الكاتب راشد خضر كمال شاتيلا: الجنوب ليس جغرافيا مرسومة على الخرائط، بل قصة مقاومة خُلقت من رحم المعاناة
هناك حيث يلتقي التراب بالسماء، وحيث تمتزج رائحة الزعتر بدخان المعارك، يقف جنوب لبنان شاهدًا على ملحمة لا تهزمها السنون، ولا يطويها النسيان. هنا، في هذه الأرض التي حملت أوجاعها كما يحمل الجبل صخورَه، لا مكان للضعف، ولا مساحة للتراجع. هنا وُلد الصمود، وهنا يكتب التاريخ بمداد من دم، ونور من شهادة.
الجنوب ليس جغرافيا مرسومة على الخرائط، بل قصة مقاومة خُلقت من رحم المعاناة، وكبرت مع كل غارة، واشتدت مع كل حصار. ليس أرضًا عابرة تُذكر في نشرات الأخبار، بل وطنٌ مصغر، فيه تختصر معاني التضحية، وتتجسد البطولة في كل بيت، وكل طريق، وكل شجرة زيتون ما زالت تحمل سرّ الصمود.
تحية لأهل الشهداء… أولئك الذين لم تضعفهم الفاجعة، ولم تهزّهم يد الغدر، بل حولوا الألم إلى قوة، والحزن إلى صبر، والفقد إلى وعدٍ لا يخون. في وجوههم ترى ملامح الوطن، وفي صمتهم تسمع هتافات الانتصار القادم. كيف لا، وهم من ودّعوا فلذات أكبادهم لا بالبكاء، بل بالزغاريد التي تصدح في وداع الأبطال؟ كيف لا، وهم الذين رسموا معالم الكرامة بدموع لم تسقط إلا في محراب العزة؟
اليوم، كما الأمس، وكما الغد، الجنوب ليس وحده. هو في قلب كل حر، في وجدان كل مؤمن بعدالة القضية، في كل عين ترنو إلى فجر لا تشرق فيه سوى رايات النصر. والعدو، مهما حاول، لن يغير المعادلة، ولن يكسر إرادة اعتادت أن تنهض من بين الركام أقوى، وأشد بأسًا، وأصلب عودًا.
ما زال الجنوب واقفًا، وما زال أهله أهل العهد والوعد. وما دماء الشهداء إلا توقيع على صفحة المستقبل، بأن هذه الأرض، مهما ثقلت الجراح، لن ترفع راية إلا راية النصر.
المجد لمن بذلوا أرواحهم ليبقى الوطن، والمجد لأهلهم الذين حملوا الراية من بعدهم ، فهذه الأرض لا تهزم، وهذا الجنوب لا ينكسر.
راشد خضر كمال شاتيلا
تعليقات: