ما يقوم به الرئيس عون هو نوع من المقاومة السياسية والدبلوماسية (Getty)
في الذكرى الخامسة والعشرين ليوم المقاومة والتحرير وكسر صورة جيش الإرهاب الإسرائيلي الذي كان يصوّرأسطورة لا تقهر لا بد من توجيه ثلاث تحيات خاصة:
1- التحية الأولى هي لأبناء الجنوب الذين شاركوا في الدفاع عن فلسطين مع غيرهم من لبنانيين وطنيين، وقاتلوا على أرضها التي احتلت وأقيمت عليها لاحقاً دولة الاغتصاب والإرهاب اسرائيل. منذ ذلك الوقت وروح المقاومة في الجنوب حيّة نابضة حاضرة متجذّرة في عقول وقلوب أهل تلك المنطقة العزيزة الغالية الكريمة. أساس المقاومة: قناعة. إيمان. تمسك بالأرض والحق. إرادة صلبة. والوسائل: الحجر. اللحم الحي. شتلة التبغ. المظاهرات لدعم زارعيها. القلم. الشعر. الأدب. الرواية. التربية. الرشاش. الأسلحة الخفيفة. الأحزاب الوطنية، على رأسها المعلم الشهيد كمال جنبلاط، الذي زار الجنوب مراراً وتكراراً وطالب الحكومات المتعاقبة بتأمين مقومات الصمود لأهله من مستوصفات ومدارس وملاجئ. ثم المقاومة الوطنية وصولاً إلى المقاومة الإسلامية. آلاف من الشهداء والجرحى والمعوقين والأسرى والمعتقلين في السجون الاسرائيلية. هكذا وعلى مدى عقود من الزمن والتضحيات تحقق الانتصار وكان التحرير. وكان العيد.
وفي معزل عن تقييم ما جرى لاحقاً من استخدام سلاح في الداخل، وما جرى في الحرب الأخيرة ونتائجها، فلا شيء يلغي حقيقة أهمية المقاومة ودورها الأساس في التحرير. في عيدها، لشهداء المقاومة بكل أطيافها وأبطالها وجرحاها، وللأهل الذين احتضنوهم وصبروا وصمدوا وتعذبوا، ولا يزالون صامدين صابرين معذبين، التحية الصادقة.
2- التحية الثانية هي للجيش اللبناني على ما قام به في السنوات الماضية -بعد الطائف- وخصوصاً في الأشهر الخمسة الأخيرة. التحية لقيادتها الحالية الممثلة بالعماد رودولف هيكل، الذي أثبت صدقية الالتزام بوطنية وموقف عقلاني حكيم وشجاعة ميدانية وأدبية وثبات، في وجه كل الضغوط التي تمارس والدعوات التي تصدر من هنا وهناك لنزع السلاح فوراً في كل لبنان، تحت عنوان حصرية السلاح في يد الدولة. وهذا ما يجب أن يكون بعد اتفاق وقف النار الذي لم تلتزم به إسرائيل يوماً، بل تشن عدواناً أخطر وأكبر من الذي فعلته خلال فترة الحرب على لبنان. وتتجاوز بعض الدعوات حقيقة ما حققه الجيش حتى الآن، رغم أن الخارج كل الخارج، بما فيه الذي يمارس ضغوطاً علينا، يعترف بذلك. أمر اليوم الذي أصدره العماد هيكل بمضمونه وتوجهه ووقائعه وأبعاده تعبّر عن التزام بالقرار السياسي، بالجيش الذي يتصدى للمهمات بقوة، ولكن باللحم الحي أيضاً، نظراً لوضعه الدقيق وحاجاته التي لم يتجاوب معها أحد حتى الآن سوى قطر مشكورة، بتأمين دعم مالي لتأمين استمرارية عمل العسكر على مستوى المساهمات الشهرية، كما تأمين المحروقات لتحركهم. كل الآخرين الذين تحدثوا عن إرسال الجيش إلى الجنوب والتطويع الذي يحتاج مالاً وعتاداً لم يقدموا شيئاً حتى الآن.
قائد الجيش في لقاءاته مع الوفود ومداولاته وفي تصريحاته لغة واحدة عن احتلال العدو الإسرائيلي لأرضنا، وعدوانه المستمر ضد المدنيين ومنع عودتهم إلى ديارهم. هذا الموقف يستحق التقدير. له التحية ومن خلاله التحية إلى شهداء الجيش وجرحاه وكل العسكريين المرابطين على الحدود الذين يقومون بعمل جبار.
3- التحية الثالثة الكبيرة هي لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون الذي يقوم بدور كبير أرساه عندما كان قائداً للجيش. أصبح أكثر مسؤولية عندما انتخب رئيساً للجمهورية. موقفه حكيم. عاقل. وطني. سليم. يحاول أن يستفيد من كل التجارب التي مررنا بها، وأن يحفظ الوفاق الداخلي بالممارسة ويحتضن كل مكونات البلاد. الرئيس عون يكرر في كل المنتديات والزيارات الخارجية والتصريحات والمواقف على المنابر الداخلية وفي كل المناسبات: الأمور تحل بالحوار. بالتفاهم على قاعدة الالتزام بطبيعة الحال بحصرية السلاح في يد الدولة. يواجه انتقادات كثيرة في السر والعلن. ولكنه يتمسك بهذا النهج. واع مخاطر المرحلة. ومدرك أهمية تثبيت الوحدة الوطنية، خصوصاً وأن إسرائيل لا تحترم اتفاقاً أو التزاماً أو وعداً، وثمة من يغطي تحركاتها وأساليبها وآلة القتل التي تستخدمها ولا تهدأ.
ما يقوم به الرئيس عون هو نوع من المقاومة السياسية والدبلوماسية من موقعه الأول في البلاد، من دون أي مساس بالثوابت، لكن، بعيداً عن الشعبوية والاندفاعات غير المحسوبة لإرضاء هذه الجهة أو تلك، مع كل الحرص على علاقات لبنان الخارجية بالدول الشقيقة والصديقة، والعمل على إعادة تفعيل عمل مؤسسات الدولة.
في عيد المقاومة والتحرير وأمام هذا السجل، يسجّّل للرئيس عون إقدامه بحكمة وثبات في الاتجاه الصحيح، وله التحية أيضاً، على أمل أن يتفاعل الجميع مع هذا النهج لتحقيق الأهداف المحددة وصون وحدتنا الوطنية.
تعليقات: