أرض بنت جبيل تظلّ «غالية» على أبنائها

سوق الدوحة في بنت جبيل - (عن موقع بنت جبيل)
سوق الدوحة في بنت جبيل - (عن موقع بنت جبيل)


بنت جبيل ــ

تتحوّل بنت جبيل إلى مدينة كبيرة تنتشر فيها المباني السكنية الضخمة والعمودية، وترتفع فيها أسعار العقارات ارتفاعاً مخيفاً، بينما تنشط فيها حركة بناء كثيفة رغم الغلاء الفاحش لأسعار الأراضي ومواد البناء.

فقد وصل سعر الشقة السكنية المتوسطة الحجم والمواصفات في المدينة إلى 60 ألف دولار أميركي، ليتخطى بمراحل متوسط سعر الشقة السائد في المنطقة، والذي لا يزيد عادة على 30 ألف دولار.

وفيما يشير المهندس المعماري عماد بزي إلى أن «المشكلة تكمن في تصنيف الأراضي من قبل التنظيم المدني، الذي منع البعض من البناء العمودي في بعض الأماكن، ما أدى إلى ازدياد الطلب على الأراضي السكنية، وبالتالي ارتفاع أسعارها»، إلا أن أساس المشكلة يعود إلى أبعد من ذلك.

فقد كان التحرير، الذي أعاد المدينة إلى أبنائها عام 2000، هو السبب الأساسي في الطفرة الهائلة في أسعار العقارات. إذ تهافت بعده أهالي بنت جبيل، من نازحين ومهاجرين، على بناء منازل جديدة لهم في مدينتهم المستعادة. وما إن تدافع الأهالي الذين يتجاوز عددهم 47 ألف نسمة، بين مقيمين ومغتربين على شراء الأراضي، حتى قفز سعر الدونم الواحد من الأرض في مدخل المدينة إلى 150 ألف دولار أميركي. نتيجة لذلك، بدأت المشاريع السكنية بالظهور، وعمد الأهالي إلى الارتفاع بمبانيهم عمودياً، لاستغلال العقار الغالي الثمن على أكمل وجه.

دفع ذلك بالمجلس البلدي إلى منع البناء الذي يفوق الطبقات الثلاث داخل الوسط القديم الذي تبلغ المساحة الإجمالية لعقاراته 57 ألف متر مربع. فقد كان ذلك الوسط يحوي قبل حرب تموز 750 عقاراً، و1300 وحدة سكنية. أما بعد تهدّمه، فقد أعيد حتى الآن بناء ما يقارب 560 عقاراً، من بينها 900 وحدة سكنية، رقم من المنتظر أن يتزايد في ظل استمرار ورشة الإعمار.

ويشرح المهندس المشرف على إعادة إعمار وسط بنت جبيل هيثم بزي ذلك، قائلاً «إن أي تعديل في المساحات المهدمة كان من شأنه ضياع الكثير من العقارات، وبالتالي المنازل السكنية، كونها متلاصقة، ما جعل الأهالي يلجأون إلى البناء العمودي».

أما خارج الوسط القديم، فالأراضي الصالحة للبناء قليلة ومملوكة لعدد قليل من العائلات، ما اضطرّ الأهالي إلى التوسع وشراء الأراضي من القرى المجاورة، حتى أصبحت بنت جبيل متداخلة عمرانياً مع بلدات: عيناتا، مارون الراس، عيترون، يارون وعين إبل.

توسع وطلب أدّيا إلى ارتفاع أسعار هذه الأراضي ارتفاعاً جنونيّاً كما يؤكد المقاول يوسف العشي، قائلاً «اشترى البعض الأراضي في بلدة عين إبل المجاورة بعد التحرير مباشرة بأسعار متدنية، ولكن الأسعار اليوم أصبحت مرتفعة كثيراً».

هذا الواقع جعل المهندس المشرف على إعادة إعمار الجنوب نصر شرف الدين يتوصل من خلال دراسة أجراها عن أفق التنمية في بنت جبيل، إلى خلاصة مفادها أن التنمية في المجالات الزراعية والصناعية وغيرها أصبحت مستحيلة في بنت جبيل من دون الاعتماد على مساحات القرى المجاورة لها.

الأخضر ينسحب أمام الاسمنت

تقلّصت، نتيجة لتلك الطفرة الجنونية في الأسعار، المساحات الخضراء التي كانت تحيط بمنازل بنت جبيل، باستثناء تلك المحيطة بالفيلات الفخمة، وهي فيلات فارغة بمعظمها، يسكنها أصحابها خلال فصل الصيف فقط. ظاهرة نتجت من اعتماد الأهالي سلوكاً دخيلاً على تقاليد العمارة الريفية، يشبّهه المهندس المشرف على إعادة إعمار وسط بنت جبيل هيثم بزي بسلوك الإعمار المديني:

«فقد دفع ضيق المساحات العقارية بأبناء المدينة القديمة إلى استغلال كل متر للبناء فيه، وهذه الثقافة متوافرة في المدن، ولم تكن موجودة هنا، تماماً كما دفع ارتفاع أسعار الأراضي بهم للجوء إلى البناء العمودي بدل المنزل المحاط بالحديقة».

تعليقات: