تحولت الأرصفة إلى ساحات لنقاش سياسي وللتحليلات العسكرية (علي علوش)
بترقب وحذر، يتابع أهالي الضاحية الجنوبية الضربات الإسرائيليّة على إيران، وتداعيات هذه الأحداث على منطقتهم، التي لا تزال رائحة البارود تفوح منها نتيجة الغارات الإسرائيليّة على منطقتي الحدث والمريجة منذ حوالى الأسبوع.
هدوء حذر
أنظارهم مصوّبة على هواتفهم المحمولة، في مشهد تكرر بشكل لافت في كل أحياء الضاحية الجنوبيّة؛ المارة، أصحاب المحلات، الشبان على الدراجات النارية، الصرافون.. يتابعون الأخبار العاجلة لمراقبة تطورات هذا الحدث. أما في المحال التجارية، فيراقب البائع والزبون البث المباشر على شاشات التلفزيون التي توثق الخبر لحظة بلحظة. يتوقعون السيناريوهات التي قد تحصل. آملين أن لا ينجر لبنان مرة أخرى إلى حرب جديدة.
جالت "المدن" في الضاحية الجنوبية منذ ساعات الصباح، بدت المنطقة "هادئة"، حركة السير خفيفة جدًا، جميع المحلات التجارية مفتوحة، لكن عدد الزبائن تقلّص بشكل كبير. هدوء يمتزج بخوف من أن يُعاد إخلاء الضاحية الجنوبية مرة أخرى، تلك المنطقة التي لم تهدأ منذ شهر أيلول العام 2024. السكان توجهوا لأعمالهم ولكن بتوجس بالغ. وإلى جانب هذا المشهد، تتابع آليات رفع الردم عملها المعتاد في إزالة ركام المباني المدمرة حديثًا، وبالقرب منهم يقف أصحاب المبنى المدمر، يتأملون جدران منازلهم التي تحولت فجأة لرمادٍ، وفي قلوبهم أمل بأن يعثروا على أي شيء من أثاث منزلهم.
عند الثانية عشر ظهرًا، أقفلت مدارس المصطفى والمهدي والحسن. طلبوا من الأهالي الحضور إلى المدرسة لاصطحاب أطفالهم، بسبب الأوضاع الراهنة، وتحسبًا لأي ضربة إسرائيليّة فجائية للمنطقة، فيصبح إخلاء المدرسة مهمة صعبة وخطيرة.
الخوف من عودة الحرب
تحولت الأرصفة إلى ساحات واسعة للنقاشات السياسية، أما المقاهي فامتلأت بالشبان، الذين تركزت أحاديثهم على التحليلات العسكرية والتطورات الأمنية الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، آراء كثيرة ومختلفة، أحدهم يرى أنها فرصة مناسبة لإيران لردع إسرائيل وتقليص حجمها، مؤكدًا أن الرد الإيراني سيكون كبيرًا ومؤلمًا وقاسيًا. نقاش آخر يدور حول ضرورة تحييد لبنان من كل هذه الحروب، لأن إسرائيل ستفرغ غضبها على الضاحية الجنوبية. الآراء متنوعة، لكنها تجتمع على أمنية واحدة فقط؛ أن يكون لبنان بعيدًا عن كل ما يحصل.
تقول سيدة في العقد السابع في حديثها لـ"المدن" أن سكان هذه المنطقة تعبوا من النزوح، لم يعد بمقدورهم مغادرة منازلهم وترك أرزاقهم، الأشهر الأخيرة كانت قاسية عليهم. وتضيف: "أنهكتنا الحرب، إنها المرة الثالثة التي أعيد ترميم منزلي، وأخاف أن يدمر، أسعار الايجارات مرتفعة جدًا، ولا يمكنني مغادرة المنزل بسبب الضائقة المالية".
تصف إحدى الأمهات هذه المرحلة بأنها "كابوس". تقول: "لا نرغب بمغادرة بيوتنا، لكننا نخاف من عودة الحرب، خصوصًا في ظل هذه التطورات الأخيرة، كأن سماء الضاحية أصبحت مستباحة أمام العدو الإسرائيليّ، ولا نعلم إن كانت إسرائيل ستقرر استهداف الضاحية الجنوبية فجأة، لذلك جهزنا حقيبة صغيرة للطوارئ تحسبًا لأي ضربة فجائية، كي نتمكن من الخروج سريعًا من المنطقة".
يدرك جيدًا سكان الضاحية الجنوبية الرعب المحدق بهم، يخافون من عودة شبح الحرب المدمرة، من أن تتحول منازلهم إلى رمادٍ بثوان، وأن تغير الطائرات الإسرائيلية على أرزاقهم. يعلمون جيدًا أن أي صاروخ قد يطلق من لبنان، سيحول منطقتهم إلى جحيمٍ، وهذا ما هددت به إسرائيل منذ ساعات الصباح الأولى.
يتوجسون من هذا السيناريو، لذلك يراقبون الأخبار العاجلة. وعلى الرغم من عودة الحياة تدريجيًا إلى الضاحية الجنوبية منذ اليوم الأول لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الدولة اللبنانية وإسرائيل، إلا أن هذه الأيام شبيهة إلى حدٍ كبير بالأيام السوداء التي مرت على سكان هذه المنطقة في أيلول العام 2024. فمنذ حوالى الأسبوع بدأت المنطقة تشهد حركة نزوح خفيفة، وبدأت أسعار الشقق السكنية خارج الضاحية تحلّق، وفُتحت شهية أصحاب الشقق على وضع شروط تعجيزية أمام كل من يفكر بالتفتيش عن منزل أكثر أمانًا، وبدأ أصحاب المتاجر يفتشون على أماكن أخرى لتخبئة بضائعهم تحسبًا لأي ضربة فجائية. وأمام كل ما يحصل، يبقى رجاء السكان، أن لا تُعاد الحرب مرة أخرى بحسابات خاطئة بعيدة عن الواقع، كي لا تفتح أبواب الجحيم مرة أخرى..
تعليقات: