جلال عبدالله: الخيام أمام الإعمار الثالث، مسؤولية وطنية ومفترق نحو المستقبل

صورة وليم صالح
صورة وليم صالح


مع انتخاب مجلس بلدي جديد في بلدة الخيام، تُفتَح صفحة جديدة من تاريخ بلدة لم تغب يومًا عن واجهة الصمود والمواجهة.

بلدةٌ عرفت الاحتلال، وواجهت العدوان، وصمدت في وجه التهجير والدمار، لكنها لم تُهزم.

نُبارك للمجلس الجديد نيله ثقة الناس في هذه المرحلة الدقيقة، وندرك تمامًا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، خاصة في ظل التحديات المتراكمة التي خلّفتها الحرب الأخير.

والتهنئة وحدها لا تكفي، فالمهمة تتجاوز حدود العمل البلدي اليومي إلى مشروع نهوض شامل يعيد الاعتبار للبلدة وأهلها، ويعيد ترتيب الأولويات بما يواكب طموحات الحاضر والمستقبل.

لذا، فإن العمل لن يكون حكرًا على جهة واحدة، بل يحتاج إلى تكاتف البلدية، المجتمع الأهلي، الشباب، المغتربين، والمقيمين الدائمين، كلٌّ من موقعه، وكلٌّ بحسب قدرته، للتفكير والعمل يدًا بيد لما فيه خير الخيام وأجيالها القادمة.

ومن هنا، نطرح في هذا النص مجموعة من العناوين والتطلعات، التي نأمل أن تُسهم في إطلاق نقاش مسؤول وبنّاء حول كيفية إعادة الإعمار، وتحديد معالم التنمية المستدامة التي تستحقها الخيام.


إعمار ثالث… برؤية أولى

شهدت الخيام مرحلتين سابقتين من إعادة الإعمار: الأولى بعد التحرير عام 2000، والثانية بعد عدوان تموز 2006.

أما اليوم، فنحن أمام الإعمار الثالث. لكنه لا يجب أن يكون مجرّد تكرار لما سبق، بل مناسبة لإعادة النظر جذريًا في آلية البناء والتخطيط، وفق رؤية متكاملة، واقعية، ذكية، وقابلة للاستمرار.


من الطوارئ إلى التخطيط: مسؤوليات المرحلة

الأولوية العاجلة اليوم هي تأمين العودة الكريمة والسريعة للأهالي، من خلال:

• إصلاح شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي،

• إزالة الركام،

• وإعادة تفعيل المرافق والخدمات الأساسية.

لكن على المجلس أن يذهب أبعد من الاستجابة الطارئة، نحو العمل الاستراتيجي عبر:

• إجراء مسح شامل وموثق للأضرار،

• إعداد ملفات فنية وتنظيمية تُقدّم للجهات المعنية فور توفر التمويل،

• استكمال تحديث المخطط المدني، خصوصًا لناحية توسعة الطرق، إدراج الأرصفة، وإنشاء مواقف عامة،

• تعزيز الشفافية والمساءلة في اتخاذ القرار، بما يضمن إشراك المجتمع في صياغة مستقبل البلدة.


وفي موازاة ذلك، تقع على عاتق البلدية مسؤوليات تنموية واجتماعية لا تقل أهمية:

أولًا: دعم القطاعات الإنتاجية والاجتماعية

• تشجيع الشباب على الانخراط في قطاعات الزراعة، السياحة، والثقافة من خلال توفير حوافز، مرافق تدريبية، ومبادرات تعليمية مهنية.

• تمكين الجمعيات التعاونية والنوادي الثقافية والاجتماعية والرياضية، التي تُعنى بالشباب، المرأة، والطفولة، وتشكّل ركيزة للحياة المجتمعية.

• تعزيز حضور المرأة في الحياة العامة، لا كمستفيدة فحسب، بل كشريك أساسي في صنع القرار المحلي.


ثانيًا: رعاية ذوي الهمم وتكريس بيئة دامجة

• تجهيز المرافق العامة بممرات ومداخل تناسب كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

• تشجيع الأهالي على تبني هذه المعايير في منازلهم ومحلاتهم، في إطار وعي إنساني مستدام يحترم الجميع.


ثالثًا: البيئة والصحة العامة

• نشر ثقافة النظافة العامة، والصحة البيئية، ومعايير السلامة في كل أرجاء البلدة.

• اعتماد البناء الأخضر وترشيد استخدام الموارد حيثما أمكن، لضمان بلدة مرنة وصديقة للبيئة.


رابعًا: المسح العقاري وتسهيل الملكيات

• إنجاز المسح النهائي لعقارات البلدية، وتسهيل عمليات الفرز العقاري بحسب الواقع الفعلي، بما يسمح للأهالي بتسجيل أملاكهم رسميًا.

• التعاون مع الجهات المختصة لإيجاد حلول عملية لمعالجة مشكلات الإرث والملكية غير المفرزة، التي تعيق استقرار شريحة واسعة من العائلات وتؤثر على التخطيط العمراني العام.


من الإنفاق الفردي… إلى الاستثمار الجماعي

هل لا يزال من المجدي إنفاق الأموال على منازل فخمة تُستخدم لأيام معدودة فقط؟

أم أن الأجدى أن نعيد توجيه هذه الموارد نحو مشاريع تعزّز البنية المجتمعية، تحرّك الاقتصاد المحلي، وتدعم صمود الأهالي؟

الإعمار الحقيقي لا يُقاس بحجم الحجارة، بل بنوعية الحياة، وعدالة التوزيع، وقدرة الأبنية على خدمة الناس لا التفاخر عليهم.

وهنا، ندعو إلى:

• تطوير نماذج سكنية أكثر مرونة وذكاء،

• استغلال المساحات بشكل أفضل لخدمة العائلات والأجيال القادمة،

• التحوّل نحو تخطيط عمراني يقلّل التمدد العشوائي ويعزّز التماسك الاجتماعي.


حماية الموارد… وحماية الإعمار

لا معنى لإعادة الإعمار إن لم تُحمَ الممتلكات العامة من التعديات والفوضى.

يجب أن تُدار الموارد بوضوح، وتُستخدم المساحات العامة بما يخدم الصالح المشترك، لا المصالح الخاصة.

فالنظافة، والنظام، والعدل، ليست كماليات، بل مقاييس لتحضّر المجتمعات.


ثوابت لا بد منها

كل خطة مستقبلية يجب أن ترتكز إلى:

• العدالة في التوزيع،

• الشفافية في القرار،

• إشراك المجتمع الأهلي،

• دمج الفئات الضعيفة،

• حماية الهوية الثقافية والعمرانية للخيام.


بلدة واحدة لأبنائها جميعًا

هذه الانعطافة التاريخية يجب أن تعكس روح الصمود والتكافل بين:

• المقيمين الدائمين الذين يستحقون عودة سريعة،

• الزائرين الموسميين الذين يضخّون الحياة في المواسم،

• والمغتربين الذين يشكّلون حبلًا سريًا اقتصاديًا وعاطفيًا، ويمكن أن يكونوا شركاء فعليين في التنمية.

دعوة مفتوحة... لنكتب خيامًا جديدة

الخيام لا تحتاج فقط إلى ترميم ما تهدّم، بل إلى إعادة تخيّل ما يمكن أن تكون عليه.

إلى مشروع نهوض متكامل، تشارك فيه البلدية، الأهالي، الجمعيات، المغتربون، والطاقات الشبابية.

لنحوّل هذه اللحظة الصعبة إلى فرصة…

ولنكتب معًا فصلًا جديدًا في تاريخ بلدة لم تنكسر… ولن تنكسر.


المهندس جلال عبدالله (أرشيف)
المهندس جلال عبدالله (أرشيف)


تعليقات: