العيد في الخيام وباقي القرى الحدودية: عودة لإثبات الحضور وزيارة الأضرحة

المختار أحمد حسان خسر منزله الذي دمّر بالكامل وهو حالياً يمضي طيلة النهار في الخيام، ثم ينتقل مساء إلى بيت مستأجر في إبل السقي
المختار أحمد حسان خسر منزله الذي دمّر بالكامل وهو حالياً يمضي طيلة النهار في الخيام، ثم ينتقل مساء إلى بيت مستأجر في إبل السقي


خسر أحد مخاتير المدينة أحمد حسان، منزله الذي دمّر بالكامل. وهو حالياً يمضي طيلة النهار في الخيام، ثم ينتقل مساء إلى بيت مستأجر في إبل السقي. وإذ يؤكد حسان أن عودة الأهالي ستنشط بعد إنتهاء العام الدراسي، يلفت إلى أن أبناء المدينة سيكتفون بالعيد الحالي بزيارة المقابر وأضرحة الشهداء خلال العيد. سيزحف أهالي الخيام المنتشرون في كل لبنان إلى بلدتهم لقراءة الفاتحة عن أرواح الشهداء والأموات وإقامة صلاة العيد، ويعودون أدراجهم.

يمضي أبناء البلدات والقرى الحدودية عيد الفطر عند أضرحة شهدائهم وموتاهم، ثم يعودون إلى مناطق نزوحهم القسري. لا بيوت تأويهم بعدما استخدم العدو الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة مدمراً الحجر والبشر هناك. لكن سيحرم الكثير من أبناء تلك القرى من قراءة الفاتحة على أحبتهم، بعدما أقتلعت صواريخ الطائرات الإسرائيلية قبورهم وشواهدها.


لا بيوت ولا خدمات

لطالما كان أغلب أبناء تلك القرى، الموزعين سكنياً في مختلف المناطق ولا سيما بيروت، يقصدون قراهم وبيوتهم لتمضية فترة الأعياد فيها. أما اليوم فسيكتفون بوضع الورود على القبور والأضرحة، ويشعلون البخور ويحولون رخام القبور إلى نهر من الدموع، ثم يعودون إلى بقاع نزوحهم القسري، علهم في الأعياد القادمة يرجعون إلى قراهم وبيوتهم بعد إعمارها.

على أبواب عيد الفطر، بدأ الأهالي في البلدات والقرى الممتدة من الناقورة وطيرحرفا وصولاً إلى الخيام وكفرحمام يتحضرون للزيارات الجماعية والفردية إلى مقابر الشهداء صبيحة العيد وإقامة الصلاة بعد التنسيق مع الجيش اللبناني. غالبية بلدات القطاع الغربي لم تشهد عودة العائلات إلى اليوم( طيرحرفا، الجبين، شيحين، يارين، البستان، الزلوطية، مروحين، شمع وغيرها) بينما تشهد معظم قرى بنت جبيل ومرجعيون، بإستثناء مارون الراس وكفركلا، حتى اليوم عودة إضافية، على أن يرتفع منسوبها بعد إنقضاء شهر رمضان وعيد الفطر. وذلك ربطاً بالأوضاع الأمنية وعدم توفر الخدمات وعلى رأسها الكهرباء والمياه.


ممنوع عليهم زيارة المقابر

يستعد حسين نصَار، لزيارة قبور شهداء بلدته "عيتا الشعب" التي عادت إليها عائلات قليلة جداَ. وحسين الذي دمر منزله بالكامل، يعتزم الإنتقال الى البلدة بعد العيد، بعدما استأجر جانباً من بناء معصرة زيتون نجت من الدمار الكلي. ويقول: "سأرمم هذا القسم وأعود مع عائلتي للعمل في زراعة التبغ، وقد بدأنا بحراثة الأرض. وسنبقى متشبثين بأرضنا مهما بلغت التضحيات".

يتخوف أهالي بلدة الضهيرة (لم تشهد عودة لأهلها بعد) من زيارة قبور أمواتهم في المقبرة القديمة الواقعة بمحاذاة الشريط الشائك، الذي يفصلها عن ضيعة عرب العرامشة داخل فلسطين المحتل. فجنود الإحتلال المرابطون خلفها، كانوا جرفوا المقبرة بأكملها وصارت أثراً بعد عين، وهم يطلقون النار بشكل دائم على كل من يتوجه الى المنطقة، لا سيما أصحاب المنازل في الضهيرة الفوقا، بحسب ما يقول علي سويد.

أما في بلدة الناقورة فيهتم علي مهدي بأضرحة الشهداء في بلدته المدمرة، ومن بينها ضريح شقيقه الذي سقط في العدوان الإسرائيلي الأخير. ويقول مهدي: "سنزور الناقورة المزروعة بقلوبنا للتبرك بالشهداء الذين أعطوا لهذه الأرض القيمة الحقيقية. لكن للأسف سنعود إلى منزل نزوحنا في صور لتمضية العيد، بعدما أصبح منزل الضيعة ركاماً ينتظر الإعمار، ونأمل أن يتحقق ذلك قريباً حتى نستقر في بلدتنا".


التنسيق مع الجيش اللبناني

يستعد أهالي الجبين، التي بقي فيها بعض المنازل "الواقفة" وهي على عدد أصابع اليدين، وتحتاج بدورها إلى ترميم، لزيارة بلدتهم مع جيرانهم في طيرحرفا وشيحين ويارين. ويقول أمين سر البلدية محسن عقيل، نعتزم زيارة أضرحة الشهداء أول أيام العيد، وننسق الأمر مع الجيش اللبناني بهدف إقامة صلاة العيد عند الأضرحة، متوقعاّ أن يبدأ مجلس الجنوب بعمليات مسح البيوت المدمرة بعد العيد مباشرة، والذين قبض معظم أصحابها بدل إيواء وأثاث من مؤسسة جهاد البناء.

بخلاف القرى السابقة، سجّلت بلدة عيترون أكبرعودة للأهالي من بين قرى الحافة الأمامية. وتحولت مقبرة الشهداء فيها إلى مزار دائم، ستكون محجة لأهالي الشهداء وأبناء البلدة مع أيام العيد الأولى.

يتوجه سالم خريزات، الذي فقد الكثير من أقاربه، ومن بينهم إبن شقيقه، من مكان نزوحه في بيروت إلى عيترون، "لزيارة أضرحة الشهداء وتنشق رائحة التراب وتفقد منزله". لكن لن يستطيع البقاء في عيترون بعد إتمام واجب زيارة القبور. ويقول: "منزلي مسح بالأرض. لذلك سأعود مجدداّ إلى منزلي المستأجر في بيروت إلى حين عودة الإعمار". وأشار إلى أنه لم يحصل إلى الآن على بدل إيواء وأثاث أسوة بالكثير من السكان، رغم مراجعته المعنيين.

نجا منزل يوسف حجازي في عيترون من التدمير الكلي، وهو قابل للسكن بعد ترميمه وتأهيله. ويوضح حجازي بأنه يتوجه إلى بلدته من مكان سكنه الحالي في منطقة النبطية لزيارة أضرحة الشهداء والعائلة. لكنه لا يستطيع المكوث لتمضية العيد في بلدته، آملاً أن تكون العودة المحتملة بعد إنتهاء العام الدراسي.


لا يستطيعون الاقتراب من بيوتهم

من عيترون في قضاء بنت جبيل وصولاً إلى حولا في قضاء مرجعيون، حال جميع القرى يرثى لها. ولا يخفي الكثير من أبناء حولا قلقهم من الخروقات الإسرائيلية المتواصلة وأعمال التمشيط وإستمرارعزل بلدتهم عن باقي قرى قضاء مرجعيون. فقد قطع جندو العدو الشارع العام الرئيسي في منطقة الفاصلة بين حولا وهونين - مركبا.

ومثل غالبية أهالي القرى الحدودية، يتوجه المهندس أحمد شريم، إلى بلدته حولا، لزيارة أضرحة الشهداء والإستئناس بأبناء بلدته المقيمين والنازحين عنها قسراً. لكن شريم، الذي دمر منزله على مشارف المنطقة التي لا تزال محتلة بين حولا ومركبا، لا يمكنه البقاء، فلا سقف منزل يأويه مع عائلته. ويؤكد "أن أبناء البلدة لا يستطيعون الإقتراب من المنازل المدمرة، بعدما وسع جيش الإحتلال من المساحة المحتلة في تلك المنطقة".


الاكتفاء بزيارة الموتى

من حولا في القطاع الأوسط وصولاً إلى الخيام في القطاع الشرقي، نالت العديد من القرى نصيبها من الدمار، ولا سيما قرى العديسة وكفركلا والطيبة. فلا بيوت يعود إليها أبناء تلك القرى لتمضية فترة الأعياد. أما في مدينة الخيام فقد بدأت البلدة تشهد عودة ملحوظة للسكان للإقامة الدائمة. ويؤكد إبن الخيام محمد خريس هذا الأمر مشيراً إلى أنه بعد انتهاء الأعياد سيعود المزيد من الأهالي، وذلك بالتزامن مع إنطلاق عملية دفع التعويضات. إذ يعتزم أصحاب المنازل المتضررة مباشرة أعمال الترميم، في ضوء تحسن الخدمات تدريجياً في المدينة.

وفي بلدة كفرحمام في قضاء حاصبيا، تطوع عدد من أهالي البلدة، بالتنسيق مع البلدية، لتأهيل المقبرة وتنظيفها من الأعشاب وآثار العدوان الإسرائيلي، كي يتسنى للأهالي المقيمين والنازحين زيارة موتاهم. ويوضح أمين صندوق البلدية حسيب عبد الحميد أن 85 عائلة من أصل 140 كانت تقيم بشكل دائم، عادت مؤخراً. وسيكتفي أبناء البلدة بزيارة المقبرة خلال العيد، والعودة مجدداً إلى مناطق نزوحهم. لكن بعد انتهاء العام الدراسي وترميم المنازل ستشهد البلدة مزيداً من العائدين.

مدخل ساحة الخيام الجنوبي
مدخل ساحة الخيام الجنوبي


تعليقات: