قصيدة الخيام


ما إن نادى المؤذِّن: حيّ على خيرِ العمل

حتى قاموا.

كان صدى الوديان يعرفهم،

وكانوا دومًا من يلبّي النداء.


من وادي العصافير نهضوا،

من التل، من الوطى، من الساحة،

من كل الجهات،

نهضوا.

جاؤوا صفوفًا،

كالحقول،

كالزهور،

كالظلال.


جاؤوا كحبق المرج،

كرفيف السنابل،

كخرير نبع الدردارة.

توضّأوا بالصبر،

غمسوا أقدامهم في وحل المرج،

وخضّبوا وجوههم بالحناء.

سجدوا،

صلّوا،

توكلوا،

ونهضوا...


كانت عصافير الوادي أوّل من تصدّى،

صدحت فوق رؤوس المارقين،

وحلّقت فوق صمت النائمين،

ثم اشتعلت.


ثم هاجت الدبابير،

هاجمت،

تصدّت،

وانفجرت كالشمس،

فامتلأ المرج بالأقحوان.


جاء حبقُ المرج مسرعًا،

والجرجيرُ من حواكير المنازل،

وشقائقُ النعمان.

وجاء النمل الفارسي من الخرايب،

وصقورُ الشريقي،

تسابقوا،

انتشروا،

تصدّوا،

ثبتوا.


وفي حيٍّ اشتدّ فيه اللظى،

أسعفهم التين والزيتون،

ونبع العين أرسل ماءه،

فشربوا،

وتوضّأوا،

وارتقوا.

ثم ابتسموا وقالوا: "نحن أوّل الفائزين."


مال قمح الحصيد احترامًا،

وانحنت عناقيد الدوالي،

وأهدتهم أشجار التين أكوازها وظلّها،

وأشجار الكينا جمعت على فندها

كل تاريخ البشر، والشجر، والحجر.

ساروا معًا نحو حارة البركة،

توضّأوا بالحصى،

بالركام،

بالدم،

بالزهر،

بالماء،

ثم تحت فيء المئذنة القديمة، صلّوا،

وردّدوا خلف السيّد الإمام:

"لبيكِ يا خيام..."


ثم خرجوا،

وانتشروا في الأحياء،

واعتنقوا بنادقهم

والصبر،

والصلاة،

والدعاء

والصيام.


وفي صباح العيد، همسوا للعائدين:

"صباح الخير"

فاشتعل النهار فوق جبل الشيخ ...


وحين غُسلت القبور،

وصدح الدعاء،

سمعنا عصافير الوادي تقول:

"نحن لم نرحل،

الكروسة لم ترحل،

الثكنة لم ترحل،

الحصيد لم يرحل،

المسيل لم يرحل،

قدم أيوب لم ترحل،

القلاعي لم ترحل،

النحل لم يرحل،

والحبق، والمردكوش، والزنبق... لم ترحل.

هم فقط من رحلوا."


نحن لا نزال هنا،

في وجوهكم،

في حاراتكم،

في دقّات قلوبكم،

في وجع القلب على الإمام،

وفي الميدان...


اقرأوا القرآن في الميدان،

ارفعوا الرؤوس،

جهّزوا للعيد،

أعدّوا مواقد الشواء،

ارفعوا الأصوات بالغناء،

ألبسوا الأطفالَ حللًا من نور،

وعلّموهم أنه إذا نادى المنادي... فليلبّوا النداء.


علّموهم كيف يمتطون الريح،

ويمضون نحو الحدود،

نحو الوعد،

نحو الشمس،

املأوا صدورهم بالهواء،

وفي الطريق،

غمسوا وجوههم، رؤوسهم، أقدامهم

في الدردارة، في الوزاني،

في كل نبع، في كل ماء.


قولوا لهم:

اضحكوا،

اسبحوا،

تجهّزوا،

ولا تجزعوا،

قولوا لهم:

نحن ذوو البأس،

نحن لا نُهزم،

لا نتراجع،

لا نخضع،

لا نُساوم،

لا نركع.

نحن شيعة الإمام،


نحن نسيم الليل،

نحن عبق الأرض،

نحن زهر السهل،

هواء الوادي،

نحن الوطى،

نحن الوطن.

نحن الخيام.


وإذا نادى المؤذّن غدًا:

"حيّ على خيرِ العمل"

لبّوا النداء،

وامضوا جميعًا كصفوف النمل على الأثر،

لأننا دومًا... ثابتون، صامدون

لن نرحل،


ولأننا يوماً سنثأر،

ولأننا لن نترك أبدًا الميدان.

***

* إبن الخيام

تعليقات: