لا مبادرات جدية... وإمكانية بلوغ حكومة الوحدة صارت صعبة .
الأجواء التي سادت في الآونة الاخيرة، والتي احاطتها مستويات سياسية ودبلوماسية مختلفة بكلام عن ايجابيات تمهد لاختراقات، انتهت الى خلاصة مناقضة لهذا المنحى: لا شيء «جيدا» في الافق، وإمكانية بلوغ حكومة وحدة وطنية صارت صعبة جدا؟
هذه هي الصورة الحقيقية للواقع السياسي، كما ترسمها مصادر سياسية متابعة عن كثب لحركة الاتصالات والجهود، التي جرت على غير صعيد. غير ان المثير في كلام المصادر المذكورة، تأكيدها عدم وجود أي مبادرات بمعنى المبادرات، لدى اي طرف محلي او لدى السعودي او الايراني او الفرنسي او الاميركي، خلافا للاعتقاد السائد. وكلام السفراء واضح في هذا المجال، حيث تحدث بعضهم عن «جهود تجري»، ومرادفها اتصالات لا اكثر، لكن من دون ذكر مبادرات ببنود ونقاط واضحة ومحددة للحل.
وعندما تُسأل المصادر عن الموقف السعودي، وهل تلمس لديه النية في طرح مبادرات، تجيب بما يفيد ان ثمة تجربة للمملكة ولم تثمر، وما يمكن قوله انه لا مبادرة سعودية، وربما لم يبلغ السعودي بعد مرحلة الضغط الفعلي. وفي الحيز نفسه، تنظر المصادر الواسعة بإيجابية كبيرة الى الخطوة التي اقدمت عليها فرنسا بطرح عقد لقاء حواري بين الفرقاء اللبنانيين في فرنسا. هي وإن كانت لا تراهن على تحقيق اختراق من «الحوار الفرنسي»، لا ترى ضررا فيه على لبنان، مع الاشارة الى ان هذه الخطوة الفرنسية ناقشها وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير مع الرئيس نبيه بري خلال زيارته الأخيرة الى بيروت. وأهم ما تقرأه المصادر الواسعة الاطلاع في الخطوة الفرنسية انها محاولة فرنسية ذكية لحضور فرنسا مجددا في لبنان على مسافة واحدة من جميع الاطراف.
وحتى لو وُجدت المبادرات، كما تضيف المصادر، لا يبدو انها ستتمكن من تبديد الجو التباعدي القائم بين الموالاة والمعارضة، وخصوصا في ظل «القرار» المتخذ في الجانب الأكثري، بالمضي بالزحف في اتجاه تحقيق الهدف الاسمى لـ«ثورة الأرز»: رئاسة الجمهورية.
وفي اعتقاد المصادر ان هذا الهدف ليس مخفيا، برغم محاولات بعض فرقاء الأكثرية، من حين الى آخر، التعمية عليه بإبداء ليونة شكلية وأيد ممدودة في اتجاه المعارضة ونوايا حوارية لا طائل منها حيال موضوع حكومة الوحدة. وثمة مسار يبيّن حقيقة الهدف، يبدأ من اقرار المحكمة الدولية في مجلس الامن، حيث تتسلسل فيه الأحداث المعبِّرة، انطلاقا من الاجتماع الموسع لفريق الأكثرية في قصر سعد الحريري، وصدور بيان بالاجماع، يرفض الحكومة، ويسلط العين على الرئاسة، تليه في ذات الليلة المبادرة التلفزيونية لسعد الحريري ومد يده للّقاء وحوار الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله والنائب ميشال عون (الحوار المقصود برأي المصادر ليس على الحكومة، بل على الرئاسة).
وتفترض المصادر ان الحريري قد تجاوز فريقه في طرحه الحوار، لكن ما حصل بعدها كان مثيرا في تفاصيله، حيث ظهر الرئيس فؤاد السنيورة على احدى القنوات العربية وطرح موضوع حكومة على قاعدة 17ـ,13 ما يعني توسيع الحكومة الحالية (هذا يعني الابقاء على البيان الوزاري للحكومة الحالية). كما تحدث عن بيان وزاري جديد (البيان الوزاري الجديد يفترض حكومة جديدة، والحكومة الجديدة تفترض استقالة الرئيس السنيورة). ولم يجد طرح الـ17ـ13 رفضا من قبل المعارضة، وتلقى النائب علي حسن خليل تأكيدا من السفير السعودي ودعما لهذا الطرح. الا ان المفاجئ بعد ذلك، تراجع هذا الفريق عن الـ17ـ13 الى 19ـ11(!!)، وتبعت ذلك سلسلة مواقف لبعض فرقاء 14 آذار ترفض الحكومة، ومنها كلام وليد جنبلاط عن عدم علمه بوجود مبادرات، وكلام سمير جعجع عن ان الأولوية ليست للحكومة بل للرئاسة، وقبل ذلك الحملة الاعتراضية التي شنها هذا الفريق على مبادرة البطريرك الماروني بتشكيل حكومة وحدة.. وتتسلسل المواقف وصولا الى البيان الأخير لـ«مجلس مذهبي»، يتجاوز الحكومة، ويركز على رئاسة الجمهورية (ازاء ذلك، اتخذت المعارضة، والكلام للمصادر المذكورة، قرارا بتجنب اي انفعال، وعدم الانجرار الى اي سجال او تجاذب مع هذا الفريق).
تقول المصادر الواسعة الاطلاع انها لا تجد صعوبة أبدا في قراءة تفاصيل الموقف الاكثري الساعي الى رئاسة الجمهورية اولا وأخيرا، وهو بالتالي يراهن على الوقت، فربما يطرأ ما يسرع اندفاعه في اتجاه حمل «رئيس آذاري» على حد وصف المصادر، الى القصر الجمهوري.
ما هو موقف الفريق المعارض؟
تسود الجانب المعارض قناعة بفقدان الأمل بالوصول الى توافق مع فريق الاكثرية، وتحت اي عنوان، ومع ذلك لا يزال المجال مفتوحا وانما ليس طويلا، للتوافق على حكومة وحدة. وعلى حد قول ركن بارز في المعارضة، فإن ما بعد حزيران زمن آخر، وأداء سياسي آخر يظهر في حينه. وفي اعتقاد هذا الركن، فإن الامور، حتى الآن، لا تبشر، وسائرة بخطى سريعة في اتجاه حكومتين، مع ما ينذر ذلك بمخاطر على كل المستويات. والخيار هنا ليس بين الحسن والاحسن، لا بل بين السيئ والأسوأ. فالسيئ هو الذهاب الى حكومتين، وأما الأسوأ فهو استمرار هذا الفريق في الحكم على هذا النحو، ونحن حكما سنختار السيئ.
هذا الوضع يتابعه الرئيس نبيه بري بكل تفاصيله وتعقيداته، ولا يلمس ايجابيات، وينتظر، وليس ما يمنعه من المبادرة قريبا، وربما قريبا جدا، الى اطلاق كلام صريح بالوقائع والتفاصيل.
فقد كانت له تجربة مريرة في الحوار وفي المبادرات، ولذلك هو لا يؤمن ابدا بالجعجعة من دون طحين، ولا بالاستعراضات الاعلامية؟
إلى اين؟
يقول بري: انا انتظر، ونحن نسير مع الجهود والمساعي الجارية بكل ايجابية ونية صادقة في اتجاه الحل لانقاذ البلد. نسير بإيجابية، انما بحذر شديد. انا حاضر لأي مسعى ولكل ايجابية، وفي الوقت ذاته انا شديد الحذر... والمواقف التي نسمعها لا تطمئن.
تعليقات: