عصف العدوان الإسرائيلي بمرجعيون والعرقوب وحاصبيا. القطاع الذي يلاصق الجولان السوري المحتل، وفلسطين المحتلة، لم يخرج سالماً بعد. البلدات التي لم يستهدفها العدو، بالمجازر والتدمير والتهجير، استهدفها بمحاولة الشرخ في ما بينها. وفي خضمّ التخبط، يذهب الأهالي إلى انتخابات بلدية واختيارية، تستفيد فيها بعض الأحزاب من ذيول العدوان.
تعبق رائحة «الزفت» في شوارع شبعا. لا يخجل المشرفون على ورشة التعبيد من تصنيفها بـ»الزفت الانتخابي» الذي ظهر قبل أسبوع على الانتخابات البلدية يوم السبت المقبل.
مبادرة التعبيد جاءت من المقاول آدم فرحات، رئيس إحدى اللائحتين المتنافستين. فيما بادر مناصرو اللائحة المقابلة التي يرأسها منسّق عام تيار «المستقبل» درويش السعدي، إلى جذب الناخبين بأسلوب مختلف. منهم من رفع صور الرئيسين رفيق وسعد الحريري وآخرون رفعوا صور رئيس الحكومة نواف سلام والمدير العام لقوى الأمن الداخلي رائد عبدالله. لكنّ البعض تفوّق عليهم برفع صور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ازدحمت تلك الصور في سفوح موقع الرادار الإسرائيلي المرابض فوق المزارع المحتلة. وأدرجها البعض في إطار «اعتبار مشكلة شبعا سياسياً وطائفياً، هي في وجه حزب الله وسرايا المقاومة التي تكشّفت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير».
محاولات لخلق فتن مذهبية، والاشتراكي يبتعد عن الحزبية بينما تتلطّى القوى المسيحية بالعائلات
وبرغم عدم تدخل الحزب والسرايا في هذه الدورة بخلاف الدورة السابقة، لكنّ بعض المرشحين استثمروا انتخابياً في التحريض السياسي والمذهبي ضدهما. ومهما حاول البعض إلباس معركة شبعا طابعاً سياسياً، لكنّ طابعها الثأري العائلي هو الغالب.
دورة عام 2016 وتجربة رئيس البلدية (منذ 2010) محمد صعب، تركتا ذيول تفرقة داخل العائلات. وبعد انتخاب محمد صعب رئيساً وباسم هاشم نائباً له عام 2016، سرعان ما تفرّق جمعهما، وتطور الخلاف إلى دعاوى قضائية ضد هاشم زجّت به في السجن، ما فاقم نقمة آل هاشم وحلفائهم ضد صعب وحلفائهم، حتى تحيّن الطرفان الفرصة لتصفية الحسابات.
باكراً، أعلن محمد صعب اعتكافه عن المشاركة في الانتخابات، ترشيحاً أو انتخاباً. فيما تجهد محاولات القوى السياسية والعائلية لإنتاج لائحة توافقية من اللائحتين ومن المرشحين الـ 40 الذين ليس بينهم أي منظّم حزبي.
في كفرشوبا، تتساوى الحدة الانتخابية مع الخشية من قيام العدو باستهداف البلدة لتقليص عدد المشاركين في الاقتراع، من خلال استهداف المدرسة الرسمية.
وبخلاف غالبية البلدات الحدودية المتضرّرة، أبقت وزارة الداخلية والبلديات مراكز اقتراع كفرشوبا وشبعا داخلهما. في كفرشوبا التي تتعرض لاعتداءات بشكل يومي بعد أن تعرّضت لتدمير واسع، يُتوقع أن يشارك حوالي 1500 ناخب أي أقل من العدد الذي يشارك في الظروف الطبيعية (يفوق 2500 من أصل 6 آلاف).
وتتنافس ثلاث لوائح، أولاها لائحة يرأسها الرئيس الحالي قاسم القادري، مكتملة من 15 عضواً بدعم من المستقلين والعائلات ولائحة ثانية غير مكتملة تشكّلت في الأيام الأخيرة من مستقلين وعائلات.
أما اللائحة الثالثة التي ظهرت نواتها منذ أكثر من شهرين، فهي غير مكتملة، لكنها توصف محلياً بأنها «لائحة المتموّلين»، إذ يوزعون وعوداً بدفع الأموال الطائلة على المساعدات والخدمات والمشاريع، في حال فوزهم. ويتردّد أن بعض أعضائها لهم صلات مع بهاء الحريري ومجموعة «كلنا إرادة» و»القوات اللبنانية».
وقد حسم حزب الله وسرايا المقاومة موقفهما باكراً في كفرشوبا التي يملكان فيها حضوراً نافذاً ظهر خلال العدوان، ولا سيما بعد استشهاد نابغ القادري (رابط الحزب). وأعلنا دعمهما للائحة القادري التي كان من المُفترض أن تكون توافقية، قبل أن تظهر الترشيحات الأخرى.
في الهبارية، تتمظهر السياسة بشكل أوضح. رسا آخر المفاوضات على إنتاج لائحتين: الأولى محسوبة على الجماعة الإسلامية والثانية محسوبة على قوى اليسار والناصريين، بعد فشل مساعي التوافق ضمن لائحة واحدة.
منذ الانتخابات الأولى بعد تحريرها، استأثرت الجماعة ببلدية الهبارية بالتعاون مع العائلات. لكن في دورة 2016، خسرت لائحتها أمام اللائحة المدعومة من اليسار والناصريين.
أخيراً، أرادت الجماعة استثمار التضامن الشعبي الذي حظيت به في قرى العرقوب بعد مشاركتها في مواجهة العدوان الإسرائيلي واستشهاد عدد من أبناء المنطقة، ولا سيما من الهبارية. وفي كفرحمام، توزّعت الأحزاب بين لائحتين من العائلات. فانقسم الشيوعيون والإسلاميون وفق حسابات عائلية خاصة.
القرى المسيحية والدرزية
أما في معظم البلدات المسيحية بين حاصبيا ومرجعيون، فقد تلطّى الحزبيون خلف عائلاتهم. وفي دير ميماس، تتحكم ذيول العدوان بالحملات الانتخابية. وانقسم الأهالي بين مناصري الكتائب و»القوات» والتيار الوطني الحر وبين مناصري الحزبين الشيوعي والقومي، وسط تحريض من خصوم المقاومة على رئيس البلدية الحالي الطبيب الشيوعي جورج نكد على خلفية إدارته للبلدة إبان العدوان.
وفي جديدة مرجعيون، غلبت العائلية والتمويل على المعركة. ويدعم الرئيس الحالي المتموّل آمال الحوراني لائحة يترأسها نائبه ساري غلمية الذي أدار البلدية في ظل غيابه الدائم. بينما تستعر المعركة الحزبية في القليعة، وتدعم «القوات» لائحة من العائلات، لكن بعد أن تبيّن أنها تحصر التمثيل بالقواتيين، انبرى عونيون لتشكيل لائحة عائلية أخرى. الحسابات العائلية غطّت على الانتماءات الحزبية في كوكبا وراشيا الفخار، كما في الكفير وبرج الملوك وأبو قمحة.
بدوره، تلطّى الحزب التقدمي الاشتراكي خلف العائلات في البلدات الدرزية في حاصبيا، إذ من المرجّح أن تثمر مساعيه في بلدة الفرديس عن تشكيل لائحة توافقية من العائلات التي تتوزع في ولائها بين الجنبلاطيين والإرسلانيين. في حاصبيا، هناك معركة غير متكافئة بين لائحة يرأسها الرئيس الحالي الاشتراكي لبيب الحمرا ولائحة غير مكتملة من اشتراكيين ومستقلين معارضين. لكنّ مساعي التوافق فشلت في إبل السقي التي يتناصفها الدروز والمسيحيون. وقد بدأ الخلاف بين المسيحيين الذين ينتمي بعضهم إلى خلفيات قومية ويسارية.
تمديد مهل الانسحاب... دعماً للتزكية
حتى مساء أمس، بلغ عدد البلديات الجنوبية التي فازت بالتزكية، 54 بلدية، بينها عشر بلديات تقع في خطوط المواجهة. وهو عدد يُرجّح أن يرتفع مع تمديد مهلة الرجوع عن الترشح إلى يوم الجمعة المقبل، بدلاً من يوم غدٍ الأربعاء، الأمر الذي يمنح فرصة إضافية لمساعي حزب الله وحركة أمل للحؤول دون حصول انتخابات في أكبر عدد ممكن منها، ولا سيما في البلدات المتضررة من العدوان الإسرائيلي. وكان الثنائي يسعى مع الدعوة إلى الانتخابات، إلى «تذليل العقبات للوصول إلى لوائح تحظى برضى العائلات والفعاليات وتجنّب البلدات الحدودية، معارك انتخابية».
لم يحقّق الثنائي هدفه كاملاً، ليس بسبب تشكّل جبهات معارضة بوجهه، إنما بسبب إصرار قلة قليلة في كل بلدة، على الاستمرار بالترشح؛ وبعضهم ينتمي إلى الثنائي نفسه. وحتى ليل أمس، كان هناك مرشح واحد يحول دون فوز لائحة «تنمية ووفاء» بالتزكية بمجلس بلدية عيتا الشعب. ينتمي الرجل إلى النسيج نفسه، لكنه يريد إرسال انتقادات عبر الصندوق البلدي إلى الثنائي على خلفية ملف التعويضات على الأضرار التي «لم تكن عادلة بحقّه». فيما يبذل الثنائي مساعيَ حثيثة لإقناعه بالانسحاب لادّخار جهد ووقت وتكلفة جمع أهالي عيتا الشعب (النازحين إلى مناطق مختلفة بعد تدمير بلدتهم)، علماً أن معظم أبناء البلدة يفضّلون التزكية على أن يقترعوا في غير مسقط رأسهم، كما كان يحصل في زمن الاحتلال.
أما في رامية، فالمشهد فريد من نوعه. حيث العائلية أكبر من الاتفاق، وحتى مساء أمس، كانت الترشيحات منقسمة بين لائحتين: الأولى محسوبة على حزب الله والثانية محسوبة على «أمل». في جميع الدورات الماضية، لم تلتزم البلدة الحدودية بأي اتفاق بلدي بين الثنائي. في إحدى الدورات، اكتسحت «أمل» المجلس المؤلف من 12 عضواً. وفي دورة 2016، اكتسح الحزب.
وقال النائب هاني قبيسي لـ»الأخبار» إنه من المرجّح أن تفوز بلديات جديدة بالتزكية في الأيام المتبقية قبل انتخابات السبت. «الهدف من التزكية ليس إلغاء الآخرين، إنما مراعاة خصوصية البلدات الحدودية المدمّرة وفي ظل العدوان الإسرائيلي وبهدف إراحة الأهالي الذين هُجّروا إلى أصقاع مختلفة من عبء الانتقال في يوم الانتخابات».
يشار إلى أن غالبية البلدات الحدودية المتضررة، استُحدثت لها مراكز اقتراع في مناطق أكثر أمناً، باستثناء ميس الجبل. وبرغم فوز بلديتها بالتزكية، لكن لا تزال هناك انتخابات اختيارية بسبب إصرار مرشحين اثنين على الاستمرار بالترشح. المشهد ذاته تكرّر في الطيبة التي فازت بلديتها بالتزكية، فيما لا تزال المعركة على «المخترة» قائمة في مركز الاقتراع البديل في النبطية. أما ربّ ثلاثين، فقد فازت بلديتها و»المخترة» بالتزكية وكان ناخبوها سيقترعون في النبطية.
تعليقات: