في اليوم الـ61 من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مهلة الشهرين التي "منحها" لإيران للتوقيع على اتفاق نووي جديد، وفي الساعات الأولى من نهاية المهلة، بدأت إسرائيل حرباً ضد إيران، مستهدفة كبار القادة العسكريين ومواقع استراتيجية بينها منشآت نووية.
لا شيء مباغتاً فيما حصل. المفاجأة الوحيدة حتى الساعة هي أن إيران لم تعلن الحرب برغم فداحة الضربة وبرغم إعلان الحرب الإسرائيلي الصريح والمتوقع أن تستمر لأسبوعين أو أكثر. في طهران يجري الحديث عن "رد"، والرد الإيراني الذي اعتدنا عليه حتى الساعة، هو إطلاق صواريخ باليستية بدا من الهجمات السابقة أنها تجرح ولا تقتل، كما أن هذه القدرة مهددة بأن تكون قد استُهدفت بالهحوم الإسرائيلي. والصواريخ هذه تُطلق مع مسيرات بطيئة للتشويش على الدفاعات الجوية، وتلك الأخرى غير قادرة على القيام بمهامها بالمعنى الفعلي للكلمة، لاعتبارات جغرافية بالدرجة الأولى.
الاسترجاع القسري لتسلسل الأحداث منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وصولاً إلى الضربات القاتلة التي نفذتها إسرائيل حتى الساعة، وأودت بحياة كبار القادة العسكريين، وأكملت سلسلة الازدراء الإسرائيلي-الأميركي لـ"الخطوط الحمر" الإيرانية، لا يمكن أن يقود إلا لهذه النتيجة، ولما سوف يتبعها من تداعيات على إيران وربما حلفائها في مقبل الأيام.
المشكلة الحقيقية في داخل إيران وليس خارجها. أن تستهدف الدول بعضها، حتى تلك الحليفة منها، وتتصارع على امتلاك أسباب السيطرة من القوة العسكرية والعلمية والتكنولوجية، وصولاً إلى الاستهداف العسكري، هو من ألف باء السياسة. الإنكار الذي يعيشه النظام هناك هو الأزمة الحقيقية. إنكار تمدد على مدى سنوات من وهم القوة العسكرية المفرطة وخوف الأعداء، دون أي اختبار جدي لهذه القوة التي سُمع عنها تصريحات تخطت بأشواط مفعولها الحقيقي، وما أمكن رؤيته منها حتى الآن لا يدعو للاطمئنان داخل إيران، بقدر ما أنه لم يعُد يدعو للقلق خارجها.
كان ممكناً عبر تتبع تصريحات ترامب وحدها استدراك الكثير وإنقاذ الكثير. كما يمكن من حديثه اليوم، رسم صورة الأيام المقبلة واستخلاص النتائج النهائية للحرب الإسرائيلية. التهديد بإسرائيل لم يكُن يوماً مزاحاً أميركياً أو خداعاً. حتى ساعة الصفر للضربة كان يمكن توقعها مع نهاية مهلة الستين يوماً. كل ما حصل كان يجري رسمه على العلن وبعنجهية غير مسبوقة. والعلنية هذه تطرح أسئلة جدية حول الاحتياطات التي تتخذها إيران، ومدى الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي-الأميركي داخلها، خصوصاً أن بعض الاغتيالات كشفت عن ضعف أمني كبير في حماية كبار القادة العسكريين في البلاد.
المشكلة الأعمق من كل ما سبق، أن هذه قد تكون مجرد البداية، ولإسرائيل تجارب سابقة لهذا النوع من الاستهداف عبر ضرب الرأس أولاً، وتحديداً في حربها الأخيرة ضد حزب الله في لبنان. لكنه في إيران كان أسرع وأقوى وأشد فتكاً. وإذا صحّ هذا السيناريو فهو يعيد ولو متأخراً صياغة المعادلة التي على أساسها كان يُقال أن إيران قد أنشأت على شاكلتها محورها الذي امتدّ عبر 4 عواصم عربية، ليتبين أن نقطة ضعف هذا المحور كانت في قلب طهران.
يدفع الإيرانيون اليوم ثمناً سبقهم إليه اللبنانيون والفلسطينيون واليمنيون. هؤلاء جميعاً ضحايا نفس المحور الذي تضخمت "أناه"، وغرق في انتصارات وهمية كشفت عن اختلال فادح في موازين القوى وما زال يكابر.
تعليقات: