صبحي القاعوري: حتى الآن، لم تظهر أي إنجازات ملموسة على الأرض لنواف سلام
منذ أكثر من عامين، تعمل الولايات المتحدة الأميركية، ومعها عدد من المنابر الدولية،على تسويق صورة القاضي نواف سلام على أنه "رجل المرحلة" في لبنان. الأستاذالجامعي، الدبلوماسي، القاضي في محكمة العدل الدولية، و"السياسي التوافقي"بحسب بعض الأوساط الغربية، بدا وكأنه الحل المرتقب لإنقاذ لبنان من أزماته المتفاقمة: انهيار اقتصادي، اهتزاز اجتماعي، ترهل مؤسسات الدولة، وفساد مزمن..
غير أن المفارقة المؤلمة تكمن في أن من يُسوّقون هذا "المنقذ"، هم أنفسهم من كانوا – ولايزالون – يفرضون الحصار على لبنان، ويعرقلون قرارات الدولة، ويضعون الشروط على مسارات الإصلاح والتنمية، بحسب ما يراه كثير من اللبنانيين.
أغفلت حملات التلميع دور نواف سلام في اتفاق 17 أيار 1983، وهو الاتفاق الذي اعتبره كثيرون آنذاك تكريساً لوصاية العدوّ على لبنان. ومع ذلك، قوبل تسميته لرئاسة الحكومة أخيراً بشيء من الأمل، أملاً في فتح صفحة جديدة. فقد تسلم دولةالرئيس مهامه منذ أكثر من ثلاثة أشهر، تحت شعار "الإصلاح ومكافحة الفساد" والسعي لحل النزاعات بطرق سياسية.
لكن حتى الآن، لم تظهر أي إنجازات ملموسة على الأرض. على العكس، بدأت حكومته بتصريحات اعتُبرت مستفزة، وعلى رأسها تصريحه بأن معادلة الأمن الوطني باتت وراءنا، يُطرح السؤال: متى وكيف انتهت؟
هل تم تسليح الجيش بما يكفي ليتولى كامل مهام الدفاع الوطني؟
هل أُزيلت تهديدات العدو المتكررة؟ أم أن المقصود هو مجرد نزع السلاح دون بديل واقعي؟
تصريح وزير الخارجية في الحكومة – الذي أشار إلى إمكانية "نزع السلاح بالقوة"، وإذا تعذّر فـ"الاستعانة بالعدو" – جاء صادماً، ومخالفاً للدستور اللبناني. وهو ما زاد من حجم المخاوف حيال الأجندة السياسية للحكومة الحالية.
الأغرب، أن الحديث عن نزع السلاح لا يطال قوى أخرى تمتلك السلاح وتنتمي إلى تيارات حزبية طائفية، منها من له تاريخ في الحرب الأهلية، ومنها من يرتبط علناً بدوائر القرار الأميركية.
لماذا هذا الكيل بمكيالين؟ وهل بات السلاح "مشروعاً" فقط إذا كان مصدره السفارة الأميركية؟
صحيح أننا جميعاً نؤمن بضرورة حصر السلاح بيد الدولة، لكن السؤال: أي دولة؟ هل هي دولة القرار المستقل؟ أم دولة المقرّرات الخارجية؟ هل لدينا خطة واضحة لكيفية تحقيق ذلك دون تعريض البلاد للفوضى والانقسام؟
أما السؤال الأهم: ألم يأتِ نواف سلام إلى رئاسة الحكومة بقرار أميركي؟ وإذا كان القرار فعلاً أميركياً، فهل منع إدخال المساعدات الإنسانية والمالية للجنوب – هوقرار سيادي لبناني، أم إملاء خارجي؟
ختاماً، نذكّر بما جاء في القرآن الكريم:
"وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ".
لبنان لا يحتاج شعارات جديدة، بل إرادة حقيقية، وقراراً وطنياً مستقلاً، يضع المصلحةالعليا فوق كل الحسابات.
الحاج صبحي القاعوري
تعليقات: