صبحي القاعوري: ابناء الغيبة والنميمة‎

الحاج صبحي القاعوري
الحاج صبحي القاعوري


وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وبَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا ،

( طبعاً لست زكريا عليه السلام ولا تشبهاً به ولكني استعرت كلماته للتعبير عن الحال. ) وضعف البصر ، والسمع من الصم اقترب ، واللسان من التأتأة قاب قوسين او ادنى،واما الخطى اصبحت الهوينا .

أردت أن أعيش ما تبقى من العمر دون أن أكون عبئاً على أحد، فقررت قبل أكثر من سبع سنوات أن أنتسب إلى نادٍ للسباحة. لم يكن هدفي الترفيه، بل الحفاظ على ما تبقى منصحة وقدرة في جسدي المتعب.

وفي أحد الأيام، وبعد أن أنهيت تماريني وغادرت المسبح، علّقت حقيبتي في رقبتي،وتوكأت على عكازي، وبدأت السير عائداً إلى منزلي.

مررت بجماعة من رواد النادي يجلسون حول طاولة شغلهم لهو الحديث، فإذا بأحدهم يهمس: "ما لهذا العجوز يرهق نفسه؟ أليس الأفضل له أن يبقى في بيته؟" رد عليه آخر: "عجوز متصابي!" وقبل أن يُكمل ثالثهم سخريته، التفتُّ نحوهم ، نظرت إليهم بعين الشفقة، ودعوت الله أن يهديهم.

ليست الحادثة في ذاتها ما آلمني، بل ما تمثّله من صورة لواقع مؤسف نعيشه؛ نحن أمة ابتُلِيَت بالفراغ، واللهو، والغيبة، والنميمة، والحسد، والتآمر على النفس والوطن. نضحك على أنفسنا ونحن نبكي في أعماقنا.

المُبكي في الأمر أن ما وصل إليه الغرب من علوم وتقنيات وتقدم مذهل، كان جزء كبيرمن أساسه مبنياً على حضارتنا التي أرسى دعائمها علماؤنا في الرياضيات،والفيزياء، والطب، والكيمياء، والفلك، وغير ذلك. لكننا – ويا للأسف – أضعنا الطريق،وأصبحنا أمة اتكالية استشرى فيها الفساد، وأصبحنا على حافة الزوال.

هذه ليست دعوة للتشاؤم، بل صرخة ألم من قلب شيخ عاش طويلاً، ورأى كثيراً، ويأملأن يفيق النائمون قبل فوات الأوان.

الحاج صبحي القاعوري

تعليقات: