تواصل إسرائيل قصف مواقع في لبنان مخترقة اتفاق وقف إطلاق النار (أ ف ب)
إسرائيل تضرب باتفاق التهدئة عرض الحائط ومراقبون: أميركا ترى الانتهاكات ولا تحرك ساكناً
ملخص
يرى مراقبون أن هذه اللجنة لم تظهر حتى اليوم وبعد 7 أشهر على تأليفها بأنها محايدة، أو أنها تسعى طوال هذه المدة إلى حماية مصالح لبنان، ولم تعر أي اهتمام لمطالبه، وأن كل ما تقوم به هو لمصلحة إسرائيل.
ربما اطمأن عدد كبير من اللبنانيين إلى تأليف لجنة خماسية من لبنان وإسرائيل وأميركا وفرنسا وقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان "يونيفيل" تحت تسمية "لجنة مراقبة وقف الأعمال العدائية" عشية الإعلان عن وقف إطلاق النار في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إلى أن هذه اللجنة سترعى بعدالة عملية تحقيق وقف إطلاق النار وتشرف على وضع القرار الأممي (1701) الذي كان قد قرر بعد حرب يونيو (تموز) 2006 موقع التنفيذ ومساعدة الجيش اللبناني على الانتشار مجدداً في منطقة جنوب الليطاني ومصادر كل سلاح غير شرعي والإشراف على انسحاب إسرائيل من جميع المناطق التي احتلها في الحرب الأخيرة.
لكن إسرائيل لا تزال مستمرة في حربها على لبنان تحت ذريعة القضاء على قوة "حزب الله" فتقصف وتدمر وتغتال بشكل متواصل في منطقة جنوب نهر الليطاني وشماله، في مناطق صور والنبطية والبقاع وصولاً إلى العاصمة بيروت من دون أن تتدخل هذه اللجنة لمحاسبتها أو منعها أو إدانة ما تقوم به، بل يلاحظ أن حكومة بنيامين نتنياهو وبعد قيامها بأي عمل حربي أو عسكري تدعي بأنها أبلغت الجانب الأميركي بما قامت به، وكأنها تجعل لنفسها غطاء أممياً من خلال الولايات المتحدة.
يحدث كل هذا على رغم أن الضربات الإسرائيلية تطاول المواطنين الآمنين في بيوتهم والمتنقلين على الطرقات، وأن قصفها لا يقتصر على عناصر "حزب الله"، مع العلم أن توقف الحرب بين الطرفين يمنعها من استهداف مقاتلين ليسوا في مواجهات قتالية أو في حرب متبادلة أو أعمال عسكرية، ومع ذلك يذهب ضحايا مدنيون جراء الاستهدافات المستمرة.
ففي مدينة النبطية قتلت، السبت الماضي، مواطنة في شقة تقع في أعلى أحد المباني السكنية بين المدينة وجارتها النبطية الفوقا، وهي عفاف محمد شحرور التي قدمت منذ نحو شهر من ألمانيا لتزور ابنتها وشقيقتها. وقالت وزارة الصحة اللبنانية، إن "ضحية و14 جريحاً سقطوا إثر غارة إسرائيلية على النبطية الفوقا جنوبي لبنان". وأتت هذه الغارة بعد تنفيذ الطيران الحربي الإسرائيلي حزاماً نارياً من سلسلة غارات على التلال المشرفة على مدينة النبطية والنبطية الفوقا وكفر تبنيت وكفر رمان، مما خلق حالاً من الرعب في صفوف السكان والتلامذة ممن يجرون اختبارات آخر العام الدراسي.
استهدافات بالجملة والمفرق
في 24 يونيو الجاري، استهدفت مسيرة إسرائيلية سيارة مدنية على طريق كفر دجال- النبطية مما أدى إلى مقتل سائقها الصراف هيثم بكري وولديه الشابين عبدالله ومحمد بكري، وهم من بلدة صير الغربية في قضاء النبطية. وأفيد بأن بكري، يعمل في مجال الصيرفة ويدير مكتباً في منطقة الغبيري- بيروت، وكان في طريقه إلى عمله عند وقوع الاستهداف.
وفي محلة كفر جوز في مدينة النبطية استهدفت مسيرة إسرائيلية في 18 يونيو الجاري، دراجة نارية وسط منطقة مأهولة مما أدى إلى مقتل سائق الدراجة محمد خريس من بلدة الخيام والمواطن حسن محمد صيداوي من النبطية الذي كان على شرفة منزله المطلة على مكان الاستهداف، ناهيك بأضرار جسيمة خلفتها الغارة في الشقق المجاورة وفي المتاجر والدكاكين.
كل هذا يحصل أو حصل، وكأنه لا وجود للجنة وقف الأعمال العدائية، بل يرى كثر أن هذه اللجنة ومنذ تأليفها خدمت المصالح الإسرائيلية أكثر من منع إطلاق النار ووقف الحرب والمساهمة في تأمين عودة سالمة للنازحين إلى أكثر من 18 بلدة وقرية دمرتها إسرائيل عن بكرة أبيها في الفترة التي كان يجب على اللجنة أن ترعى وقفاً شاملاً لإطلاق النار ومنع أعمال التدمير التي مارستها إسرائيل، ولا تزال تمارسها وتمنع أبناء القرى من العودة إليها وتدمر أي عملية لإعادة التعمير أو وضع بيوت جاهزة على أنقاض منازلهم، بل وتطلق النار على العائدين وقد وقع عدد كبير منهم بين قتلى ومصابين منذ إعلان وقف إطلاق النار.
لجنة غير مكترثة
يأسف وزير خارجية لبنان السابق عدنان منصور "بشدة من أن هذه اللجنة مرؤوسة من قبل مندوب الولايات المتحدة وكان يفترض أن تهتم بوقف إطلاق النار بموجب الاتفاق الذي حصل، ولكن حتى الآن هذه اللجنة لا تفعل شيئاً من أجل تحقيق هذا الهدف. ويعلم الجميع كم أن إسرائيل تتمادى في اعتداءاتها اليومية المتكررة، إما من طريق القصف الجوي أو البري أو من طريق القتل المتعمد لأفراد مدنيين ومنعهم من العودة إلى أراضيهم".
ويضيف منصور، "إذاً، مهمة هذه اللجنة الخماسية التي يجب أن تشرف على وقف إطلاق النار لم تعط أي نتيجة بل هي غير مكترثة بما يجري، وهذا نتيجة المواقف الدولية الخارجية. إن هذه المسؤولية تتحملها الولايات المتحدة بالذات على قاعدة لو أرادت تحقيق وقف إطلاق النار فعلاً من قبل إسرائيل لاستطاعت أن تفعل ذلك. نحن نرى أن هذه اللجنة برئيسها وأعضائها لم يتوصلوا إلى تحقيق وقف إطلاق النار".
ونسأل عن دور لبنان الرسمي والدبلوماسي في تحريك دور هذه اللجنة، فيجيب الوزير السابق، "كنا ننتظر لبنان الرسمي أن يتحرك من طريق الدبلوماسية، ويبدو أن هذه الطريق لم تؤد إلى نتيجة، وكل ما هنالك أن لبنان الرسمي يتواصل مع الدول المؤثرة والفاعلة في العالم كالولايات المتحدة والدول الأوروبية ولكن حتى الآن، لم تقم بخطوة جريئة شجاعة لحمل نتنياهو على وقف إطلاق النار. ويبدو أن لبنان لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك".
أميركا لا تريد
وزير خارجية لبنان السابق عدنان منصور يتابع حديثه "لا يمكن لبنان اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لتفعيل دور اللجنة الخماسية. ربما يحتاج اللجوء إلى مجلس الأمن إلى عدوان كبير، لكن حتى لو أن بيروت لجأت إلى المجلس مع أنها استخدمت جميع الوسائل الدبلوماسية إما من طريق الأمم المتحدة والجمعية العامة أو من طريق مجلس الأمن الذي عليه أن يتخذ قراراً لكن هذا القرار لن يتحقق إذ إن الولايات المتحدة ستلجأ فوراً إلى استخدام حق الفيتو. رأينا هذا الأمر في ما يتعلق بغزة إذ اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ194 صوتاً قراراً يطالب بوقف إطلاق النار في القطاع، لكنه لم يطبق على الأرض من خلال مجلس الأمن، فعند الذهاب إلى التصويت على القرار رفعت واشنطن الفيتو، فلم يتحقق أي شيء".
ويرى الوزير منصور "المقاومة اللبنانية عندما سلمت الأمر إلى الدولة مانحة لها حق التصرف أجابت الدولة اللبنانية بأنها ستتحرك دبلوماسياً ونحن لا زلنا ننتظر هذه الدبلوماسية، لكننا لا زلنا ندور في حلقة مفرغة وندفع الثمن من أرواح أبنائنا وبلادنا فيما إسرائيل تعربد من دون أدنى رادع".
للمراقبة والإفادة
يشير العميد الركن المتقاعد في الجيش اللبناني المحلل العسكري سعيد القزح إلى "أننا لا نعرف ما دور هذه اللجنة بالضبط، ولا نعرف ماذا تعمل، إن في السر أو العلن، إذ لا بيانات تصدر ولا مواقف لها. لكن وبرأيي الخاص، كل ما هو أممي، إن لجهة قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان أو مختلف المنظمات الدولية لا أؤمن بها لأن دورها حتى الآن محصور بالمراقبة والإفادة، ولا سلطة لديها تلزم الإسرائيليين بعدم الاعتداء على لبنان، ولا سلطة أيضاً يمكنها أن تلزم المنظمات المسلحة غير الشرعية بعدم القيام بأي أدوار أو ممارسات مخلة بالأمن، دورها لا يتعدى المراقبة والإفادة، إذ إن تكليف الأمم المتحدة وقوات الطوارئ الدولية يقع تحت الفصل السادس الذي يسعى إلى إحلال السلام بالوسائل الدبلوماسية، إحلال السلام وليس فرض السلام".
ونبه إلى أنه "إذا لم تتحول مهام قوات الطوارئ الدولية بالتالي اللجنة الخماسية تحت بنود الفصل السابع لن يكون لها أي دور فاعل على الأرض". ويحمل العميد قزح ما يجري "من فقدان دور اللجنة الخماسية في وقف إطلاق النار، إلى من وقعوا على هذا الاتفاق أو فاوضوا حوله وعلام وقعوا واتفقوا مع الأميركيين".
وأضاف "أعني بذلك الحكومة اللبنانية السابقة التي كان يترأسها نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري والفريق اللبناني الرسمي الذي شارك بالمفاوضات لوقف إطلاق النار. ولا يعلم أحد حتى اليوم بنود الاتفاقية أو الضمانات مع العلم أنه قبل إعلان وقف إطلاق النار دار حديث عن حرية الحركة للعدو الإسرائيلي ولم نسمع في المقابل أدنى اعتراض على ما جرى تداوله، لكن بعدما أصبح الاتفاق قيد التنفيذ صرنا نسمع بالاعتراض وأن عمل اللجنة وفق القرار الأممي 1701 ومحصور جنوب الليطاني وأن هناك ضمانات ونحن لم نوافق على ما تفعله إسرائيل، لكن كل ما حصل يبدو أنه ليس سوى اتفاقات شفهية تشبه الاتفاق الشفهي الأخير بين أميركا وإيران وهذا ما يحمله كثيراً من التأويل والأخذ والرد. وأنا على يقين أن مجلس الوزراء اللبناني عندما اجتمع ووقع على ما سمي بالترتيبات الأمنية لوقف إطلاق النار لم يكن يعرف علام وقع أو وافق".
إخفاقات اللجنة
يقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني منير شحادة، المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى "يونيفيل"، "لنطلع أولاً على تكوين هذه اللجنة التي أصرت إسرائيل أن يترأسها جنرال أميركي (هو كاسبر جيفرز) لاعتقادها، أي إسرائيل، أن الأميركيين هم أكثر انحيازاً لمصالحها أكثر من أي دولة أخرى، وكذلك لعامل آخر يتمثل في أن الأميركيين لديهم سلطة في لبنان أكثر من غيرهم. ففي الحالتين إن ترؤس ضابط أميركي هذه اللجنة أتى لمصلحة إسرائيل كي تطمئن إلى تحقيق جميع مطالبها أثناء توقيع اتفاق إطلاق النار وجعله حيز التنفيذ".
ويوضح العميد شحادة مستعرضاً "إخفاقات" اللجنة فيقول، "منذ تأليف هذه اللجنة وحتى اليوم نرى أنها بالمرحلة الأولى وعند تأليفها بقيت مدة طويلة حتى حضرت إلى لبنان من خلال رئيسها الأميركي وعضوها الفرنسي، مما سمح للإسرائيليين طوال هذه المدة من الدخول إلى أماكن في جنوب لبنان لم تستطع الدخول إليها إبان الحرب وقامت بواسطة الجرافات الضخمة من نوع ’دي 9’ بتجريف عدد كبير من أحياء القرى والبلدات الجنوبية الواقعة عند الحافة الأمامية مما جعل معظم هذه القرى بمستوى الأرض. يظهر أن هذه اللجنة وكأنها تعطي إسرائيل فرصة كي تكمل ما لم تستطع تحقيقه خلال الحرب، ونعطي مثلاً الخيام وكفر كلا وكثير من القرى الحدودية اللبنانية".
المدنيون اللبنانيون هم يدفعون القصف الإسرائيلي المتكرر على لبنان (أ ف ب)
تتعمد إسرائيل منع الجيش اللبناني من القيام بمهامه عبر الضربات المتكررة (أ ف ب)
تعليقات: