شبان وشابات من بلدة حولا الجنوبية يوزعون اللوائح الإنتخابية على الناخبين، السبت 24 مايو الحالي (اندبندنت عربية)
هاجس إعادة الإعمار يسيطر على قرى الحافة الأمامية وأبناؤها يقترعون في مراكز المحافظات
ملخص
جرت في لبنان اليوم المرحلة الرابعة والأخيرة من الانتخابات البلدية المؤجلة لثلاثة أعوام، وشهدت محافظتا الجنوب والنبطية تنافساً في بعض بلداتها، بينما عمل ثنائي "حزب الله" و"حركة أمل" على تجنيب أكبر عدد ممكن من القرى معارك انتخابية عبر التوصل إلى لوائح مشتركة فازت بالتزكية.
تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لزحمة السيارات المتوجهة من بيروت نحو مناطق جنوب لبنان للمشاركة في الانتخابات البلدية والاختيارية بعد تأجيل استمر ثلاث سنوات بقرارات حكومية، زيادة على مدة ولايتها المقررة بالقانون وهي ست سنوات بدأت عام 2016. توجه الجنوبيون إلى الانتخابات على رغم استمرار الاستهداف الإسرائيلي لكثير من المناطق الجنوبية، كان آخرها مساء أول من أمس الخميس، إذ أغارت الطائرات الإسرائيلية على بلدة تول الواقعة قرب مدينة النبطية بعد إنذار صدر عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي ونشر خريطة للمكان المستهدف قبل تدميره بغارة جوية، ثم نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة غارات استهدفت مناطق في أقضية صور والنبطية وجزين والبقاع الغربي وسط تصعيد لافت وغير مبرر.
مع ذلك لم تسلم بعض القرى الواقعة عند الحافة الأمامية والخلفية من الحدود الجنوبية من استهدافات طاولت سيارات ودراجات نارية وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى، إضافة إلى استهداف جرافات وحفارات كانت تعمل على إزالة الركام وقتل سائقيها، وتدمير عدد من البيوت الجاهزة التي أدخلها سكان محليون حاولوا العودة لقراهم المدمرة من قبل الإسرائيليين خلال الحرب الأخيرة، ناهيك عن التهديدات المتواصلة لمناطق جنوبية عدة.
وعلى رغم التهديدات المستمرة لم تتوقف الاتصالات بين الفرقاء السياسيين الجنوبيين ونشطت في الطليعة الماكينات الانتخابية لـ"حركة أمل" و"حزب الله" في تسابق محموم لتزكية ما استطاعت إليه سبيلاً من لوائح ومجالس بلدية تحت تسمية موحدة هي "التنمية والوفاء" قبل اللحظات الأخيرة لعملية انسحاب المرشحين التي مددت خمسة أيام إضافية تسهيلاً لمهمات التزكية. واستطاع الحزب والحركة منفردين أو متعاونين مع جهات سياسية أخرى على نحو الحزب الشيوعي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي، تزكية أكثر من 100 بلدية في محافظتي الجنوب والنبطية. وتجلى مجهود "الثنائي الشيعي" لتجنيب أكبر عدد ممكن من البلدات معارك انتخابية بنسبة عالية في قضاء صور، إذ تجاوزت نسبة البلديات التي فازت بالتزكية تحت رعايتهما الـ50 في المئة من أصل نحو 62 بلدية تتبع للقضاء وغالبيتها من قرى "الحافة الأمامية" الحدودية أو قرى "الخط الثاني".
الرئيس بري على الخط
وانتشر أمس الجمعة شريط مصور لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري يتصل بأحد أبناء بلدة الخرايب (في قضاء الزهراني- صيدا) كي يحثه على الانسحاب تحقيقاً لتزكية بلدية الخرايب، وهذا ما حصل، إذ فازت البلدية بالتزكية بعد انسحاب المرشح الوحيد خارج اللائحة المقررة من قبل "الثنائي"، وهو أصلاً من محازبي حركة "أمل" كان استبعد من تشكيل اللائحة، فقرر التحدي ومواصلة الترشح منفرداً مدعوماً من والده وعائلته المؤثرة في البلدة.
وعُلم كذلك أن مسؤول الإعداد المركزي في حركة "أمل" أحمد بعلبكي دخل كثيراً على خطوط التواصل والاتصالات وتركيب اللوائح وسحب المرشحين من أجل تحقيق لوائح تزكية ضمن عدد كبير من بلدات قضاء النبطية، فنجح في تحقيق 13 بلدية بالتزكية من أصل 40 بلدية، من بينها ثلاث بلديات هي عربصاليم وحاروف وكفرصير، كانت منحلة طوال تسعة أعوام بسبب خلافات طرأت بين أعضاء مجالسها المنتمين إلى حركة "أمل" و"حزب الله"، وظلت تدار من مركز محافظة النبطية طوال هذه السنوات.
صراع ضمن الصف الواحد
وليل أمس صدر عن "الهيئة التنفيذية في حركة أمل" قرار قضى بتجميد عضوية كل من "علي حسين فرحات وحسن أحمد غبريس وإحالتهما فوراً على الرقابة، واعتبار المدعو جميل حسين معلم مطروداً من حركة أمل" والثلاثة من بلدة كفررمان، جارة مدينة النبطية، بسبب مواصلة عدد من المحسوبين على الحركة تأليف لائحة غير مكتملة بمواجهة لائحة "التنمية والوفاء" المؤلفة من أعضاء من الحركة والحزب مع عدد من مناصريهما. وثمة لائحة ثالثة في بلدة كفررمان مؤلفة من 13 مرشحاً ينتمون إلى الحزب الشيوعي اللبناني وقوى اليسار في البلدة التي كانت غالبيتها يسارية قبل اتساع نفوذ "الثنائي" فيها.
وتتجه المعركة الانتخابية في كفررمان نحو صيغة "كسر العظم"، بخاصة بعد معاداة حركة "أمل" للائحة "الحركية" المنافسة المؤلفة من تسعة مرشحين وعدم تمكن قيادة الحركة من ثنيهم عن الترشح لمصلحة لائحتها "التوافقية" وسط إشاعات عن إمكان التعاون وتبادل الأصوات بين اللائحتين المنافستين، مما سيحتم خرق اللائحة التوافقية، ولا سيما أن انتخابات كفررمان البلدية والاختيارية شهدت خلال دوراتها منذ عام 1998 عدم وصول لائحة كاملة (من دون خروقات) إلى المجلس البلدي، فضلاً عن أن رئاسة اللائحة المنشقة عن حركة "أمل" قبل تجميد عضوية عدد من أعضائها تتمتع بنفوذ شعبي في البلدة، إذ إن رئيس هذه اللائحة كمال أحمد غبريس كان رئيساً لبلدية كفررمان في الدورة السابقة (2010- 2016) بعدما أوصله إليها تحالف "الثنائي".
وعلى رغم ازدياد عدد بلديات التزكية قبل نحو سبع ساعات من انطلاق العملية الانتخابية، فإن الاتصالات الحثيثة التي تولتها ماكينات حركة "أمل" و"حزب الله" إلى جانب الحزب الشيوعي اللبناني المتحالف معهما ضمن لائحة واحدة في بلدة حولا، لم تجدِ نفعاً ولم تصل إلى تزكية، إذ شكلت بوجهها لائحة ثانية تتألف من شيوعيين ويساريين ومستقلين.
حولا تحتشد في النبطية
وكانت بلدة حولا في قضاء مرجعيون تحتفي في مثل هذا اليوم، في الـ24 من مايو (أيار) عام 2000 بالانسحاب الإسرائيلي من البلدة وجميع المناطق الجنوبية بعد ربع قرن على احتلالهاـ وتخوض هذا العام انتخاباتها البلدية خارج حدودها بعدما دمرت إسرائيل أكثر من 60 في المئة من بيوتها ومؤسساتها ومتاجرها وبنيتها التحتية، وتواصل استهداف العائدين من سكانها، إذ أعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة اللبنانية الإثنين الماضي أن "غارة للعدو الإسرائيلي بمسيّرة استهدفت أطراف حولا في قضاء مرجعيون، أدت إلى سقوط قتيل" هو عيسى قطيش الذي كان أمام منزله.
وشهد مركز اقتراع أبناء حولا في بلدة زبدين (محافظة النبطية) ازدحاماً كبيراً، إذ بدأ الناخبون من أبناء البلدة بالتوافد إلى مدينة النبطية منذ ساعات الصباح الأولى للمشاركة في الاقتراع لإحدى لائحتين متنافستين، فالاتصالات والاجتماعات لم تحقق التوافق على مجلس بلدي بالتزكية، فظلت المنافسة على أشدها وحشد لها الطرفان قدر المستطاع وشوهدت باصات كبيرة تقل ناخبين إلى أقلام الاقتراع في النبطية.
عن هذا الاختلاف والتنافس يقول ابن بلدة حولا الطبيب الشفيع فوعاني "جرى طرح تأليف مجلس بلدي يضم جميع أطياف البلدة العائلية والسياسية، شرط أن يكون رئيس البلدية ونائبه مستقلين ويكون التمثيل الحزبي من ثلاثة أعضاء لكل فريق، وأعني حركة ’أمل‘ و’حزب الله‘ و’الحزب الشيوعي‘، وعندها تكون بلدية توافقية يرضى عنها الناس وتستطيع مواكبة الظروف الاستثنائية التي تعانيها حولا بسبب الحرب، لكن ’الثنائي‘ لم يقبل، وبقي مصراً على أن يكون الرئيس من قبله مناصفة، ثلاث سنوات لكل فريق، مع وعد بمنح نيابة الرئيس للشيوعيين، مما ارتسمت حول حقيقته علامات استفهام وعدم ارتياح، فنشأت هذه الحركة الاعتراضية".
لائحة اعتراضية بمواجهة التزكية
ويشير فوعاني إلى أن "اللائحة الاعتراضية تتألف من مستقلين ويساريين والتيار الأسعدي (تابع لآل الأسعد) وغيرهم. هم مجموعة شبابية كبيرة خارج أي تنظيم حزبي أو أية اصطفافات. فالفكرة حول تحقيق التوافق يجب أن تبتعد من المحاصصة، وتحقيق التزكية يجب أن ينال موافقة الجميع وليس بوضع الشروط المسبقة وعدم التراجع عنها، يريدون العودة بنا لفشل البلديات السابقة، نحن منذ 20 عاماً نعاني في حولا عدم وجود مياه للشرب، والمجلس البلدي الذي يجب أن يكون نموذجاً للتنمية لم يقدم سابقاً أي دليل على ذلك، حتى إنه لا توجد لديه صورة لمشروع واحد حققه طوال هذه السنوات. حولا اليوم منكوبة، ولا يمكن إدارتها بالعقلية ذاتها".
وبعيداً من الحرب يتحدث فوعاني عن عدم وجود "مسح للأراضي في حولا، والبلديات السابقة لم تستطِع تأمين مدرسة ثانوية لأبناء البلدة على رغم وجود مبنى، وهناك ما بين 300 إلى 400 تلميذ ثانوي يتعلمون اليوم في ثانويات الطيبة وعيترون وتبنين ويقطعون مسافات طويلة كي يصلوا إليها، وهناك نحو 40 معلماً من حولا يدرّسون في هذه الثانويات. ومشروع المياه في حولا من أفشل مشاريع المنطقة، كل المنطقة تشرب المياه إلا حولا، وأنابيب المياه التي تذهب إلى ميس الجبل تعبر من حولا، بينما ينتظر أبناؤها في فترة ما قبل الحرب كل 20 يوماً إمدادهم بالمياه ولمدة ست ساعات فقط. ثمة فشل كبيرة للبلديات المتعاقبة على حولا منذ التحرير عام 2000 بإدارة ’الثنائي‘ المصرّ على تكرار التجارب تحت عناوين المواجهة، وعلى الإتيان بالأشخاص عينهم ممن فشلوا سابقاً في إدارة البلدية".
ولم تكُن حولا وحدها التي نظمت انتخاباتها البلدية والاختيارية خارجها، بل يمكن الجزم أن جميع بلدات وقرى الحافة الأمامية لم تجرَ على أرضها الانتخابات بسبب وضعها الأمني ودمارها شبه الشامل، فنقلت إلى المناطق الخلفية أو إلى عواصم الأقضية الجنوبية في النبطية وصور ومرجعيون. وانتخب أبناء حولا في مدرسة قرية زبدين الرسمية (جنوب مدينة النبطية)، فيما تقرر أن يقترع ناخبو عدد من قرى قضاء مرجعيون على نحو كفركلا والعديسة وبليدا في مدارس النبطية وجوارها.
"الجنوب يقترع حضارياً"
أما وزير المال ياسين جابر وبعد اقتراعه في مسقط رأسه مدينة النبطية، فقال لـ"اندبندنت عربية" إن "التزكية جرت وفق رغبات أبناء كل بلدة على حدة، ولا سيما في القرى التي تعاني تحدي الوصول إليها بسبب الدمار واستمرار العدوان. وهنا التزكية مستحبة لأن التنافس البلدي عندما يحصل في بلدات صغيرة فهو تنافس لأجل الخدمة وليس للتنافس السياسي. وأسهم الظرف الخاص الذي يمر به جنوب لبنان في تحقيق التزكية، خصوصاً أن بلدات عدة على نحو كفرصير وعربصاليم وحاروف كان من الصعب الوصول إلى مجلس بلدي منسجم فيها، وهذا ما لمسناه في انتخابات 2016، إذ عرقلت الخلافات وجود بلديات فيها إلى حد المعضلة. وهذه الانتخابات عملت على تقريب المسافات بين الجميع مع تقدير الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة، فولدت فيها بلديات تزكية مع تخييم النمط الديمقراطي".
ورأى جابر أن "مدينة النبطية نفسها تجسد نمطاً حضارياً للانتخابات البلدية، فجميع المرشحين أصدقاء ومن عائلات تجمع بينها صلات القرابة، ومن يفز فمن أجل الخدمة العامة. وتستحق مدينة النبطية أن يصل إليها فريق بلدي ناشط، ولا سيما أن مهمات البلدية ستكون صعبة خلال المرحلة المقبلة لأنها لا تتعاطى مع ظرف طبيعي، بل مع مدينة هدمت الحرب أسواقها وسقط فيها كثير من الضحايا وتحتاج إلى حركة إعادة إعمار كبيرة". وأضاف أن "لبنان أثبت بالنهاية في هذه الانتخابات البلدية وعلى جميع أراضيه، بخاصة في الجنوب أنه لم يزَل شمعة منيرة بالديمقراطية في هذه المنطقة".
الجنوب ينتخب رغم الحرب والتهجير
تعليقات: