إدارة ترامب تفكر بترحيل مهاجرين لسوريا..بعضهم من مرتكبي الجرائم

ترحيل دولي غامض: سوريا قد تستقبل مهاجرين لا تعرفهم (Getty)
ترحيل دولي غامض: سوريا قد تستقبل مهاجرين لا تعرفهم (Getty)


دخلت سوريا، قائمة تضم 51 دولة تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إقناعها بقبول مهاجرين مُرحلين من الولايات المتحدة، حتى لو لم يكونوا من مواطنيها، حسب برقيات دبلوماسية حصلت عليها صحيفة "نيويورك تايمز"، في خطوة تسلط الضوء على حملة أميركية غير مسبوقة لترحيل مهاجرين إلى دول "ثالثة"، بعضها يعيش حروباً أو يواجه اتهامات دولية بانتهاك حقوق الإنسان، ومنها ليبيا، رواندا، طاجيكستان، وسوريا.

من هم المرحلون؟

وتشن إدارة ترامب حملة ضد المهاجرين غير النظاميين، بعضهم أدين بارتكاب جرائم في الولايات المتحدة، لكن كثيرين منهم لم يُدانوا بأي جرم.

وتقول الإدارة إن هدفها هو "إفراغ البلاد من المجرمين والمعادين لأميركا"، بحسب تصريح أدلت به المتحدثة باسم وزارة الأمن الداخلي، تريشا مكلولين جاء فيه: "نحن نبحث عن دول تقبل هؤلاء الأشخاص كخدمة لنا، وكلما كانت أبعد عن أميركا، كان ذلك أفضل".

غير أن وثائق رسمية تؤكد أن بعض هؤلاء المرحلين لا يمتون بأي صلة للدول التي يُنقلون إليها، بل أن بعضهم لم يزُر تلك الدول يوماً، وقد شملت عمليات الترحيل مواطنين من فيتنام ونيبال واليمن وحتى العراق، جرى نقل أحدهم إلى رواندا مقابل 100 ألف دولار دفعتها واشنطن.

سوريا: وجهة جديدة للترحيل

وورد اسم سوريا في برقية مؤرخة في 12 آذار/مارس الماضي، ضمن تسع دول أفريقية وآسيوية وصفتها واشنطن بأنها "وجهات آمنة محتملة" يمكن إرسال مهاجرين إليها، بمن فيهم من لا يحملون جنسيتها، ويأتي ذلك في وقت تُصنف فيه سوريا من قبل الخارجية الأميركية كبلد شديد الخطورة، بسبب استمرار الحرب والانتهاكات لحقوق الإنسان.

ولم تُعلق دمشق رسمياً على هذا الطلب، كما لم يُعرف إن كانت الاتصالات الأميركية وصلت إلى الحكومة السورية أو أنها ما زالت ضمن قنوات غير رسمية، غير أن مجرد إدراج سوريا في القائمة يثير تساؤلات حول نية واشنطن عقد تفاهمات سرية أو فرض ضغوط دبلوماسية في ملفات أخرى مقابل قبول المرحلين.

سوريا في دائرة الحظر

ورغم أن ترامب استثنى سوريا من قائمة حظر السفر الجديدة التي أعلنها في 4 حزيران/يونيو الجاري، بعد أن كانت مشمولة في قراره الأصلي عام 2017، فإنها عادت لتكون من بين 36 دولة تدرس الإدارة الأميركية إعادة فرض قيود سفر عليها، بحسب ما كشفته مذكرة صادرة عن وزارة الخارجية الأميركية ونشرتها صحيفة "واشنطن بوست" في 14 حزيران.

المذكرة، الموقعة من وزير الخارجية ماركو روبيو، أُرسلت إلى السفارات الأميركية وتضمنت تعليمات بمخاطبة حكومات الدول المعنية لإبلاغها بضرورة الامتثال لمجموعة معايير أمنية وإدارية صارمة خلال مهلة لا تتجاوز 60 يوماً، أو مواجهة خطر العودة إلى قائمة حظر السفر أو فرض قيود جزئية على التأشيرات.

وبحسب المذكرة، فإن من بين الأسباب التي دفعت لإعادة سوريا إلى قائمة الدراسة، ضعف السلطة الحكومية المركزية، وغياب البنية الإدارية لإصدار وثائق موثوقة، ووجود "احتيال حكومي واسع النطاق"، فضلاً عن عجز السلطات عن توفير بيانات دقيقة عن رعاياها المقيمين في الخارج.

كما أشار التقرير إلى أن عدداً من السوريين تجاوزوا مدة الإقامة المسموحة بتأشيراتهم داخل الولايات المتحدة، ما زاد من احتمالات شمول سوريا بقيود جديدة.

ومن العوامل الأخرى التي رُفعت كمبررات لإعادة النظر في السماح لمواطني بعض الدول بدخول الولايات المتحدة، سهولة الحصول على الجنسية مقابل الاستثمار المالي دون شروط إقامة، وورود مزاعم بنشاط معادٍ للسامية أو للولايات المتحدة من بعض الأفراد المرتبطين بهذه الدول.

وفي ملاحظة لافتة، نصت المذكرة على أن استعداد أي دولة لاستقبال مرحلين من دول أخرى، أو توقيع اتفاق "الدولة الثالثة الآمنة"، يمكن أن يُخفف من حدة المخاوف الأميركية، ما يربط بين ملف الترحيل وملف حظر السفر بشكل مباشر.

رغم ذلك، لم تُعلن واشنطن موعداً واضحاً لتطبيق قيود السفر الجديدة، واكتفت الخارجية الأميركية بالقول إنها لا تعلق على "المداولات الداخلية"، بينما لم يصدر رد فوري من البيت الأبيض.

الترحيل بأي ثمن

وتتجاوز حملة ترامب حدود الترحيل التقليدي للمواطنين إلى أوطانهم، إذ تسعى إدارته لبناء شبكة عالمية من الدول المستعدة لاستقبال "الآخرين"، وتُمنح أحياناً مقابلاً مالياً أو سياسياً.

وقد شملت المفاوضات حتى الآن 58 دولة، وافقت سبعٌ منها فقط (بينها رواندا وكوسوفو وبنما)، بينما لا تزال المشاورات جارية مع عشرات الدول الأخرى، بينها سوريا.

وتفيد الوثائق أن بعض الدول، مثل السلفادور، حصلت على تمويل أميركي بلغ 5 ملايين دولار بعد أن وافقت على احتجاز أكثر من 200 فنزويلي تتهمهم واشنطن بالانتماء لعصابات إجرامية.

أما دول مثل بيرو، فرفضت مراراً استقبال مرحّلين من غير مواطنيها، مشيرة إلى ضغط الهجرة الفنزويلية الحالي، وخوفها من غضب شعبي.

مخاوف قانونية وإنسانية

وتحذّر منظمات حقوقية من أن هذه السياسة "تدفن" آخر ما تبقى من صورة أميركا كمدافع عن حقوق الإنسان، وقال مارك هيتفيلد، رئيس منظمة "HIAS": "تخيل أن تُرحل إلى بلد لا تعرفه، لا تربطك به أي صلة، لا تتكلم لغته، وقد يشهد حرباً أو قمعاً وحشياً، هذا ما تفعله إدارة ترامب اليوم".

وتخشى عائلات بعض المرحلين من اختفائهم قسراً، كما حدث مع رجل فيتنامي حاولت واشنطن ترحيله إلى جنوب السودان، قبل أن توقف محكمة فيدرالية العملية بسبب خطر الحرب هناك.

ويُثير ورود اسم سوريا مفارقة مؤلمة؛ فهي بلد خرج ملايين اللاجئين خلال العقد الأخير، وها هي اليوم تُطرح كوجهة استقبال لمهاجرين لا صلة لهم بها، فهل سيتحول البلد المنكوب إلى "مكبّ بشري" لمهاجرين لا ذنب لهم سوى أنهم خسروا معركتهم أمام نظام الهجرة الأميركي؟.

تعليقات: