إنتخابات بلدية طرابلس.. الفرصة الأخيرة للمدينة!!..


رسم الرئيس نجيب ميقاتي خارطة طريق للتعاطي السياسي مع الانتخابات البلدية في طرابلس وجوارها، حيث إعتبر أن “تدخل السياسة في تشكيل اللوائح أمر مضر لأنه ينقل الخلافات إلى المجلس البلدي ويدخل عمله في تجاذبات ينبغي أن يكون في منأى عنها”، داعيا القوى والقيادات السياسية إلى “عدم التدخل أو تسمية المرشحين ولتترك الحرية لجميع الطامحين للترشح لكي يشكلوا لوائح متجانسة تعكس رؤيتهم لخير طرابلس والميناء وإتحاد بلديات الفيحاء”، مشددا على “ضرورة أن تتحرك هذه القيادات بعد الانتخابات لدعم العمل البلدي ورفده بالإمكانات والخبرات التي من شأنها دفع ورشة التطور الانمائي والخدماتي في المدينة”.

ميقاتي الذي أكد أنه سيكون أول الملتزمين بهذا التوجه، حاكى بكلامه تطلعات أبناء طرابلس الذين عانوا الأمرّين مع المجالس البلدية السابقة التي ركّبتها السياسة ومن ثم عملت على تفكيكها بفعل الخلافات والمصالح وعدم الانتاجية التي أدت إلى تراجع طرابلس إلى مصاف المدن المنكوبة.

لذلك فإن الطرابلسيين يتطلعون ولو لمرة واحدة أن تكون السياسية في خدمة العمل البلدي وليس العكس، وأن يكون المجلس البلدي نتاج إرادة طرابلسية تستطيع أن تحاسب وأن تراقب وأن تضغط لسحب ثقة عندما تدعو الحاجة ما يساهم في تصويب العمل البلدي ويضبط سلوك أعضاء المجلس في وضع مصالح المدينة فوق كل إعتبار.

لا يختلف إثنان على أن ثمة أزمتين مزمنتين تتحكّمان في مجلس بلدية طرابلس الأولى معروفة وهي التدخلات السياسية التي أفسدت مجالس عدة ودفعت السلطة المركزية إلى محاربتها بسبب إنتماءاتها وهذه التدخلات قد تنحسر أو تنتهي في هذا الاستحقاق إذا ما التزمت سائر القوى والقيادات السياسية بما التزم به الرئيس ميقاتي، خصوصا أن الميزان السياسي في طرابلس اليوم لا يميل إلى أي جهة لا نيابية ولا سياسية ولا حزبية ولا مجتمعية لكي تستطيع إيصال مجلس بلدي تحقق من خلاله إنتصارا يتلاشى بعد ذلك بفعل عدم قدرتها على توفير الدعم اللازم له، والتعطيل والعراقيل ووضع العصي في الدواليب.

والثانية هي كثرة “المسترئسين” والطامحين إلى كرسي رئيس البلدية، حيث وعلى مدار سنوات طويلة والمجالس البلدية تشهد صراعات وتجاذبات بين الرئيس والأعضاء للوصول إلى سدة الرئاسة، سواء بعد السنوات الثلاث الأولى أو من خلال تفشيله ودفعه للإستقالة على قاعدة “قم لأقعد مكانك”، وفي ذلك سبب رئيسي أيضا لانعدام الانتاجية ولوصول طرابلس إلى هذا الدرك من الاهمال والتهميش، خصوصا أن أعمالا كثيرة تجميلية وتنظيمية لا تحتاج إلى إمكانات أو قدرات مالية لتنفيذها بل تحتاج إلى توافق والى مجلس بلدي يعمل على قلب رجل واحد لكن ذلك يبقى متعذرا فيما طرابلس تفقد ميزاتها التفاضلية وعوامل جذبها تباعا لتتحول الى مدينة من دون أفق وغير قابلة للحياة.

واللافت في هذا الاستحقاق المنتظر منذ تسع سنوات أن عدد المرشحين للرئاسة حتى الآن فاق عدد المرشحين لعضوية المجلس، حيث يقول أحد الظرفاء أن “هناك ٢٠ مرشحا للرئاسة مقابل ٤ مرشحين للعضوية فقط”، وبالتالي فإن ما يحصل في هذا الاطار أمر غير صحي لا بل مضر جدا، فكما هي مسؤولية السياسيين عدم التدخل بهذا الاستحقاق وتركه لأهله، يفترض بأهله أن يكونوا على قدر المسؤولية وأن يتخلوا عن أنانياتهم وأن يتعاطوا بكثير من الحكمة والوعي في عملية تشكيل لوائح متجانسة متفاهمة متنوعة تراعي التوازنات الطائفية وتمتلك برامج إنمائية منطقية قابلة للتطبيق لإقناع الطرابلسيين بإنتخابها وإيصالها.

ولا شك في أن نجاح مجتمع المدينة وعائلاته في تشكيل مثل هذه اللوائح سيقطع الطريق على كل القوى والقيادات السياسية بشكل تلقائي وسيحول دون تدخلها في التسميات فيقتصر دورها على دعم وتأييد اللائحة التي تلبي تطلعاتها، وإذا تقدمت الأنانيات الرئاسية وفشل المعنيون في تشكيل لوائح وازنة، فإن السياسة ستطل برأسها حتما بحجة ترتيب أوضاع اللوائح وعندها ستعود حليمة إلى عادتها البلدية القديمة وستدخل طرابلس في ست سنوات عجاف جدد لم يعد أحد قادرا على تحمل تداعياتها.

أمام هذا الواقع، فقد فتح الرئيس ميقاتي بموقفه الحيادي باباً واسعا، للخروج السياسي من هذا الاستحقاق ومن ثم الدخول منه بعد الانتخابات لتقديم الدعم والمؤازرة لضمان نجاح المجلس البلدي الذي قد يكون الفرصة الأخيرة لطرابلس.

* المصدر: سفير الشمال

تعليقات: