جانب من القصف الإسرائيلي على أطراف بلدة بنعفول في قضاء صيدا جنوب لبنان مساء الخميس 29 مايو الحالي
يرى مراقبون أن غايات تل أبيب السياسية هي الضغط على الحكومة اللبنانية لقبول مطالبها
ملخص
تواصل إسرائيل ضغطها وضرباتها على لبنان من أجل إنهاء الوجود العسكري لـ"حزب الله" وإزالة كل ما يمكن أن يشكل خطراً عليها في المستقبل، وذلك على رغم وجود اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين.
تؤكد المشاهد اليومية للغارات الإسرائيلية من الطائرات الحربية والأخرى المسيرة وما يسقط بنتيجتها من ضحايا لبنانيين ومقيمين في منطقة جنوب نهر الليطاني، الذي تشمله بنود القرار الأممي رقم 1701 وفي المنطقة الواقعة شماله، أن الحرب الإسرائيلية على لبنان وإن توقفت بحسب الاتفاق المبرم برعاية أميركية، بيد أنها بالشكل والوقائع لم تتوقف على رغم إعلان وقف إطلاق النار في الـ28 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى الجنوبية المحتلة في الـ18 من فبراير (شباط) الماضي، وبقائه في خمس نقاط خارج هذا الانسحاب.
هذه الحرب شبه اليومية والمتقطعة باتت تشكل عامل خوف وقلق ليس للجنوبيين وحسب، بل لكثير من اللبنانيين الذين يقيمون في العاصمة بيروت، وتحديداً في ضاحيتها الجنوبية التي لم تسلم من غارات عدة منذ إعلان وقف إطلاق النار، وفي المناطق البقاعية والشرقية من لبنان التي تتعرض من حين إلى آخر لضربات إسرائيلية تطاول الأودية والأحراج بذريعة أنها تضم مراكز ومخازن سلاح عائدة لـ"حزب الله" ناهيك بالاستهدافات اليومية التي يُصفى على أثرها عابرون على الطرقات أو عائدون إلى قراهم الحدودية المدمرة أو عمال ومزارعون في السهول القريبة من الحدود، أو في مناطق تقع شمال نهر الليطاني، كان آخرها قبل ظهر الخميس، حين استهدفت مسيرة إسرائيلية العامل في بلدية النبطية الفوقا (شمال الليطاني) محمود حسن عطوي بينما كان يحاول تشغيل مفتاح توزيع المياه قرب أحراج "علي الطاهر" فأردته.
محلقة تقتل عامل بلدية
وأصدرت بلدية النبطية الفوقا بياناً جاء فيه أنه "مرة جديدة يمعن العدو الإسرائيلي بشكل صارخ في خرق وقف إطلاق النار والقرار 1701 مستهدفاً بلدتنا وأحياءها، وهذه المرة كان الاستهداف لمنشأة مدنية تابعة للبلدية حيث توجد بئر ارتوازية تغذي أحياء عدة بمياه الشفة، وذلك أثناء وجود الموظف البلدي محمود حسن عطوي خلال دوامه الرسمي عند البئر لتشغيلها وضخ المياه إلى المنازل والأحياء السكنية، مما أدى إلى ارتقائه في سبيل خدمة بلدته وأهلها وتوفير المياه لعائلات البلدة وسكانها". وأضاف البيان، "إننا ومن موقعنا الرسمي نستنكر بأشد العبارات هذا الاعتداء السافر على المدنيين والمنشآت المدنية وعلى مؤسسة رسمية من مؤسسات الدولة اللبنانية ومنعها من أداء واجبها وتأمين الخدمات للناس، ونطالب جميع المعنيين من جهات محلية ودولية متابعة الموضوع ووضع حد لهذه الخروقات المتكررة وغير المقبولة أبداً".
تصعيد بري وجوي
هذا ولم تتوقف الخروق الإسرائيلية نهار الخميس وخلا ليله إذ طاولت مناطق لبنانية عدة، تركز معظمها خارج منطقة جنوب الليطاني، وبخاصة في ساعات المساء والليل، إذ نفذ الطيران الحربي والمسيرات سلسلة غارات طاولت جنوب وشرق مدينة صيدا، حتى حدود إقليم التفاح في قضاء النبطية، وأودية قرب منطقة حاصبيا في وادي التيم وصولاً إلى شمسطار في البقاع الشرقي بمحافظ "بعلبك الهرمل". وكان لافتاً استهداف بلدة بنعفول القريبة من شرق مدينة صيدا وتبعد أكثر من 30 كيلومتراً شمال الليطاني والتي تعرضت لغارات قليلة لم تتجاوز عدد أصابع اليد، إبان حرب الـ66 يوماً العام الماضي فسقط فيها ثلاث ضحايا ودُمرت منازل عدة.
وأكد مختار بنعفول، حسين عبدالنبي أن "الطائرات الحربية نفذت غارتين قرابة الساعة العاشرة والنصف ليلاً على منزل مدمر سابقاً عند أطراف البلدة، فانفجر صاروخ ولم ينفجر الآخر، ثم أغارت مسيرة ثلاث مرات متتالية مطلقةً صواريخها، مما أحدث رعباً بين الأهالي المقيمين في البلدة إذ يعتبرونها خارج الحرب الإسرائيلية الدائرة وبعيدة جداً من الحدود، وهي لم تتعرض منذ أكثر من ستة أشهر، ومنذ وقف إطلاق النار لأية حادثة مشابهة أو أي عدوان، نشكر الله أن الصاروخ الثاني الذي أطلقته إحدى الطائرات من فوق البحر لم ينفجر بعدما سقط قرب المناطق المأهولة". ويشير المختار إلى "التزام الناس بيوتهم وتوقف حركة المواصلات تماماً، بسبب التحليق المكثف للمسيرات على علو مخفوض، استمر ساعات عدة".
وأفادت غرفة عمليات "كشافة الرسالة الإسلامية" عن نجاة طاقم الدفاع المدني التابع لها "من غارة للطيران الحربي بعد توجهه إلى المكان المستهدف في بلدة بنعفول".
قصف وضحايا جنوب الليطاني
أما في جنوب الليطاني فسقط ظهر أمس الخميس العنصر في الدفاع المدني التابع لكشافة الرسالة الإسلامية، خضر فقيه، بنيران رشاشات إسرائيلية بينما كان يتفقد منزله في كفركلا (قضاء مرجعيون) قرب الحدود. وكذلك أصيب مواطن جنوبي جراء استهدافه بقنبلة صوتية من طائرة إسرائيلية في بلدته "بيت ليف" في قضاء بنت جبيل. وطاول قصف إسرائيلي ورمايات رشاشة سهول بلدتي "عين عرب" و"الوزاني" قرب مدينة الخيام في قضاء مرجعيون، مما أثار الرعب في نفوس المزارعين فغادروا المنطقة فوراً، كذلك استهدف قصف مدفعي منطقة الصلحاني عند أطراف بلدة رامية في القطاع الغربي بقضاء صور.
لا يستغرب رئيس "مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة" العميد الركن المتقاعد هشام جابر "هذه الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان، وما فيها من رسائل سياسية وأمنية وعسكرية تتوافق مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن إسرائيل مستمرة باستهداف ’حزب الله‘ وقتل قادته وتدمير قدراته العسكرية. ولا ننسى أنهم يملكون معلومات استخباراتية مرتفعة تتجاوز الـ80 في المئة عن أماكن وجود عناصر وقادة الحزب، وأماكن وجود المخازن التي لا تزال تحوي أسلحة، أما الأهداف السياسية فتتمثل بإبقاء إسرائيل على احتلالها النقاط الخمس قرب الحدود، إذ لا قيمة عسكرية لهذا الاحتلال، بخاصة بعد احتلالها جبل الشيخ وامتلاكها الرادارات والأقمار الاصطناعية وأجهزة التجسس المتطورة والمسيرات التي لا تحتاج إلى هذه التلال الخمس المحتلة".
"سوق عكاظ السلاح"
ويشير العميد جابر إلى أن الغايات السياسية التي يهدف إليها الإسرائيليون "هي الضغط على الحكومة اللبنانية لقبول الإملاءات الإسرائيلية الأميركية، ومورغان أورتاغوس (نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط) قادمة وتحمل تهديدات جديدة للبنان". ويوضح العميد جابر أن "التمادي الإسرائيلي أحادي بسبب عدم وجود ردع دبلوماسي من الجهة اللبنانية التي وعدت بتكثيف الاتصالات الدبلوماسية لردع إسرائيل عما تقوم به وإلزامها بتنفيذ القرار 1701، ولا يوجد ردع عسكري، إذ إن ’حزب الله‘ لم تعد له القدرة العسكرية على الردع. وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا يوقف الإسرائيلي عدوانه وهو يحمل موافقة أميركية على أعماله الحربية شرط عدم التعرض للعاصمة بيروت وللمطار والبنى التحتية؟"، ويضيف العميد جابر أن "الدولة اللبنانية عاجزة عن أي ردع وسط جدل بيزنطي لبناني علني حول سلاح الحزب، ورئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يقول شيئاً، ورئيس الحكومة نواف سلام يقول شيئاً آخر، ووزير الخارجية اللبناني يوسف رجي متحمس أكثر للموقف الأميركي. نحن نعاني وضعاً غير طبيعي. يجب طرح موضوع سلاح ’حزب الله‘ على طاولة الإستراتيجية الدفاعية للبنان، وبمجرد أن تشكل الحكومة لجنة بمرسوم لدرس هذه الإستراتيجية الدفاعية وتعطيها مهلة شهر، بعدها نكون قد رمينا الكرة في الملعب الأميركي والملعب الإسرائيلي. نحن اليوم لا نفعل أكثر من الدوران في حلقة مفرغة وسط خلاف اللبنانيين وتحويل سلاح ’حزب الله‘ إلى سوق عكاظ علنية، فينادي قسم كبير من اللبنانيين بنزع سلاح الحزب من جهة، ويرد الحزب من الجهة المقابلة: لن نسلم السلاح".
اصطياد في الماء العكر
ويؤكد العميد جابر أن "الأمور لا تُحل بهذا الشكل، فـ’حزب الله‘ يحتاج إلى ثقة لبنانية في الأقل بأن يحول سلاحه نحو الإستراتيجية الدفاعية، ونحن قدمنا أكثر من مسودة تتضمن هيكلية هذه الإستراتيجية وبنيتها كان يجب مناقشتها، وعندما يتأكد الحزب بأن هذا السلاح ستتسلمه أيد أمينة وتضعه في مخازن آمنة يمكنه الوصول إليها عندما يحصل عدوان شامل على لبنان فيشارك في الدفاع عن الوطن، عندها يسلم سلاحه، فلا الثقة حاصلة ولا اللجنة شُكلت".
ويأسف العميد جابر لأن "تصريحات مسؤولين وإعلاميين لبنانيين جعلت إسرائيل تصطاد في الماء العكر، إذ يحاول الإسرائيلي أن يستفيد من بعض التحريض على لسان مسؤولين وإعلاميين لبنانيين إلى أقصى الحدود فيستبيح لبنان من جهاته الأربع كي يضع مزيداً من الضغط، لذا يجب أن يتخذ لبنان موقفاً وطنياً شاملاً وواضحاً على مختلف الصعد من العدوان الإسرائيلي حتى لا يبقى ’حزب الله‘ وحده معنياً بالإستراتيجية الدفاعية كقوات غير مشروعة حول الجيش تدافع عن الوطن، هذا الأمر يجب أن يعني جميع القوى والأحزاب اللبنانية، ولا يدعي أحد أنه لا يملك السلاح إذ الجميع في لبنان لديهم السلاح، ساعتئذٍ تُحل كل الأمور".
وتابع المتحدث، "أنا لو كنت في مكان مسؤولي الحزب كنت سأسأل: لماذا أنزع سلاحي من دون ضمانات، والتجارب تدل على الخطر الذي سيلحق بي؟ لماذا لا نرى ما حصل عند الساحل السوري؟ ثمة مذبحة أودت بحياة أكثر من 10 آلاف إنسان، ولن ننسى مذبحة صبرا وشاتيلا، لذلك فإن ’حزب الله‘ لن يسلم سلاحه في ظل الوضع القائم واستباحة إسرائيل كل الأراضي اللبنانية، ولن يجد مَن يشجع على ذلك حتى في صفوف مَن انتقدوا الحرب ودخوله في حرب الإسناد، يجب أن نكون واقعيين".
ويتساءل العميد جابر "عن الفوضى الإعلامية في لبنان التي تسهم في تمادي العدو الإسرائيلي في عدوانه، أين الرقابة على الإعلام الوطني؟ أين المجلس الوطني للإعلام من السموم التي تُطلق هنا وهناك والتي تسهم في زرع الفتنة بعيداً من الموضوع الإسرائيلي؟".
جنود من قوات اليونيفيل يحتفلون بالذكرى السابعة والسبعين ليوم قوات حفظ السلام في قرية الناقورة بجنوب لبنان في 29 مايو الحالي (أ ف ب)
تعليقات: