انكشاف عقم الشيوعي: شتاء وصيف الأحمر بانتخابات الجنوب

كان قرار الشيوعي في الجنوب أشبه بالقول للشيوعيين دبروا أنفسكم بأنفسكم (علي علّوش)
كان قرار الشيوعي في الجنوب أشبه بالقول للشيوعيين دبروا أنفسكم بأنفسكم (علي علّوش)


خاض الحزب الشيوعي اللبناني الانتخابات البلدية في الجنوب بلا قرار واضح، تاركاً للمنظمات الحزبية الخيار في تفسير القرار الرسمي على هواها. فقرار مشاركة "الشيوعي" في الانتخابات كان ضبابياً. من ناحية دعا إلى التوافق على قاعدة عدم المحاصصة واختيار الكفاءات لخدمة البلدية ووفق برنامج انتخابي واضح. ومن ناحية ثانية كان الميل نحو التوافق بأي ثمن غالباً على الميل لخوض المعركة الانتخابية. وعليه طغى معطى التوافق على مبدأ ضرورة وضع شروط للتوافق. فرغم أن قرار الحزب كان خوض المعركة من خلال دعم لوائح أصدقاء الشيوعيين والمستقلين في حال وجدت، لم تلتزم المنظمات به. وكان من الطبيعي أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه في تشتت المنظمات الحزبية وخوض بعضها المعركة ضد المستقلين واليساريين وأصدقاء الحزب. وعليه كان المشهد العام للشيوعي جنوباً، أشبه بحزب تتنازعه الأهواء والمواقف الارتجالية وغارق في خصومات ضيقة الأفق.

مخالفة القرار الرسمي

في منطقة النبطية، باستثناء بلدة أنصار، بدا الحزب الرسمي أكثر تماسكاً في خوض المعركة الانتخابية مع ميل لعدم التوافق على قاعدة المحاصصة. بينما في القرى الحدودية ووصولاً إلى قرى العرقوب، كان الميل نحو التوافق طاغياً على أي اعتبار. فقد اعترت مشاركته في بلدة حولا عيباً أساسياً تمثل بالذهاب نحو المحاصصة وبلائحة تضم وجوهاً يشار إليها بتهم الفساد والسيطرة على المشاعات في البلدة. ما يخالف القرار الرسمي. فقد قبل "الشيوعي" بمنصب نائب رئيس في مجلس بلدي السيطرة فيه حزبية للثنائي الشيعي. والمشاكل بين الطرفين اعاقت وستعيق العمل البلدي أكثر من قبل، ولاسيما بعد حملات التشطيب بين الطرفين، التي طالت رمزين أساسيين لهما على اللائحة.

انكشاف الشيوعي بحولا

لبلدة حولا رمزية أساسية لـ"الشيوعي"، كونها تشبه بلدة كفرمان، اللتان كانتا توصفان بقلعة الشيوعيين، أو "عندما تمطر في موسكو يحمل أبناء حولا وكفرمان الشماسي"، كما كان يقال. لكن الشيوعي خاض الانتخابات على لائحة الثنائي الشيعي بوجه لائحة المستقلين (غالبيتهم آتين من البيئة الشيوعية نفسها). وانكشف مدى تراجع الشيوعي في البلدة أكثر بكثير من انكشاف حجمه أمام "المد الأصفر" بعد العام 2000.

كان عدد الشيوعيين إلى جانب المستقلين واليسار يزيد عن 800 صوت في البلدة. الانتخابات الحالية كشفت أن الشيوعيين الذين التزموا بالتصويت "للائحة التوافق مع الثنائي" كاملة لا يزيد عن مئتي صوت، يضاف إليهم نحو 150 شيوعياً لم يلتزموا بـ "التكليف الشرعي"، وأقدموا على تشطيب بعض الأسماء على اللائحة. أما حجم المستقلين فناهز الـ500 صوت. وهذا أظهر ضعف القدرة التجييرية للشيوعي قياساً بالمستقلين. ليس هذا فحسب، بل كشفت الانتخابات أن المستقلين يتفوقون عدداً على حركة أمل، التي كانت تتفاوض مع الشيوعي وتحدد له حجمه التمثيلي في المجلس البلدي. هذا فيما حزب الله، صاحب أكبر كتلة ناخبة تزيد عن 1400 صوت، حصته في المجلس البلدي أقل من "أمل".

ضياع في أنصار

كان القرار الرسمي لـ"الشيوعي" في الجنوب أشبه بالقول للشيوعيين دبروا أنفسكم بأنفسكم. لكن بخلاف وقوف "الشيوعي" إلى جانب منظمة حزبه في محاصصة المجلس البلدي في حولا، ذهب نحو خيار ملتبس في أنصار. ففي هذه البلدة توافقت المنظمة الحزبية مع الثنائي على الدخول إلى المجلس البلدي بعضوين. فذهب حزبيون نحو خيار تشكيل لائحة شبابية لفرض الانتخابات. وتدخل المكتب السياسي لـ"الشيوعي" في اللحظات الأخيرة، وأوقف قرار المنظمة الحزبية بطرد عضوين من المنظمة. وعاد واتخاذ قراراً بدعوة الشيوعيين لدعم لائحة المستقلين فيما الأعضاء الحزبيين في منظمة أنصار كانوا على لائحة التوافق.

خسارة كبيرة في كفرحمام

ودائما في القرى الحدودية، اختار "الشيوعي" الانسحاب من المعركة في عيترون، حيث ترشح نحو أربعة مستقلين، صوت لهم شيوعي من هنا أو هناك بقرار فردي. أما في بلدة كفرحمام (قرى العرقوب) فقد خاض الحزب الشيوعي الرسمي المعركة ضمن لائحة في مواجهة شيوعيين (منهم يحملون بطاقات عضوية) ومستقلين وعائلات، فتلقى خسارة فادحة. وفازت لائحة العائلات بكل المقاعد والمخاتير.

أما في منطقة النبطية والزهراني فقد كان قرار "الشيوعي" (باستثناء قيادات رافضة خوض الانتخابات كانت غير مؤثرة) ميالاً نحو خوض الانتخابات ورفض التوافق والمحاصصة. وقد نالت منظماته نتائج جيدة مثل خرق لائحة الثنائي بمقعد في عدلون، وخرق لائحة حركة أمل في دير الزهراني بطبيبين شيوعيين وأفراد مستقلين، ساهم في هذه النتيجة الخلافات بين أمل وحزب الله على الحصص، ففضل الأخير الانسحاب من المعركة.

وفي بلدة الزرارية خاض الشيوعي المعركة بمواجهة الثنائي الشيعي. أديرت المعركة بنفس عائلي، كان عمادها متمولان من إفريقيا يريدان تقديم مشاريع للبلدة، لكن يريدان ضمان عدم هدر أموالهما. وكانت النتيجة فوز اللائحة بتسعة مقاعد من أصل 15، بينهم مرشح شيوعي وستة أشخاص مستقلين مقربين من الشيوعي واليسار.

ملابسات معركة كفرمان

في بلدة كفرمان خاض "الشيوعي" المعركة إلى جانب المستقلين واليساريين. كانت نتيجة المجلس البلدي محسومة لصالح الثنائي الشيعي. لكنها كشفت تراجع "الشيوعي" واليسار عن الانتخابات السابقة.

في معركة المخاتير فازت اللائحة بمختارين من أصل خمسة في البلدة، أحدهم مستقل والآخر منظم في الحزب شيوعي. ويعود السبب إلى دعمهما من غريم حركة أمل رئيس البلدية السابق كمال غبريس. فقد كشفت النتائج أن غبريس، الخارج من "أمل"، لديه قدرة تجييرية تزيد عن 900 صوت وحده. فهو رغم تحالف الثنائي وأحد إخوته وأحد وجهاء آل الزين (الطامح لمقعد نيابي مع "أمل") ضده نال ما يزيد عن 1500 صوت، وكان معدل لائحته نحو 900 صوت.

بيد أن أهمية معركة كفرمان أنها كشفت مدى تراجع حركة أمل في البلدة. فلائحة "الثنائي" ما كانت لتفوز لولا تدخّل حزب الله في الساعات الأخيرة للانتخابات بتدفق نحو 850 صوتاً على صناديق الاقتراع، لاسيما في أقلام النساء.

ظهر حجم "أمل" في البلدة في معركة المخاتير، لأن حزب الله لم يعطِ أصواتاً إلا لمرشحيه. وأتى ذلك ضمن خطة مدروسة بغية كشف ظهر "أمل" وإعادتها إلى حجمها الطبيعي المتمثل بنحو 600 صوت. فهي رغم هذا الحجم الهزيل في تجيير الأصوات لها حصة الأسد من المجلس البلدي، وتقصد حزب الله كشف ظهرها. لكن كانت إحدى تبعات معركة حزب الله "الماكرة" في البلدة التجييش ضد مختار مستقل والده شهيد. وخاض مناصرو "الحزب" معركة شخصية ضده، وقد أزعج ذلك كل أهالي البلدة وأدانوا حزب الله على هذا السلوك.

تعليقات: