زغرتا :
لم ترزق بصبي... تلك هي المشكلة.
كانت حياة تبلغ من العمر عشرين سنة وكانت في سنتها الجامعية الأخيرة عندما احبت توفيق.
هي من عائلة متوسطة الدخل. الوالد ناظر مدرسة والوالدة تعمل في التطريز. وكانت الأسرة المؤلفة من سبعة أفراد، متميزة بتعاضد أبنائها وتكاتفهم على رغم انغلاقهم بعض الشيء عن محيطهم.
كانت حياة تكره الانغلاق، وتكره ان تعيش في بيت متواضع مع اخيها وشقيقاتها الثلاث. كانت ترغب في التمتع بمباهج الدنيا بحدها الأدنى على الأقل.
في توفيق رأت كل ما حلمت به. هو وسيم الشكل، حلو المعشر، كريم حتى حدود البذخ، والأهم من ذلك كله هو أنه ميسور الحال.
عندما تقدم لخطبتها، رفضه الوالد. أبدى تحفظاته على العريس ـ »اللقطة« في نظر اهل الحي ـ بسبب »نقص في مستواه العلمي والثقافي«.
إلا أن حياة أصرت وكان لها ما أرادت شرط ان تتمهل حتى تنال الإجازة الجامعية.
عاشت حياة السنوات الثلاث الاولى من زواجها في نعيم. اكملت تعليمها ولكن زوجها رفض ان تعمل في مجال اختصاصها (ادارة الاعمال) أو في أي عمل آخر.
تروي حياة أنها: »كلما فاتحته بموضوع الشغل كان يغدق عليّ المال ويشير الى ان على المرأة التزام بيتها وأولادها، وهنا اصل المشكلة، اذ لم يكن لدي اولاد في حينها وكنت انتقل من طبيب الى آخر حتى رزقني الله بابنتي الاولى، وبعدها بسنة بابنتي الثانية«.
لكن الفرحة لم تكتمل بإنجاب صبي كما كان توفيق يحلم. نصح الأطباء حياة بعدم محاولة الإنجاب مجدداً لأن في ذلك خطراً على صحتها. فجأة، وبسرعة، تحول النعيم الى جحيم.
تؤكد حياة »لم أكن قد تعرضت يوماً لأي عنف جسدي او معنوي، كان والدي صارماً بعض الشيء، لكنه في حياته لم يوجه لنا أي إهانة او صفعة. وكنت اعتقد ان كل الناس مثله«.
لكن، يبدو ان عدم إنجاب وريث قد شكل لتوفيق عقدة نفسية، لا سيما انه وحيد والديه، وكان يطلب من اصدقائه مناداته »ابو ايلي«. بدأ يتغيب عن المنزل، ثم انتقل إلى إطلاق الشتائم، ثم إلى خفض المبالغ المخصصة لشراء احتياجات البيت.
الا ان الأخطر كان لما اكتشفت حياة إدمان زوجها على الميسر. ولما فاتحته بالموضوع، جاء الرد بصفعة على وجهها.
من بعدها، صارت الصفعات تتوالى يومياً، وثم انتقل توفيق إلى الضرب.
لم تستطع حياة إكمال قصتها. توقفت عند ذلك الحد. صمتت لشدة تأثرها. أكمل كاهن الرعية بعضاً من جوانب قصتها.
يقول الأب حنا ان حياة لجأت اليه لأنها لم ترد ان يعرف اهلها بقصتها. »خافت كثيراً بعدما حاول توفيق، وفي ثورة غضب أن يخنقها. تركت اولادها وهربت الى الكنيسة المجاورة لمنزلها حيث كنت اصلي ليلاً. اخبرتني عن معاناتها، فسارعت الى التحدث مع توفيق لإقناعه بأن إنجاب البنات او البنين يتم بارادة الله ومشيئته. غير انني فوجئت به يؤكد أن المشكلة لا تكمن هنا وأن حياته مع زوجته لم تعد تطاق لأنها متطلبة وعنــيدة حــتى انه وصــل الى الكفر بقوانين الكنيسة التي لا تسمح بالطلاق«.
من سيئ الى أسوأ، ومن وضع مادي ميسور الى تراكم للديون بفعل القمار، بات توفيق يضع اللوم كله على حياة.
تارة يصفها بالمبذّرة، وطوراً يضربها بأساليب لم تكن تتخيل أن احدا يستعملها، حتى انه اطلق النار عليها في احدى المرات عندما رفضت استقبال اصدقائه للمقامرة في المنزل. تقول: »من حينها كرهته وكرهت حياتي معه لا سيما ان ثورات غضبه كانت تطال الصغيرتين«.
قصة حياة مستمرة على الشكل نفسه حتى الساعة.
تخشى مغادرة المنزل والاعتماد على نفسها لخشيتها من ملاحقة زوجها لها ولابنتيها، وأيضا لأنها لا تتقن أي عمل، وما تعلمته في الجامعة لن يساعدها بلا الخبرة.
إلى السببين الموضوعيين السالفين، يضاف سببان آخران، لا خانة لتصنيفهما: ألسنة الناس، و»قطع« نصيب شقيقاتها إذا طلقت هي.
اهل حياة يعتقدون اليوم أن أحوال صهرهم المادية قد تراجعت بفعل تجارة خاسرة، ويرون انه يتعين على ابنتهم تحمله في العوز كما في البحبوحة.
أما كاهن الرعية، فهو يستمر في وعظ توفيق من حين الى آخر.
تعليقات: