خدمات خليوية للسيّاح العرب: متى يحين دور اللبنانيين؟

يضطر السائح لاستبدال شريحة الهاتف الخليوي بأخرى محلية، عند زيارته بلداً جديداً (Getty)
يضطر السائح لاستبدال شريحة الهاتف الخليوي بأخرى محلية، عند زيارته بلداً جديداً (Getty)


يشكّل قطاع الخليوي أحد القطاعات الأساسية التي ترفد خزينة الدولة بإيرادات كبيرة. لكنّه أيضاً، يقدّم مثالاً صارخاً على البنية الاحتكارية التي ترعاها الدولة وتصرّ من خلاله على عدم فتح السوق أمام المنافسة التي يفترض أن تنعكس إيجاباً على مصلحة المستهلكين، لناحية تأمين أفضل خدمة بأرخص الأسعار، عوضَ الخدمة الحالية ذات الجودة المنخفضة والسعر المرتفع.

ومع أنّ شركتيّ الخليوي تاتش وألفا تقدّمان عروضهما لجذب المشتركين ومحاولة رسم صورة تنافسية في هذا القطاع، إلاّ أنّ الواقع يبقى كما هو. مستهلك يدفع فاتورة اتصالات مرتفعة مقابل الخدمات التي يحصل عليها. ومع ذلك، تعمل شركة تاتش على توسيع عروضها لتطال السيّاح الخليجيين، علّ ذلك يساهم في جذبهم نحو لبنان. فهل تنجح هذه الخطوة، وماذا عن الخدمات الموجَّهة للمشتركين اللبنانيين؟.

اتفاقية تجوال جديدة

في إطار "المساهمة في إعادة قطاع الاتصالات والبيانات الخليوية اللبناني للعب دوره الحيوي على صعيد المنطقة والخليج العربي، بما من شأنه المساهمة أيضاً في استقطاب مواطني الدول العربية ودول الخليج لاستخدام خدمة التجوال على شبكة "تاتش" طوال فترة زيارتهم للبلد"، أعلنت الشركة توقيعها اتفاقية تجوال جديدة مع شركة "زين عُمانتل الدولية ZOI"، تستهدف مشتركي شبكتيّ زين وعمانتل، القادمين من دول وجود الشركتين، وهي الكويت، المملكة العربية السعودية، الأردن، العراق، البحرين، السودان، جنوب السودان، وسلطنة عمان.

وبحسب بيان تاتش "سيتمكن مشتركو شبكتي زين وعمانتل، من الاستفادة من خدمة التجوال على شبكة تاتش خلال زيارتهم للبلد (لبنان)، واستخدامها بأسعار مشجّعة". وأوضحت تاتش أنّها "حرصت على تعزيز جودة تغطية شبكتها في كل المناطق اللبنانية". وتأتي هذه الاتفاقية وفق البيان، استكمالاً لاتفاقيات مماثلة وقّعتها تاتش مع "دول منطقة الخليج والدول العربية، بالإضافة الى أوروبا وأميركا. وتعمل حالياً على تحسين هذه الخدمة من كل جوانبها التقنية والمالية لتشجيع الزوار على استخدامها".

المساعدة في جذب السيّاح

هذه الخدمة ليست غريبة عن قطاع الاتصالات في لبنان، فبحسب مصادر تقنية في وزارة الاتصالات، فإنّ ما تقدّمة تاتش اليوم "هو خدمة "رومينغ" Roaming التي تسمح للمشتركين بالاتصال بالشبكة الخليوية اللبنانية، وكأنّ المشترك يُجري أو يستقبل اتصالاً محلياً". وتذكّر المصادر في حديث لـ"المدن"، بأنّ خدمة أكبر كانت موجودة بين لبنان وسوريا "هي عبارة عن إجراء اتصال برمز 02 و06 والذي كان يتيح إجراء اتصالات بين لبنان وسوريا وكأنها اتصالات محلية، عوض طلب مفتاح البلدين (00961 و00963) وتسجيل المكالمة على أنها اتصال دولي". وبموجب الاتفاقية التي وقّعتها تاتش "سيتمكّن السائح الخليجي من إجراء المكالمة داخل لبنان، وكأنّه يجريها في بلده الأم، وهذا الأمر يساعد بجزء معيّن على جذب السياح، لأنّ خدمة الاتصالات والانترنت مهمة جداً للسياح في أي بلد، وعادة ما تتضمّن عملية الحصول على شريحة خليوية جديدة من شركة محلية، بعض المتاعب، وأحياناً يضطر السائح لشراء هاتف جديد، وتغيير إعدادات هاتفه لتتلاءم مع الشبكة الجديدة".

وتلفت المصادر النظر إلى أنّ "هذه الخدمة يجب أن تستند إلى جودة اتصالات وإنترنت. فالسيّاح يريدون هذه الخدمة بجودة ممتازة. وإذا كانت الخدمة رديئة، فإنّها ستؤثّر على صورة السياحة في لبنان، خصوصاً وأنّ السائح يدفع بدلاً مرتفعاً لقاء هذه الخدمة، بحسب ما يتم الاتفاق عليه بين طرفيّ العقد".

مصلحة المستهلك اللبناني

إذا كانت هذه الخدمة بنظر رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برّو "تساعد السائح على تفادي استغلال بعض التجّار أثناء شراء شريحة خليوية جديدة. فقد يلجأ البعض إلى رفع سعر الشريحة لأضعاف سعرها الحقيقي، بمجرَّد ان يعرف التاجر أنّ السائح خليجي"، إلاّ أنّها تعيد توجيه الأنظار نحو ضرورة تأمين مصلحة المستهلك اللبناني في هذا القطاع، على غرار محاولة تأمين مصلحة السيّاح، وهي أمر مطلوب أيضاً.

ويقول برّو لـ"المدن"، إنّ الخدمة التي تطلقها تاتش راهناً "هي تجربة موجودة في دول العالم، لكن تختلف كلفة هذه الخدمة بحسب الاتفاقيات. ففي أوروبا، يمكن شراء خطّ فرنسي واستعماله في كل دول الاتحاد الأوروبي، من دون دون دفع أكلاف إضافية، وكأنّ المستهلك لا يزال في فرنسا".

ما يثير الاستغراب في خدمات كهذه، هي أنّ الشركات تسارع لتلبية احتياجات السيّاح لما يقدّمونه من أرباح إضافية، لكنها تتجاهل مصلحة المستهلكين اللبنانيين. فبحسب برّو "لا يزال المستهلك اللبناني يدفع أكلافاً مرتفعة في قطاع الاتصالات، وهذه الأكلاف تعتبر من الأعلى على مستوى العالم. فمثلاً، يدفع المستهلك في فرنسا 2 يورو شهرياً، ليحصل على خدمات اتصالات وإنترنت بأضعاف ما يحصل عليه المستهلك اللبناني في لبنان، وبجودة أفضل".

وإذا كانت الخدمة التي تقدّمها تاتش تشجّع السيّاح، إلا أنّها "لا بد وأن تخضع للضريبة. وبالتالي على الدولة الانتباه إلى عائدات هذه الخدمة، وضمان عدم التهرّب الضريبي، كي لا تستفيد الشركات على حساب الدولة".

تقدّم تاتش خدمة للسيّاح الخليجيين، لكن متى تقدّم، إلى جانب شركة ألفا، خدمات أفضل للمستهلك اللبناني الذي يضطر إلى شراء خطّه الخليوي، كل شهر، بشكل دوري، عبر بدعة "تشريج الأيّام"، وإلاّ يخسر المستهلك خطّه ويضطر لشراء خط جديد، أي تكاليف جديدة، ناهيك بالأسعار المرتفعة. ولا تقف العقبة هنا، إذ تصرّ الدولة اللبنانية على إبقاء القطاع ضمن حالة الاحتكار، عوضَ فتحه أمام المنافسة الحقيقية. فقطاع الخليوي المملوك من الدولة والمُشَغَّل من القطاع الخاص، محصور بترخيصين فقط، أي لا يمكن إدخال شركة ثالثة أو أكثر، ممّا يفتح سوق الاتصالات أمام المنافسة وانخفاض الأسعار واتساع مروحة العروض للمشتركين. على أنّ الدولة تراهن على إحداث تغييرات في القطاع، بدءاً من إنشاء شركة ليبان تيليكوم Liban Telecom وتعيين الهيئة الناظمة للاتصالات، المنشأة بموجب القانون 431/2002، والمناط بها مهام تنظيم قطاع الاتصالات ومنح التراخيص ومراقبة الأداء وحماية المنافسة ومنع الاحتكار. وإلى حين تطبيق تلك الإصلاحات والالتفات لمصلحة المستهلك اللبناني، يبقى الأخير مجبراً على التعايش مع واقعه الحالي، بما يحمله من خدمات بأكلاف مرتفعة وخدمات رديئة.

تعليقات: