ان اميركا تبدو اليوم محشورة بالوقت الذي بدأ يعمل لغير صالحها وصالح حلفائها الغربيين ومن يدور في فلكهم ، منذ بدأ مشروع النهوض الإقتصادي الصيني ، خاصة مع بداية الألفية الثالثة ، وعزز شعور اميركا وغربها الجماعيه بالخطر ، مشروع المقاومة الذي قادته ايران في منطقة غرب آسيا ، الذي حقق انجازات كبرى في مقابل مشروع الكيان الصهيوني الساعي لتفتيت المنطقة ، وتصفية القضية الفلسطينية ، وتصفية حركات المقاومة والممانعة في المنطقة ، ومنع توحد شعوب ودول المنطقة ، كل ذلك لتحقق اميركا في منطقتنا انتصاراً كاسحاً وحاسماً لمصلحتها ومصلحة حلفائها ، وتقوم بعد ذلك كل دول المنطقة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب وتدور في فلكه بمنتهى الإذاعة والإمتثال لأوامره ونواهيه ، وزاد الطين بلة على الخطر الذي بدأت تستشعره اميركا ، سيطرة روح التمرد على مشروع الهيمنة الغربي على منطقتنا لدى القيادة الروسية المتمثلة ببوتين وفريقه في ادارة الاتحاد الروسي ، الأمر الذي عجز الغرب بزعامة اميركا عن هزيمته ولي ذراعه ، لذلك وجدت اميركا نفسها امام هذه التحديات الثلاث ، التي تنذر بهزيمة المشروع الاستعماري الغربي بشكل حاسم ومدمر ، لذلك وجدت نفسها مضطرة لتشمِّر عن ساعديها وتستحضر كل ترسانتها الاستراتيجية والتكتيكية ، الى المنطقة للمرة الأولى بهذا المستوى منذ الحرب العالمية الثانية ، رغم وقوعها في اخفاقات مهولة في حربها في العراق وفي افغانستان وفي اليمن ، وحضرت بكلها وكلكلها لحماية المشروع الصهيوني ، الذي يمثل القاعدة الأكثر اسراتيجية في المشروع الاستعماري الغربي ، وهي تحاول كسب النقاط في تصفية القضية الفلسطينية ، من خلال تغطيتها ومشاركتها ، في عمليات التطهير العرقي الأخطر على مستوى العالم ، الجارية في غزة وفلسطين ، ومن خلال الضربة المؤلمة التي وجهتها لمشروع المقاومة في لبنان ، والتي تسعى لمتابعتها بغية القضاء النهائي على المقاومة اللبنانية ، من خلال نزع سلاحها ، عبر الضغوط الدبلوماسية التي تمارسها بواسطة مندوبيها الذين يمثلون كذباً ونفاقاً ، دور الوسطاء ، في تنظيم ورعاية اتفاق وقف اطلاق النار الذي حصل بين لبنان واسرائيل ، وقد تمكنت اميركا أيضاً من كسر الحلقة الذهبية التي تمثلها سوريا في محور المقاومة في المنطقة ، وسعت وما زالت تسعى ، لكسر وتحطيم روح المقاومة اليمنية العربية المتقدمة ، التي تمثل مع المقاومة الفلسطينية والمقاومة اللبنانية ، آخر معاقل الروح العربية المتمردة والطامحة للتحرر والتوحد ضد اعداء الأمة من المستعمرين الذين مزقوا البلاد ، وعاثوا فيها فساداً ، وتراقب اميركا وغربها الجماعي بعناية وتركيز كبيرين ، طبيعة الأوضاع الجماهيرية في العالمين العربي والإسلامي ، المتعاطفة مع القضية الفلسطينية ، والتي بدأت ارهاصاتها في الظهور ، ولو متأخرة ، في الأردن ومصر وتركيا والجزائر والمغرب وسوريا ، ومن شأن إمعان الصهاينة الذين يستفيدون من الغطاء الأميركي والغربي في ضغطهم الإجرامي على الشعب الفلسطيني ، ان تنمو الروح الجماهيرية الشعبية الساعية للتخلص من انظمة التبعية للغرب ، وتنفجر وتغير كل واقع المنطقة لمصلحة شعوبها وقضاياها الكبرى ، وتستعيد المبادرة والحقوق المسلوبة .
أمام هذا الواقع ، نستشعر ان الصراع الذي نشهده اليوم داخل اميركا ، والذي يوجد نظرية تقول بأنه صراع حقيقي بين لوبي العولمة المتمثل بالشركات الكبرى ، وشركات السلاح على وجه الخصوص ، وبين لوبي الأمركة الساعي لإعادة مجد التفوق الصناعي والتكنولوجي والإنتاج المنافس الأميركي ، قبل ان تحسم الصين وروسيا وايران المواجهة لمصلحتهم ، لكن قد تكون الحقيقة عبارة عن عملية تبادل ادوار بين هذين اللوبيين الذين يبدو واضحاً في سياساتهما ، حرصهما على سلامة وتفوق الكيان الصهيوني ، وقد قدم الفريقان ولا زالا يقدمان الدعم اللا محدود له ، لحماية وجوده وازالة العقبات من امامه الى ابعد مدى ممكن ، كما ان الفريقان متفقان على اجبار العالم من اقصاه الى اقصاه ، على ان يقر ويعترف ويؤمن بتفوق اميركا الكاسح والأبدي على كل العالم ، اكانت دوله مجتمعة او متفرقة ، ولكن الأمر الذي يبدو اليوم واضحاً هو ان هذا المطلب بدأ يصطدم اليوم ، بقوة صلبة حقيقية ، هي وقوف الصين في مواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة ضدها ، وحرصها على حماية امنها القومي ، المتمثل بحقها بتايوان ، وتحالفاتها الاستراتيجية مع اخصام اميركا في العالم ، ومدَّها يد التعاون لحلفاء اميركا المتضررين من سياساتها الاقتصادية الرعناء ، ووقوف روسيا أيضاً بمنتهى الحسم والاصرار والثبات ، في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تمارس ضدها ، يضاف الى ذلك ، رفض ايران لشروط التفاوض المجحفة بحقها وبحق شعوب محور المقاومة ، ورفضها للضغوطات والتهديدات والعقوبات التي تفرض عليها ، وتعلن كما تعلن الصين وروسيا ، انها لا تسعى للحرب ، ولكن اذا فرضت عليها ، فإنها أعدت العدة منذ زمن طويل ، تحت الضغوطات وتحت الحصار ، وهي جاهزة لتلقين الأعداء دروساً ، قد تذكِّرهم ببأس الأمة الايرانية العريقة ، التي مرغت انوف الغزاة والطامعين ، عبر تاريخها المجيد والمشرف منذ الاف السنين ، والامر الذي اضاف نقطة جوهرية لمصلحة المحور الممانع للهيمنة الأميركية ، هو فتح القائد العبقري الأميركي دونالد ترامب ، مبادرات فرض الرسوم الجمركية على حلفائه قبل اخصامه ، ومطالبته بضم بعض الدول الحليفة اليه الى اميركا العظمى ، الأمر الذي اكسب اميركا اعداءً اضافيين هي بأمس الحاجة اليهم ، في هذه المرحلة المصيرية من مواجهتها للجبهة المعادية لسياساتها ، هذه الجبهة التي تزداد توحداً وتعاوناً كلما مورست الضغوط عليها من قبل اميركا والغرب اكثر ، لذلك بتقديري المتواضع ، فإن علينا شحذ الهمم ، وتفعيل الطاقات الكامنة الى الحد الأقصى الممكن ، رغم صعوبة المواجهة وتعقيداتها ، لنُضعف ونهزم اميركا وداعميها والمتعاطفين مع مشروعها الساعي للهيمنة على العالم ، وعلينا ان لا نراهن على صراع لوبيات ، أو تناحر داخل الادارات والحكومات العميقة في اميركا ، او بين اميركا وغربها الجماعي ، الذي ان كان بعض وجوهه صحيحاً ، فإنه يخدم مساعينا وجهودنا وجهادنا ، ويسرع في تحقيق اهدافنا .
ع.إ.س
باحث عن الحقيقة
05/04/2025
تعليقات: