هدى صادق: حتى الظل في الخيام مقاوم

الشاعرة هدى صادق: صمودُ الخيام ليس في البيوت التي هُدِمت بل في النظرات التي قالت خذوا كل شيء إلا كرامتنا
الشاعرة هدى صادق: صمودُ الخيام ليس في البيوت التي هُدِمت بل في النظرات التي قالت خذوا كل شيء إلا كرامتنا


الخيام…

ليست اسمًا في خريطة

إنها التجاعيد الأولى في وجه الأرض

والصرخة التي نطقت بها الحجارة حين تَعبت من الصمت

الخيام

تحت جلدها ينام وطنٌ صغير

يخجل من ضوضاء الخرائط

ويؤمن أن النصر لا يُعلن في نشرات الأخبار

بل في عيون الأمهات حين يعدن من المقابر

بأصابعٍ ممتلئة بالتراب

وقلوبٍ لا تزال تنبض بالسلام

يا أيتها المدينة التي خُلقت من نَفَس الجبال

كيف علّمتِ الحقول أن تزهر رغم القذائف

كيف بقيتِ واقفة

حين انحنت السماء من هول الصراخ

وتدافق الموت

فيكِ كل شيء يشبه الحنين

حتى الهواء،

يَحمل رائحة خبزٍ لم يُخبز بعد

وذكرى لأطفالٍ نسوا أسماءهم في الزنازين

لكنهم تذكّروا اسمكِ حين سألهم الجلّاد

من أين أنتم

كيف ولدتم بتلك القوة والبأس

الخيام

يا أنثى تمشي في جنازات الشهداء مرفوعة الرأس

يا وطنًا يتخفّى في حنجرة شاعر

وفي دمع حاجٍّ أضاع القبلة ثم وجدها في ترابك

أنا لا أحبكِ كأي وطن

أنا أحبكِ كمن يحب الجرح لأنه علّمه معنى الشفاء

كمن يحب السقف المكسور لأنه رأى من خلاله وجه الله

كمن يحب الظلام لأنه يكشف صلابة النور

الخيام

فيكِ شوارع تنادي الغائبين

وبيوتٌ تحفظ أسماء من رحلوا

كأنها ترفض الترميم

كي لا تُمحى آثار الأصابع على الجدران

وتفل ما تبقي من قهوتهم

وإن سألوكِ يومًا

ما الوطن

فقولي لهم

الوطن هو المدينة التي إن سقطت

ارتفعنا

ليس كأي ارتفاع بل الى حيث يُكتب التاريخ

فصمودُ الخيام

ليس في البيوت التي هُدِمت

بل في النظرات التي قالت

خذوا كل شيء إلا كرامتنا

الخيام لم تُصنَع من حجر

بل من دعاء الجدّات

ومن خطوات الأسرى على أرض الزنزانة

ومن قُبلة أمّ على جبين ابنها وهو يخرج من تحت الركام

فيبتسم

الخيام

فيها كل شيء قاوم

التراب قاوم

الهواء قاوم

حتى الظلُّ في الأزقة

كان واقفًا لا يخاف

صمودُك يا خيام

هو الدرسُ الأول في كتاب الجنوب

والصفحة التي لا تُطوى

لأنها مكتوبة بالحبر الذي لا يجفّ

وبدماءُ من لم يساوم

إبنة الخيام هدى صادق

تعليقات: