يتابع تلامذة بنت جبيل دروسهم في الممرات وبين «الكراكيب» ومعدات التنظيف، بانتظار إيجاد حل لمدرستهم التي تتوزع بين ابتدائية ومهنية
تحرّك ليلى داغر ريشة ألوانها بخجل، وتطرق رأسها نحو الطاولة. تحاول أن تلوذ من أعين زوار مدرستها، المدرسة المهنية في ميس الجبل. لا مفر للزائر إلاّ أن يعبر بصف ليلى، السنة الأولى «BP رعاية طفل»، «المشلوح» وسط الممر بين القاعات، «أما السبب فهو أنّه لم يبقَ لنا غرفة تدريس، لذا وُضعت طاولات في الممر، وقيل لنا هذا صفكم»، تقول ليلى بتذمر.
لا يختلف حال ليلى عن الطالبات في السنة الثانية اللواتي يتابعن صفوفهن في الممر الشرقي للطبقة الثانية من مبنى المدرسة الموزعة بين ابتدائية ومهنية. والأسوأ، كما تشرح ليلى، أنّ رفيقاتها يدرسن بين «كراكيب» المدرسة ومعدات التنظيف. وتعلّق: «عندما أتيت إلى هنا، ظننت أنني سأتعلم كما كنت في السابق، في صف يضم لوحاً وطاولات». لكن «فوجئتُ عندما قيل لنا، أمركنّ إلى الله، هذا صفكم في الممرات، ريثما نجد لكنّ حلاً للمشكلة، وحالي حال زميلاتي ليس أمامنا خيارات أو بدائل».
استسلمت ليلى ورفيقاتها إلى واقعهن المزري، بعدما وجدن أنفسهن أمام مصير واحد وأساتذتهن الذين جعلوا غرفة المعلمين في الممرات أيضاً، بعدما حوّلت الإدارة الغرفة السابقة إلى صف للتدريس.
لا يجد المعلمون «أزمة» في استراحتهم وانتشارهم في ممرات المدرسة، حتى أيام البرد والمطر، التي قد يفرّون منها إلى غرفة الإدارة الوحيدة، لكن المهم أن يتعلم التلامذة. يدرك هؤلاء أنّ المشكلة لا تحل بصف واثنين، فالمدرسة تحتاج إلى خمس قاعات إضافية على الأقل. هنا يسأل نائب رئيس بلدية ميس الجبل عبد المنعم شقير: «أليس معيباً أن يتعلم أولادنا تحت سقف من الأترنيت، لا يحجب عنهم رذاذ المطر أو الهواء أو الصقيع في فصل المطر، وطاولاتهم على أرض من إسمنت قد تغمرها المياه؟».
تحايلت إدارة المدرسة على التلامذة والوقت، وقسّمت بينهم الساعات وحصص التدريس حتى لا يتجمعوا دفعة واحدة في الملعب، أو في الصفوف التي لا تتسع لهم أصلاً. تعوّل الإدارة على تقسيم «ملجأ» المدرسة إلى غرف على نفقة أحد أبناء البلدة، بيد أنّ هذه الغرف تبقى من دون منافذ طبيعية، أي إنّ الشمس لا تدخلها إطلاقاً. ويتحدث المشرف على أعمال البناء في الملجأ عن تدفئة وتكييف قد يعوضان الرطوبة وعدم دخول الهواء المباشر.
تحل المدرسة المهنية في ميس الجبل ضيفة على المدرسة الابتدائية الرسمية التي اكتفت بالطبقة الأولى، منذ ست سنوات «إذ لا خيار أمامنا ببناء مبنى جديد للمدرسة المهنية التي تستوعب نحو 150 طالباً في اختصاصات المحاسبة والمعلومات، والعناية التمريضية، والكهرباء العامة والبيع والعلاقات BT، فضلاً عن محاسب مساعد وكهربائي أبنية ورعاية طفل BP»، يقول شقير. ويوضح «أننا نطالب منذ ثماني سنوات ونصف سنة بتأهيل المبنى، ولم نترك جهة في وزارات الدولة إلاّ وخاطبناها ورجوناها أن تتحرك درءاً للخطر، بعد تفسخ الجدران وظهور شقوق مختلفة في الغرف والممرات، فالمبنى شيد عام 1972 وعاصر الحروب والاعتداءات التي مرت على المنطقة، ولم تتحرك، فكيف بالأمر إذا طالبنا بمبنى جديد؟».
ويرى شقير أنّ «وزارة التربية والتعليم العالي والهيئة العليا للإغاثة لم تتحركا لولا إقفال البلدية، مرغمة، المبنى منذ نحو شهر وأسبوع بعد الخطر المحدق من الجدار الخارجي المهدد بالسقوط في أي وقت». ويتساءل: «ما هذا التحرك الذي يبدأ فيه المتعهد بإزالة السياج الإسمنتي القديم من أجل استبداله بآخر جديد، بعد شهر على وقوع مشكلة تتسبب بخطر شديد على الطلاب والتلامذة الصغار في المدرسة الابتدائية؟».
هكذا يتهامس معلمو المدرسة المهنية وإدارتها بمجموعة من المشاكل والهموم، وخصوصاً أن الصفوف والغرف وقاعة الإدارة كلها في الطبقة العلوية من المبنى، المغلقة ممراتها بنوافذ زجاجية، تماماً مثل معظم السقف «فهي لا تمنع البرد والهواء شتاءً، ولا تردع الحرارة بعد الربيع، في وقت لا تتوافر في كل المبنى، أجهزة التبريد أو التدفئة». ومن خارج المبنى، يظهر بوضوح التفسخ بين وصلات الجدران والأعمدة والسقوف. ويدل أحد الطلاب إلى كتلة إسمنتية انفصلت عن جدار إحدى الغرف العلوية، ويردد «تبلغ زنة هذه الكتلة أكثر من عشرة كيلوغرامات، قدّر لو سقطت على رأس أحدنا فماذا تفعل به؟».
تعليقات: