فاعور: وقف المساعدات سيدفع أكثر من نصفهم للعودة..
أحيا الحديث عن انطلاق عمل اللجنة الوزارية الخاصة بالنازحين السوريين التي بدأت اجتماعاتها برئاسة نائب رئيس الحكومة طارق متري، بمشاركة وزراء متخصصين، الحديث عن برامج عودة النازحين السوريين تدريجا الى بلادهم. لهذا بدأت جمع المعلومات الدقيقة عن عددهم واحوالهم، بالتزامن مع التواصل مع المسؤولين السوريين لوضع خطة توفر عودتهم الآمنة والكريمة.
في محاولة لاستشراف ما يمكن ان تقود اليه هذه الورشة الحكومية في ظل التطورات على الساحتين اللبنانية والسورية، التقت "الامن العام" استاذ الجغرافيا وعضو المجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور علي فاعور.
بدات لجنة وزارية خاصة مكلفة بملف النازحين السوريين برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء الدكتور طارق متري عملية تجميع للمعلومات الدقيقة عن اعداد النازحين واحوالهم القانونية والإجتماعية والإقتصادية. على ضوء المحاولات الرسمية السابقة لإعادتهم الى بلادهم، ما هي المعطيات المتوفرة لديكم؟
منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، وتدفق السوريين بالآلاف الى لبنان، فقد رفضت الدولة اقامة مخيّمات للنازحين أو تسجيلهم كما فعلت الاردن وتركيا، او تحديد أماكن انتشارهم على الأراضي اللبنانية، حيث تسلّمت المفوضية العليا للاجئين ادارة كامل ملف النازحين بالتعاون والتنسيق مع المنظمات والهيئات الدولية العاملة في مجال النزوح القسري وتنظيم اقامة اللاجئين..
ومع تزايد تدفقات اللاجئين السوريين، وعدما تخطى عددهم المليون لاجئ في لبنان، وبعد أقل من ثلاث سنوات على بدء الصراع في سوريا، فقد دعا مجلس الأمن الدولي لبنان عام 2013 الى انشاء مؤسسات فاعلة لإدارة ملف النزوح السوري ومواجهة تداعيات الأزمة وتجاوز الانقسامات الداخلية، وذلك للتوجه الى الدول المانحة لطلب المساعدات..
أما أبرز التدابير التي اتخذتها الحكومة منذ بداية النزوح، فهي أنها أقرت في جلسة 23 تشرين أول 2014، ورقة سياسة النزوح السوري الى لبنان (Policy Paper) والتي تضمنت وقف النزوح.. والطلب من مفوضية اللاجئين الالتزام بوقف تسجيل النازحين الا بعد موافقة وزارة الشؤون الاجتماعية.. كذلك وبعد قرابة عشر سنوات فقد أقرت الحكومة ورقة عمل جديدة في13 حزيران 2023، حول ملف النازحين السوريين..
ومع كل حكومة جديدة كان يتم تشكيل لجان وزارية لإدارة ملف النازحين والبحث في آلية تصنيفه.. لكن ودون أن يتم التقدم في معالجة هذا الملف على امتداد السنوات الماضية، ما أدى الى تفاقم الازمة، وتزايد التوترات والنزاعات.. مما بات يُرهق الخزينة، والبيئة والأمن، والبنى التحتية..
وهل من احصاء رسمي لعدد النازحين وعملية تصنيف دقيقة لاوضاعهم الشرعية وغير الشرعية؟
بلغ مجمل عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية (UNHCR) 755.426 لاجئ (حتى نهاية 2024). لكنها نشرت مؤخراً أن عدد اللاجئين السوريين (لغاية كانون الثاني 2025)، قد بلغ في لبنان 1.478.141 ، يتوزعون بين لاجئ سوري مسجل رسمياً، أو تم حصر أعدادهم ويجري تتبع أوضاعهم واحتياجاتهم ولم يتم تسجيلهم بالضرورة كلاجئين.
لكن يتبيّن من توزيعات اللاجئين المسجلين لدى المفوضية، انها قد خالفت قرار الدولة اللبنانية لجهة وقف التسجيل منذ بداية عام 2015، ولديها لائحتان، الاولى تضم اسماء مسجلين بموافقة الدولة، منذ بداية الأزمة السورية حتى عام 2015، وعددهم 780 الفا، ولائحة ثانية موازية تضم اسماء تم تسجيلها بشكل مخالف للقوانين منذ عام 2015 حتى العام 2019، وعددهم 706.000. بحيث بلغ مجموع عدد السوريين المسجلين لدى المفوضية بحسب مضمون “الداتا” التي سلمتها الى مدير عام الامن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري (في كانون أول 2023) ، 1.486.000 لاجئ سوري، من الذين يتلقون المساعدات في لبنان.
وخلال ندوة حول ملف النزوح السوري انعقدت في باريس (آذار 2024)، فقد أعلن وزير الشؤون الاجتماعية (هكتور حجار)، أنه "يوجد مليون و٤٦٨ الف نازح مسجّل... وأنه مقابل كلّ ولادة لطفل لبناني، هناك 4 ولادات لأطفال سوريين من دون اوراق ثبوتية"...
أما نسبة النازحين الحاصلين على اقامة قانونية فهي تبلغ 17% عام 2022 (ممن اعمارهم 15 سنة وأكثر)، مع تفاوت شاسع بين المناطق اللبنانية.. كما تتزايد أعداد الولادات بين النازحين لتبلغ 64.559 ولادة عام 2022 (مقابل 62.866 ولادة بين اللبنانيين..
وبينما يتناقص عدد اللبنانيين نتيجة هجرة الشباب ونقص الولادات، تتزايد بالمقابل اعداد النازحين واللاجئين. والتي باتت توازي أكثر من نصف مجمل المقيمين في لبنان، وبخاصة من السوريين الذين باتت أعدادهم الكلية تقارب الثلاثة ملايين نازح.
يراهن الجانب اللبناني على حصيلة اجتماع عقد بينهم ووزيرة العمل والشؤون الاجتماعية السورية الدكتورة هند قبوات التي عبرت عن استعدادات جدية وايجابية وهي تسعى الى فهم التجارب اللبنانية السابقة وهل تعتقد ان ذلك منطقيا قبل ان تبسط السلطة الجديدة سيطرتها على البلاد كاملة؟
إن التواصل القائم بين لبنان وسورية اليوم، يًعد بمثابة الخطوة الأولى للتنسيق بين الجانبين، لكن سورية لا زالت تعاني من الحصار الدولي، وهي تصنّف بأنها أكبر أزمة لاجئين في التاريخ الحديث..
ونظراً للأوضاع المعيشية الصعبة في سوريا، حيث يعاني الاقتصاد السوري من تدهور شديد، والبنية التحتية الحيوية مدمرة إلى حد كبير.. فان اعادة النازحين تتطلب وضع خطة متكاملة تنفذ على مراحل، وبدعم ومشاركة من المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة، لتنظيم إعادة النازحين الى المناطق الآمنة، وهذا يتطلب أيضاّ بسط سلطة الدولة السورية على اراضيها، وتوفير الدعم اللازم لتأمين الخدمات الأساسية من المياه والكهرباء.. للمباشرة بإعادة الاعمار..
وعلى ضوء نجاح خطة التفاهم والتنسيق المباشر بين لجان العودة في البلدين، تتسارع وتيرة العودة وتزداد مشاركة البلدان والمنظمات الدولية فيها، أما الفترة الزمنية للعودة فهي قد تمتد على ثلاث سنوات لتبلغ نهايتها بحسب تسارع عملية إعادة الإعمار في بعض المناطق، أما في غياب التفاهم الواسع بين لبنان وسوريا، وفي حال انتظار الدعم الخارجي لتأمين التواصل بين البلدين، فلن تتحقق العودة الكاملة ولو بعد عشرات السنين..
تعتقد اللجنة انه من المهم التعاون مع السلطات السورية والجهات الدولية والاممية فهل ان التجارب السابقة مع المجتمع الدولي ومفوضية شؤون اللاجئين ( UNHCR ) بنوع خاص مشجعة ..
يلاحظ منذ بداية الأزمة السورية، أن المجتمع الدولي كان يربط عودة النازحين بالتغيير السياسي في سورية، كما أن التجارب السابقة، وقبل انعقاد مؤتمر بروكسيل الأول لدعم سورية عام 2017، فقد أعلن الاتحاد الاوروبي عن خطة لإعادة إعمار سوريا، لكنه ربط ذلك بعملية "انتقال سياسي حقيقي"، ثم صدر قرار تصويت البرلمان الاوروبي (في 12 تموز 2023)، بعدم الموافقة على عودة النازحين السوريين الى بلدهم، والمطالبة بحمايتهم في لبنان.. وهذا ما أكد عليه الموقف الاميركي (منتصف شباط 2024)، من خلال تجديد الحصار على سوريا المستمر حتى اليوم..
لقد فشلت كل المحاولات السابقة في التعامل مع المفوضية، التي استمرت تضغط على الحكومة اللبنانية لتسجيل النازحين مقابل اعطاء "الداتا" الكاملة لأعدادهم، كما اتبعت المفوضية سياسة دمج اللاجئين في المجتمعات المحلية، واستفادت في هذا المسعى من موقف الحكومة اللبنانية، الرافض لإقامة مخيّمات.. حيث باتت حالة لبنان قريبة من الانفجار السكاني، بحسب تقرير المفوضية في تموز/يوليو عام 2013، "فلم يصل عدد اللاجئين في أي بلد إلى ثلث السكان كما هو الحال في لبنان، وذلك منذ أحداث رواندا عام 1994"..
وزيرة الشؤون الاجتماعية اللبنانية، حنين السيد تراهن على ان المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ستلعب دوراً محورياً في تنفيذ الخطة، من خلال التواصل مع النازحين، فهل تعتقد ان هناك شيئآ قد تبدل؟
قبل عشر سنوات، في مؤتمر برلين عام 2014، فقد رفض لبنان أن يخضع لازدواجية المعايير المطبّقة على الاراضي اللبنانية، لجهة تقاسم المسؤولية وعدم تقيّد المفوضية العليا للاجئين بالقوانين الدولية... وبحسب وزارة الخارجية في لبنان.. لماذا لا يتم التمييز بين اللاجئ والمهاجر لطلب العمل: "كيف يحدث أن يحمل «نازح» سوريّ بطاقة نزوح وهو مزوّد في الوقت ذاته بإقامة للعمل؟"، كما أنه يزور سورية من حين لآخر.
وعلى امتداد السنوات الماضية، فقد استمر الخلاف بين الحكومة اللبنانية والمفوضية العليا للاجئين، التي تمتلك وحدها كافة البيانات المتعلقة بأوضاع اللاجئين (الداتا)، وأعدادهم وتوزيعاتهم في كافة المناطق اللبنانية. ويلاحظ بحسب تخطيط المفوضية أنها حاولت في لبنان، تطبيق تجربة دولة كينيا في دمج اللاجئين وتوطينهم، من خلال مشاريع اندماج اللاجئين على المدى الطويل، ووضع العقبات أمام خطة عودتهم الى ديارهم في سوريا..
ويكفي العودة الى تجربة وزراء الشؤون الاجتماعية السابقين، وبخاصة تحذير الوزير رشيد درباس، في قوله عام 2015: "ان قرارات المفوضية العليا لا تتوافق مع المعايير التي حددتها الحكومة.. ان المفوّضية العليا المتواجدة على الأرض اللبنانية لا تحترم السياسة التي تعتمدها الدولة اللبنانية".
المعطيات الأولية المتوفرة لدى الوزيرة السيد تشير إلى أن نحو 24 في المائة من النازحين السوريين في لبنان أعربوا عن استعدادهم للعودة خلال العام الحالي، وهو الرقم الذي ستبني عليه اللجنة برنامجها للعودة.
قد أجرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين منذ العام 2017 ، دراسات استقصائية دورية حول "تصورات اللاجئين السوريين ورغبتهم في العودة الى سوريا".. وقد نُفذت الدراسة الأخيرة بداية عام 2025، حيث أظهرت نية العودة خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة اختلافات كبيرة؛ بحيث أن أقل من ربع اللاجئين في لبنان (24 في المائة أي ما يوازي 355.000 فرد)، ينوون العودة لإعادة بناء حياتهم خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة، كما أن نحو نصف اللاجئين ( 56 في المائة) من الذين لا ينوون العودة أو لم يحسموا قرارهم بشأن العودة خلال ال12 شهر المقبلة، ينوون العودة خلال السنوات الخمس المقبلة. وبحسب المفوضية، فقد "ركّز اللاجئون في لبنان بشكل كبير على ضرورة توفُّر فرص سبل العيش، وسهولة الوصول إلى ممتلكاتهم أو تأمين سكن بديل، بالإضافة إلى تحسّن أوضاع السلامة والأمن قبل اتخاذ قرار نهائي بالعودة".
لكن ما يسترعي الانتباه بشأن قرارات العودة، هو أن 7% فقط هي نسبة المنازل الصالحة للسكن.. حيث لا يزال أكثر من نصف (55%) الأسر التي تنوي العودة، يعربون عن مخاوفهم بشأن توفر المسكن والخدمات (الرعاية والصحة) والعمل داخل سورية.
يتوقع العاملون في اللجنة الوزارية أن تكون السلطات السورية الجديدة أكثر استعداداً للتعاون مع لبنان لإعادة النازحين مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل سقوط نظام الرئيس بشار الأسد؟
يلاحظ اليوم وبعد مضي نحو خمسة أشهر على التغيير السياسي في سوريا (منذ يوم 8 كانون الأول عام 2024)، لا زالت الدول تتريث ولم تُغير مواقفها لجهة دعم سورية، كما لا زال لبنان يشهد موجات هجرة جديدة وكثيفة من النازحين السوريين عبر الحدود البرية..
أن الخطوة الأولى لعمل اللجنة الوزارية يجب أن تبدأ في لبنان بإزالة العوائق من طريق العودة، وفق الأتي:
وقف المساعدات النقدية التي تمنع عودة النازحين، وتُقدم بواسطة برنامج الأغذية العالمي واليونيسف والمفوضية... وتشمل كافة أفراد الأسرة لتأمين أكلاف المعيشة، وهي وحدها تعتبر الشريان الحيوي للبقاء في لبنان. وتشمل: الحصول على التعليم، وتقديم الرعاية الصحية، ومساعدة الأطفال، مع دعم الأشخاص ذوي الاعاقة وكبار السن، ودعم المأوى.. كل هذه المساعدات يفتقر اليها اللبناني في وطنه اليوم، وهو يهاجر للبحث عن الرزق خارج لبنان..
عدم السماح للمنظمات الدولية، والهيئات والجمعيات العاملة في لبنان، من عربية وأجنبية، القيام بأية مشاريع، أو وضع برامج للنازحين، دون الحصول على موافقة الدولة وبالتنسيق معها...بل ان وقف هذه المساعدات سوف يدفع أكثر من نصف النازحين للعودة بأقرب وقت.
وفق الخطة التي تعدها اللجنة الوزراية ان العمل يجري على تحضير المناطق السورية المتوقع أن تستقبل العائدين، لضمان أن تتم العودة وفق معايير الأمان والكرامة
الخطوة الأولى تتطلب التنسيق مع السلطات السورية، وتشكيل لجان مشتركة لوضع خطة شاملة مدعّمة بالأرقام والخرائط لتصنيف النازحين، وتحديد المناطق التي جاؤوا منها في سوريا، مما يُسهّل رسم خارطة طريق العودة على مراحل..
أما توزيعات النازحين السوريين في لبنان بحسب مناطق المنشأ التي جاؤوا منها في سورية، فهي تبيّن أن المناطق القريبة للحدود اللبنانية، هي مركز انطلاق 48% من النازحين الى لبنان، وتشمل منطقة حمص (22%)، وحماه (7.3%)... ثم منطقة دمشق العاصمة (19%).. أما المناطق البعيدة فهي:
منطقة الشمال عند الحدود التركية (38.5%) وتضم حلب، أدلب والرقة..
منطقة حوران السويداء في الجنوب عند الحدود الأردنية (8%)، وتضم القنيطرة، درعا والسويداء.
منطقة الجزيرة في الشمال الشرقي عند الحدود العراقية (4.6%)، وتضم الحسكة ودير الزور.
أما بالنسبة لمعايير الأمان والكرامة، فهي تخص موضوع اللاجئين لكنها لا تطبق في البلدان الأوروبية التي تعتمد ازدواجية المعايير والتمييز بين اللاجئين.
..
مقابلة منشورة في مجلة "الامن العام" عدد 140، أيار
أجراها الأستاذ جورج شاهين مع ضيف المقابلة الدكتور علي فاعور ، أستاذ الجغرافية وعضو المجلس الوطني للبحوث العلمية.
تعليقات: