ضعف تمثيله وتراجع مكانته في طرابلس دفع ريفي ليصبح حليف خصمه التاريخي كرامي (يحيى حبشيتي)
المفارقة الأبرز في اليوم الانتخابي في طرابلس هي أن عاصمة الشمال، وثاني أكبر مدينة في لبنان، التي تملك أكبر بلدية بعد بلدية بيروت على المستوى الوطني، سجلت أدنى مستوى تصويت مقارنة مع البلديات الأخرى في شمال لبنان. وذلك رغم ارتفاع عدد اللوائح إلى ستة، وهو أعلى رقم في لبنان. فقد بلغت نسبة الاقتراع في طرابلس والميناء 26.70% فقط، بتراجع كبير عن عام 2016، حيث كانت النسبة حينها 40%.
هذا المؤشر، لا يدل على ارتفاع معدل "الصمت السلبي" في مدينة لديها أكثر من 200 ألف ناخب فحسب، بل هو أيضًا دلالة عميقة على فشل التحالف السياسي الذي نشأ في اللحظات الأخيرة حول لائحة "رؤية طرابلس" من جهة، وعلى فشل الحراك المدني وضعف أثره على المجتمع الطرابلسي، وتشتته، لا سيما أنه أفرز 5 لوائح من جهة أخرى.
لم تقدم أي نهج جديد
في خلاصة أولية، عجز المجتمع المدني عن التوحد في لائحة واحدة، كما هو الحال في لائحة "بيروت مدينتي" مثلًا. ولم يقدم خطابًا مقنعًا وجامعًا يدفع الناس للإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع، في مدينة تعيش أكثر مراحل الاضطراب السياسي وهويتها. فكانت الخيارات المدنية عديدة ومشتتة، ومتشابهة أيضًا في خطابها، وإن كانت لائحة "نسيج طرابلس" قد سجلت استعدادها للانتخابات منذ نحو ثلاث سنوات.
كما لم يقدم المجتمع المدني في طرابلس، نهجًا بديلًا عن النهج السياسي التقليدي، رغم حالة الفراغ التي شكلت لحظة تاريخية للمجتمع المدني من أجل التقدم.
الانتخابات البلدية الحالية أول اختبار ديمقراطي بعد الانتخابات البرلمانية عام 2022، والتي نتج عنها تشتتًا وضياعًا في تمثيل الطائفة السنية، بعد خروج تيار المستقبل من الحياة السياسية، وانسحاب الزعامات السنية التقليدية مثل تيار العزم برئاسة رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي.
تبدل تحالفات ريفي
النائب أشرف ريفي حقق فوزًا ساحقًا في الانتخابات البلدية عام 2016، وتمكن حينها من التسويق لفوز الخيار المدني، بوجه اللوائح التي كانت تدعمها الأحزاب التقليدية، مثل تيار المستقبل وتيار العزم والجماعة الإسلامية وأطراف أخرى. لكن فوز ريفي آنذاك، أنتج واحدًا من أكثر المجالس البلدية فشلًا في تاريخ طرابلس البلدي، ودفعه بعد فترة وجيزة، للتملص من مسؤوليته من تشكيل اللائحة، التي غرق أعضاؤها لسنوات بالصراعات والمعارك الشخصية.
ريفي نفسه اليوم دخل الانتخابات البلدية من دون أن يأخذ في اعتباره ضعف تمثيله وتراجع مكانته في طرابلس. وبفعل المتغيرات السياسية الكبرى التي شهدها لبنان بعد الحرب الإسرائيلية ونتائجها المدمرة على حزب الله، اضطر إلى أن يصبح حليفًا لخصمه التاريخي، النائب فيصل كرامي.
هكذا، بين ليلة وضحاها، أصبح كرامي عراب تشكيل اللائحة السياسية في طرابلس، مسوقًا لنفسه كزعيم طرابلسي وشخصية مدعومة من المملكة العربية السعودية. هذا التسويق جعله محطًا لالتفاف نواب طرابلس حوله، وفي طليعتهم ريفي وطه ناجي (الأحباش) وكريم كبارة.
لكن هذا التحالف السياسي الذي تشكل بصورة اضطرارية، والذي شهد خلافات واضطرابات كثيرة، كان هشًا إلى درجة أنه تم تشكيل اللائحة قبل نحو ثلاثة أيام فقط من موعد الانتخابات.
أما ميقاتي، الذي اختار الانكفاء المباشر عن الانتخابات، فلم ينجح تياره في حشد أصوات قاعدته الشعبية لدعم لائحة التحالف السياسي.
اللعب على الحبلين
وهنا، لا بد من التطرق إلى دور النائب إيهاب مطر، الذي صار يحترف اللعب على حبلي المجتمع المدني من جهة، عبر دعم لائحة "نسيج طرابلس"، ودعم لائحة "الميناء أولًا" مع الجماعة الإسلامية من جهة أخرى. لكن مطر أيضًا، يخوض تحالفًا خفيًا مع ميقاتي، استعداداً للانتخابات البرلمانية المقبلة، وسعى إلى تقديم دعم غير مباشر، وفق معلومات "المدن" إلى لائحة التحالف السياسي في طرابلس.
مر اليوم الانتخابي في طرابلس ببطء على مستوى الإقبال على صناديق الاقتراع، ولم يخلُ من الإشكالات. وبينما كانت نتائج انتخابات المختارين تقترب من الاكتمال، شهدت طرابلس بطئًا كبيرًا في ظهور النتائج الأولية للانتخابات البلدية، خلافًا للبلديات الشمالية الأخرى. وبعد صدور النتائج، تسببت الاحتفالات بإطلاق الرصاص الطائش في الشوارع، ما أدى إلى إصابة الزميلة ندى أندراوس، التي نُقلت على إثرها إلى المستشفى.
وحتى ساعات متأخرة من يوم الأحد، كانت لا تزال نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس والميناء غير واضحة، حتى ولو بمؤشرات أولية، لدى جميع الماكينات الانتخابية. وفي هذا السياق، تخشى مصادر مطلعة لـ"المدن" من حدوث أي تلاعب بنتائج الانتخابات البلدية في طرابلس والميناء لصالح التحالف السياسي، وأن يلي ذلك عمليات طعون بالنتائج، في انتخابات بدت ضعيفة وغير مشجعة على مستوى الإقبال الشعبي والمشاركة في الإصلاح البلدي.
تعليقات: