبرات والتقنيات وهم العزَّل .
أما شعوب أفريقيا ، فخلال فترة الإستعمار التي رافقت الإكتشافات الجغرافية ، قام الإستعمار بهدر حقوقهم واستعبدهم واجهض أحلامهم ودمر عمرانهم ونهب ثرواتهم وما زال يمارس هذه الأفعال الشنيعة والإجرامية في افريقيا منذ مئات السنين إلى يومنا هذا ، وسنستذكر وعودهم ونكثهم مع الذين تحالفوا معهم ليتخلصوا من العثمانيين ، وكيف مزقوا بلادهم عبر اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور ، وكيف نشروا الفتن والخلافات بينهم ، وكيف اعاقوا نهضتهم وتنمية مجتمعاتهم ، وسنستذكر وعودهم التي قطعوها للفلسطينيين ونكثهم لها عبر مجلس الأمن وقرارات الأمم المتحدة ، وسنستذكر كل المجازر التي افتعلوها ضد الفلسطينيين مذ قرروا خلق الكيان الصهيوني على ارض فلسطين ، وما زالوا يعملون على ابادة هذا الشعب المظلوم ، والمحاصر ، والأعزل ، وكيف عملوا وما زالوا يعملون على تهجيره وتشتيته ومصادرة ارضه والتآمر عليه ، وإظهاره أمام العالم بانه هو المعتدي ، وهو الإرهابي وهو المخرب ، وهم الحضاريون الذين يريدون له الخير ، وكل حربهم ضده هي حرب دفاعية ، لا أكثر ولا أقل .
إننا قاتلنا اميركا في السابق ، وما زلنا نقاتلها اليوم ، لأننا بعد قراءة كل تجاربها السابقة ، ووصلنا الى قناعة راسخة ونهائية ، مفادها أننا لو سلمنا أمرنا لأميركا وأتباعها ، سيتكرر مع كل شعوب منطقتنا ما حصل مع الفلسطينيين ، وستتعرض مدننا وقرانا في لبنان وسوريا والأردن ومصر والعراق وربما ايران ، الى ما تعرضت له حيفا ويافا ودير ياسين بالأمس ، وما تتعرض له غزًّة والضفة الغربية اليوم ، وستتحول شعوب المنطقة الى جماعات لاجئةٍ مشتتةٍ ضائعةٍ في عواصم ومطارات العالم ، وسيضِيعُ أغنى تاريخ حضاريٌّ وثقافي وإجتماعي وإنسانيٍّ أنتجته البشرية ، وسيكتب المنتصر الأميركي والغربي ، أنه انتصر على شعوب همجيةٍ وإرهابيةٍ ومتوحشةٍ ، كانت تسكن في منطقتنا ، والتي هي نحن ، نحن الذين نزلت في بلادنا المقدسة اسمى الرسالات الدينية الإيمانية الخالصة ، التي حررت الإنسان من أنظمة العبودية والتوحش ، نحن الأمة التي بعث الله فيها الأنبياء العظام ، الذين جلبوا المحبة والرحمة للبشرية من السماء ، وعلَّموا الناس معاني التضحية والفداء خدمةً للمستضعفين ، وانتجوا الفكر والشعر والفنون والفلسفة ، والعمران الأجمل والأرقى ، وانتجوا التجربة الإجتماعية والأسرية الأكثر تراحماً وتعاوناً وإبداعاً ، وطوروا العلوم وسنُّوا الشرائع ، ووصلوا الأرض بالسماء .
نحن نقاتل اميركا وغربها الجماعي اليوم ، وفاءً لآلاف الأجيال من الأجداد والآباء الذين صنعوا تاريخنا الإنساني المُشرِّف والمُشرق ، وقدموا على مذبح الإنسانية ، ملايين الشهداء وما زالوا يقدمون ، ما لا يقدر من التضحيات والموارد والعطاآت ، خدمة لحضارة الإنسان الحر والنبيل والشريف ، وإعماراً لأرض الله ، ونشراً للحياة الطيبة والعادلة ، بين بني البشر .
نحن قاتلنا اميركا وأتباعها ، وما زلنا نقاتلهم ، حفظاً للإرث الإنساني العظيم ، الذي أنتجته البشرية ، ومنعاً لإنحدار الحضارة الإنسانية الراقية والمبدعة والخلاقة نحو التوحش والتغول الذين تسعى إليهما أميركا وغربها الجماعي .
نحن قاتلنا أميركا وغربها الجماعي ، وسنظل نقاتلهم ، حتى تستيقظ الضمائر الإنسانية النائمة والمخدَّرة ، ونحن لن نعلن هزيمتنا امامها ، حتى لو تم افناؤنا جميعاً ، ومن يراهن رهاننا الخالص هذا ، انسجاماً مع الطبيعة الإنسانية الخلاقة ، التي فطر الله الناس عليها ، لا يخيب ولا ينهزم ، بل مصيره سيكون النصر والتأييد من الله ومن المؤمنين بإنسانية الإنسان .
ع.إ.س
باحث عن الحقيقة
28/03/2025
تعليقات: