أحمد علي ذكر: عميل عرض معلوماته تحت تأثير المخدرات

عميل رقمي كان يرسل الإحداثيات بينما تتساقط الصواريخ على الجنوب (Getty)
عميل رقمي كان يرسل الإحداثيات بينما تتساقط الصواريخ على الجنوب (Getty)


تكاثرت في الآونة الأخيرة حكايات العمالة والعملاء، وكأن الحروب لم تعد تُخاض فقط في الميدان، بل على الشاشات أيضًا. فمنذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة وما تبعه من تصعيد في لبنان، تسارعت وتيرة الكشف عن شبكات التجنيد، حتى باتت وسائل التواصل الاجتماعي واحدة من أبرز أدوات العدو لاختراق الداخل اللبناني.

بكبسة زر، صار التجنيد ممكناً. لم تعد الحاجة إلى لقاءات سرية أو تهريب رسائل مشفّرة. صار "فايسبوك" بوابة عبور، و"واتساب" غرفة عمليات. وبالقدر نفسه من السرعة، تأتي لحظة السقوط. قصة أحمد علي ذكر، واحدة من هذه الروايات التي خرجت إلى العلن، لتكشف عن عميل رقمي، كان يرسل الإحداثيات بينما تتساقط الصواريخ على الجنوب.

حكم العسكرية

حكمت المحكمة العسكرية برئاسة العميد وسيم فياض، بالسجن ثماني سنوات على أحمد علي ذكر، ابن بلدة عربصاليم (مواليد 1986)، بتهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي خلال العدوان على لبنان في أيلول 2024.

قضية ذكر التي بدأت من فندق يقع على طريق الصرفند، انتهت بكشف نموذج من العملاء الرقميين الجدد: أولئك الذين لا يعبُرون الحدود، بل يرسلون الإحداثيات والخرائط من هواتفهم، ويبيعون مواقع الأهداف الحساسة بالصوت والصورة.

تم توقيف ذكر بتاريخ 4 تشرين الثاني 2024، لحيازته مواد مخدّرة داخل أحد فنادق منطقة الصرفند. لكن التحقيق سرعان ما قاد إلى خيوط أخطر بكثير من تعاطي المخدرات أو الترويج لها. فقد تبيّن أن ذكر كان، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، يتعاون مع مشغّلين إسرائيليين عبر الإنترنت، ويرسل لهم خرائط، وصوراً، وإحداثيات لمراكز ومنازل تابعة لـ"حزب الله" و"حركة أمل"، بعضها تعرّض فعلاً للقصف في سياق العدوان. تعامل مع العدو لأقل من شهر.

من "فايسبوك" إلى "الموساد"

بدأت علاقة ذكر بالعدو عبر مواقع التواصل الاجتماعي. انضمّ إلى مجموعتين إسرائيليتين على "فايسبوك" باسمّي "أصدقاء ومحبي إسرائيل" و"إسرائيل الآن"، في محاولة لربط نفسه مباشرة بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وعرض خدماته لتزويدهم بمعلومات عن "حزب الله". ومن هناك، انتقل إلى خطوة أكثر جدية، إذ تواصل مع صفحة "وحدة الاستخبارات البشرية" عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، ودوّن فيها اسمه الكامل، عنوان سكنه في بلدة عربصاليم، وأعلن صراحةً استعداده للتعاون وتزويدهم بمعلومات "مهمة" عن الحزب.

الرد الإسرائيلي لم يتأخر. تواصل معه شخص يُدعى "جون" عبر تطبيق "ماسنجر"، ثم أحاله إلى مشغله المباشر "مارك" على تطبيق "واتساب". تلقى التعليمات خطوة بخطوة، من تعلّم استخدام "خرائط غوغل" لاستخراج الإحداثيات، إلى طريقة تصوير المواقع، وإرسالها مشفّرة. لم يتردّد، باشر فورًا بجمع المعلومات وتنفيذ المهام.

بنك أهداف في عربصاليم

أرسل المتهم إلى الإسرائيليين مواقع ثلاثة مراكز عسكرية قرب نهر حبوش، بالإضافة إلى إحداثيات منازل عناصر ومسؤولين في "حزب الله" و"حركة أمل"، منها منزل كل من الحاج خليل حسن، وسام سعادة، محمد حسن حنجول، ومسؤول حركة أمل علي شمس الدين. كل هذه الأهداف تقع في عربصاليم، البلدة التي يسكنها ذكر ويعرف تفاصيلها الجغرافية والأمنية بدقة.

في التحقيق، اعترف ذكر صراحة بأنه أراد "الاستفادة من العدوان" للحصول على المال، مستغلًا معرفته الواسعة بعناصر الحزب ومراكزه في البلدة. لكن المفارقة أنه لم يتقاضَ أي مبلغ مقابل هذه المعلومات.

الدفاع: لم يُقتل أحد

في جلسة المرافعة، دافعت المحامية فاديا شديد عن موكلها معتبرة أن "ما فعله لم يُسفر عن استشهاد أي عنصر أو مسؤول، ولم يؤدِّ إلى نتائج ميدانية". وذهبت أبعد من ذلك بالقول إن مشغّله الإسرائيلي لم يكن راضياً عن مستوى المعلومات التي زوّده بها، ما يُضعف من توصيف الجريمة ويُحيلها إلى "محاولة تعامل" أكثر مما هو"تجسس ناجز".

كما لفتت شديد إلى أن ذكر كان تحت تأثير المخدرات أثناء تنفيذ ما نُسب إليه، ما يُضعف عنصر الإدراك والنية الإجرائية اللازمة لإثبات التهمة الكاملة بالتعامل.

تعليقات: