انحسار التعامل بالفئات النقدية الصغيرة (غيتي)
يكاد ينعدم التداول بالفئات النقدية الصغيرة من العملة اللبنانية في الأسواق، إن من قبل المواطنين أو التجار أو حتى الباعة في الشوارع... لم يعد للعملة من فئات الـ1000 و5000 و10000 ليرة أي قيمة تذكر منذ تدهور العملة الوطنية قبل أكثر من 5 سنوات. وقد يفاجئ البعض بأن مصرف لبنان طبع النسخة الأخيرة من فئة 5000 ليرة و10000 ليرة عام 2021 حين كان سعر صرف الدولار يتراوح بين 10000 و45000 ليرة.
لم تتجاوز تكلفة طباعة العملة في نيسان 2021 أكثر من قيمتها الفعلية كما هو الحال اليوم، فكان سعر صرف الدولار حينها يلامس 12500 ليرة أما اليوم فيبلغ 89500 ليرة ما يعني أن طباعة الفئات الصغيرة من العملات النقدية الورقية باتت مسألة غير ذات جدوى. فماذا سيكون مصيرها وكيف سيتعامل مصرف لبنان مع هذه الفئات النقدية؟ وهل سيتم وقف التعامل بها أو سحبها من السوق وما الذي سيحل محلّها؟
تكلفة الطباعة
في شهر نيسان 2021، حين طبع مصرف لبنان كميات من العملات الورقية من فئة 5000 ليرة كانت قيمتها الفعلية تزيد عن تكلفة الطباعة باعتبار أن تكلفة 1000 ورقة من فئة 5000 ليرة تبلغ قرابة 60 دولارًا في حين تبلغ قيمتها الفعلية 5000000 ليرة أي نحو 400 دولار بحسب سعر الصرف الذي كان سائداً في تاريخ طباعتها، وكانت رغم ذلك تُعتبر تكلفة الطباعة بالنسبة إلى قيمة العملة مرتفعة جداً. أما اليوم وفيما لو قرر مصرف لبنان طباعة فئة الـ5000 ليرة فإن تكلفة طباعتها ستزيد عن قيمتها الفعلية البالغة 55.8 دولارًا بحسب سعر الصرف السائد حاليًا 89500 ليرة.
والأمر يزيد سوءًا مع فئة الـ1000 الليرة، إذ تبلغ تكلفة طباعة كل 1000 ورقة من فئة 1000 ليرة 60 دولارًا في حين تبلغ قيمتها الفعلية 1000000 ليرة أي نحو 11.17 دولارًا بحسب سعر الصرف الحالي. خلاصة الأمر أنه لم يعد من الوارد أن يطبع مصرف لبنان المزيد من الفئات الورقية الصغيرة.
أما الفئات النقدية الأكبر، وإن كانت قيمتها الفعلية تفوق تكلفة طباعتها غير أنها تُعد مرتفعة جداً إذا ما أضيفت إلى تكاليف الشحن وسواها. خصوصاً أن لبنان ليس لديه الإمكانات لطباعة عملته محلياً إنما يقوم بطباعتها في روسيا وأحيانًا في دول أخرى منها ألمانيا ومالطا، وتُعد الأوراق النقدية اللبنانية ذات جودة عالية وميزات آمنة إلى حد كبير وهو ما يجعل من طباعتها مسألة مكلفة.
سحب العملة من السوق!
تمتنع اليوم الكثير من المتاجر عن التعامل بالفئات النقدية الصغيرة لاسيما منها الـ1000 والـ5000 والـ10000 ليرة حتى أن البعض أوقف التعامل شراء أو مبيعاً بفئة الـ20000 ليرة أيضاً، وذلك تجنباً لأي خسارات محتملة وإن كانت طفيفة في حال قرر مصرف لبنان وقف التعامل بتلك الفئات بشكل مفاجئ، بحسب ما يقول أحد التجار. ويعيدنا وقف التعامل بهذه الفئات بالذاكرة إلى الفئات التي سبقتها بوقت التعامل بداية الأزمة المالية عام 2019 وهي الفئات المعدنية الـ500 ليرة والـ250 ليرة، فمصرف لبنان لم يسحب تلك الفئات من الأسواق ولم يوقف التعامل بها إنما جرت مقاطعتها، إن صح التعبير، من قبل الأسواق بسبب تدهور قيمتها وهو ما جعل منها فئات غير صالحة للاستعمال.
ويرجّح مصدر مصرفي أن يعتمد مصرف لبنان المنحى ذاته فيما خص الفئات الورقية الصغيرة التي بدأت تتعرّض نسبياً لحملة مقاطعة غير مُعلنة من قبل التجار، فمن غير الوارد طباعة كميات ورقية بدلا ً من العملات المهترئة التي يتم تلفها، والتوجّه لدى مصرف لبنان أن يترك الفئات الصغيرة تواجه مصيرها بالإنحسار تدريجيًا وصولاً إلى وقف التعامل بها كلّيًا.
أذاً لماذا لا يتم طباعة فئات نقدية أكبر من فئة الـ100 ألف ليرة كالـ250000 أو 500000 ليرة أو ربما مليون ليرة ورقة واحدة؟
يرى المصرفي بأن مسألة طباعة فئات ورقية كبيرة قد لا ترتبط بالتضخم بشكل مباشر ويتشابه أثرها مع مسألة حذف الأصفار من العملة المتدهورة، إلا أنه من غير المُستحسن طباعة تلك الفئات في هذه المرحلة بالذات، لما له من تأثير على قيمة الليرة بشكل غير مباشر، يقول المصدر، فطباعة الفئات الكبيرة سيترك أثراً معنوياً سلبياً على الليرة وسيشكل صدمة للمواطن الذي سيتجه فوراً إلى شراء الدولار. من هنا يبقى من الأفضل طباعة العملة من الفئات الكبيرة بعد تنفيذ الاصلاحات المطلوبة وبدء استعادة ثقة المواطنين بالسياسات المالية والنقدية.
وليست مسألة وقف التعامل بفئات محدّدة أو طباعة فئات جديدة أو حذف أصفار بالمسائل السلسة والسريعة، فالأمر يستلزم إصدار قانون لتعديل قانون النقد والتسليف الذي يعطي كافة الفئات النقدية قوة إبرائية لا يمكن إلغاؤها أو تعديلها أو إفقادها لقيمتها إلا بقانون.
وكان مصرف لبنان قد باشر العمل في العام 2023 على إصدار أوراق نقدية من فئات 500 ألف ليرة ومليون ليرة لكن لم يتم استكمال المسار ولم يتم تعديل قانون النقد والتسليف وقد واجهت العملية حينها معارضة من البعض وتحفّظاً من البعض الآخر خوفا ًمن انهيار العملة بشكل متسارع أكثر مما كانت عليه.
تعليقات: