هيفاء نصّار: هذا الرمز القادم من شجر السرو والزيزفون وسنابل القمح، له القدرة على تجريد الواقع وصياغته في علامة فارقة تتخذ من حكاية أهل الأرض أسطورة شفّافة
وأنا أجلس في غرفة الانتظار أمام تلفاز يعرض المشاهد من قرى ومدن العالم، انتابتني غصّة وغمرني خيط دقيق عن حكاية أهل الأرض في القرى الحدودية.
ما الذي يحدث أن نهضنا ذات صباح فوجدنا أنه ليس هناك في القرى والمدن الحدودية بيوت وهو الامر كذلك. بيوت لم يأكلها اليأس طوال سنين ولن يفعل.
بل سفه التجاهل واللا اهتمام بمطامح وأحلام أهل الأرض.
ما الذي يحدث أن نهضنا ذات صباح فوجدنا أنه ليس هناك في القرى والمدن الحدودية الا الأفكار والذكريات!
الا ان الافكار والذكريات تصبح ملهمة وحاكمة على نحو يصوغ بنية إدراكية للواقع عندما يترسخ ويتراكم تأثيرها فتصبح كطريق للخلاص من المحنة.
لقد احترقت هذه القرى الحدودية، بأسطورتها البطولية، في نيران الحروب وفي بحر الوجود، لكنها تظل باقية في الوجود وفي جذوة الكلمة الصادقة التي لا تخشى أن تدوسها أقدام قاسية أو تضيع في زحام عدو شرس.
قد يظن أهل الأرض في هذه القرى أن القدر يعاندهم حين يرون تكالب الظروف ضدهم، لكنهم سيفاجَؤون ويكتشفون أن المعجزات ما زالت موجودة.
لم تكن الدعوة يومًا إلى التشبث بأرض الأجداد بلا جدوى أو صدى، بل سرعان ما تلتئم الجراح وتُغمر بفرح وبهجة رغم كل الأحزان، إذا ما أمطرناها بقطرات الحب. بقطرات الحب لأننا أصحاب الأرض رغم كل الأحزان.
هذا الرمز القادم من شجر السرو والزيزفون وسنابل القمح، هذا الرمز المتجذر في أعماق الأرض بجماله وقيمه وبهائه، بجمال وقيم وبهاء القرى الحدودية، له القدرة على تجريد الواقع وصياغته في علامة فارقة تتخذ من حكاية أهل الأرض أسطورة شفّافة إلى أبد الآبدين.
هيفاء نصّار - أوتاوا، كندا
الواقع في 4 نيسان 2025
تعليقات: