في صور مزارعون فلسطينيون لا جهة رسمية ترعاهم

كريّم يقتلع فجلاً عزيزاً
كريّم يقتلع فجلاً عزيزاً


يزرعون أرضاً ليست لهم على مرمى حجر من أراضيهم..

الرشيدية:

»يحتفل« حاتم كريم بمرور نصف قرن على اعتناقه المهنة التي رافقته من فلسطين الى لبنان.

هي مهنة شاقة وقليلة المردود، إلا أنها جزء لا يتجزأ من حياة كريم وعائلته.

فالحاج السبعيني كان مزارعاً في قرية الناعمة في فلسطين، وهو اليوم مزارع في منطقة صور في لبنان.

يسارع إلى جمع ما تحصده زوجته وابنته من »الحشائش« الموسمية في سهل الرشيدية قبل معاودة هطول المطر. بلا كلل أو غضب، يمارس مهنة عوّدته على الصبر. صبر لازمه مذ بدأ تهجيره القسري قبل ستين عاما.

وحاتم كريم هو واحد من مئات المزارعين الفلسطينيين الذي يستثمرون أراضي تابعة للدولة اللبنانية في سهلي »الجفتلك« و»رأس العين« اللذين يحدان مخيم الرشيدية من شماله وجنوبه.

ويستثمر كريم نحو ألفي متر مربع من الأراضي الخصبة المحاطة بجداول مياه على مقربة من مدخل المخيم.

يروي أنه »بعد تهجيرنا من فلسطين، استقررنا في أكثر من بلدة، ومنها قرية القليلة المجاورة، وفيها كنا نمارس الزراعة حتى العام .١٩٨٢ وقد اضطرّنا الاجتياح إلى الانتقال الى مخيم الرشيدية حيث بدأنا نعمل في زراعة الخضار والحشائش على أنواعها في قطعة الارض المستثمرة«.

ويشتهر سهل الجفتلك بزراعة الخضار من بقدونس وفجل وخس وفاصوليا وهندباء وفول وغيرها من المزروعات المروية.

ويرى الحاج كريم أن لا أحد يسأل عن أحوال المزارعين الفلسطينيين »نقلع شوكنا بأيدينا.. لكن المهم أننا لا نحتاج أحدا ولا نمد يدنا الى الناس«.

شكاوى المزارعين الفلسطينيين هي نفسها الشكاوى اللبنانية، كما يوضح الحاج شارحا أن »الزراعة أصبحت عبئا في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الزراعية بدءاً من الأسمدة وحراثة الأرض وصولا الى البذار مقابل تدني أسعار الإنتاج الذي نرسله الى أسواق الخضار في صور.

ويقول الحاج إن المستفيدين من الوضع هم أصحاب الأسواق والباعة »فشرحة الفجل أو الهندباء عندنا ثمنها ثلاثة آلاف ليرة في أحسن الأحوال وهو ثمن لا يرد تعبنا وتكاليفنا«.

الحاجة رسمية

بكثير من الصبر والجلد تتابع رسمية الأفندي زرع »الحياة« في حقلها المتواضع المجاور لحقل الحاج حاتم كريم.

فقدت الحاجة رسمية بعضاً من سمعها على امتداد سنوات عمرها الذي أمضته تناضل لتربية أولادها وعددهم .١٨ ثم باتت بعد وفاة زوجها قبل أشهر قليلة تحمل على أكتافها مسؤولية العائلة والاهتمام بالأرض والزرع والإنتاج في آن.

لا تخفي رسمية، التي كانت تقطف »جبوب« الفاصوليا من خلف نظاراتها البيضاء، وجع الفلسطينيين الذين كتب عليهم التعتير كما تقول.

تقول: قبل مجيئنا الى المخيم منذ حوالى ثلاثين عاما كنا نعمل في الزراعة في سهل الجية. كل ما جنيناه ونجنيه الى اليوم بالكاد يكفي لقمة العيش المجبولة بعرقنا«.

يشرح الحاج ابو خالد النجار بعض شؤون وشجون المزارعين الفلسطينيين وهم غير مشمولين بأي ضمانات أو حصانات حياتية. يروي مثلا أنه ما زال ينتظر منذ ثلاث سنوات تعويضا من الدولة اللبنانية لإعدامها ١٩٠ طيراً من الدجاج كتدبير وقائي من وباء أنفلونزا الطيور، كما أنه ما زل ينتظر تعويضات حرب تموز التي قضت على قفران النحل التي كان يربيها في بلدة القليلة.

يضيف: »نحن كمزارعين فلسطينيين نغيب عن خارطة اهتمامات جميع المعنيين ابتداء من الاونروا ومنظمة التحرير وصولا الى الدولة اللبنانية«.

يقول ابو خالد إن »المياه تصل الى المزارعين في الرشيدية من نبع الرشيدية ومشروع برك رأس العين، ويدفع البعض منا بدلا الى مصلحة المياه قيمته نحو خمسة وسبعين ألف ليرة عن ري كل دونم«.

وأبو خالد رب لأسرة من ستة أفراد بينهم من وصل الى المرحلة الجامعية، يشير الى الكلفة العالية للزراعة التي ارتفعت بشكل كبير ناهز الخمسين بالمئة، ولا سيما أسعار الأسمدة والبذور وحراثة الارض وأجرة النقل.

أما الحاج احمد حسن عباس (٧٠ عاما) فيلخص الوضع بالقول «أنا أعمل في مجال الزراعة منذ أكثر من خمسين عاما الى جانب المئات من إخواني في مخيم الرشيدية، ومنذ ذلك التاريخ حتى اليوم لم يتغير شيئا في حياتنا. كل ما تغير هو زيادة القلة«.

يضيف »كل ما نتمناه ونسعى إليه هو العودة الى بلادنا الواقعة على مرمى حجر من هنا«.

تعليقات: