الحاج صبحي القاعوري: الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس نواف سلام تعلن عن توجهاتها التي أثارت الكثير من التساؤلات
لطالما كانت السياسات الداخلية في لبنان مصدرًا للجدل والنقاش، وها هي الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس نواف سلام تعلن عن توجهاتها التي أثارت الكثير من التساؤلات. في أول تصريح له بعد نيل حكومته الثقة من مجلس النواب، أشار الرئيس سلام إلى أن "المقاومة أصبحت من الماضي"، في إشارة واضحة إلى تغيير في نهج الحكومة تجاه المسائل العسكرية والأمنية، بما يثير القلق لدى الكثيرين.
تصريح سلام جاء ليعكس ما قد يُفهم على أنه توجه نحو تنفيذ أجندة أميركية وإسرائيلية، وهي أجندة تسعى للحفاظ على المكتسبات لصالح كل من الولايات المتحدة وإسرائيل على حساب سيادة لبنان وأمنه. كما أكد سلام على ضرورة نزع سلاح حزب الله، معتبراً إياه "غير شرعي" في حين غضّ النظر عن السلاح الذي تحمله قوات ومليشيات أخرى في لبنان، مثل القوات اللبنانية والكتائب، وهو ما يشيرإلى معايير مزدوجة في التعامل مع القوى المسلحة داخل البلاد.
وما زاد من تعقيد الموقف هو تصريح الرئيس الأخير أثناء لقائه مع المبعوث الأمريكي توماس باراك، حيث أكد أن الحكومة نالت ثقة البرلمان بناءً على البيان الوزاري الذي يتضمن حصر السلاح في يد الدولة. ورغم أن هذا التصريح قد يراه البعض خطوة نحو تعزيز سيادة الدولة، إلا أن البعض الآخر يعتبره إرضاءً للمبعوث الأمريكي وفتحاً لباب التدخلات الخارجية، مع ما قد يترتب على ذلك من تبعات تؤثر سلباً على الأمن القومي اللبناني.
التصريح حول حصر السلاح في يد الدولة قابل للتفسير بعدة طرق، ومنها أنه ربما يُعتبر ضوءًا أخضر لإسرائيل للقيام بمزيد من التحركات على الأراضي اللبنانية. خصوصًا أن إسرائيل قد استغلت التصريح للمطالبة بإخلاء مخازن سلاح حزب الله شمال الليطاني، وهو ما يزيد من مخاوف اللبنانيين من تبعات هذا التوجه على السيادة الوطنية.
ولكن، يظل السؤال الأكثر أهمية: هل يمكن فعلاً حصر السلاح في يد الدولة بعد تنفيذالقرار 1701 بالكامل؟ ذلك القرار الذي ينص على انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي اللبنانية، بما في ذلك مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والغجر. لا شك أن السلاح المقاوم في لبنان سيبقى شرعياً بقوة القوانين اللبنانية والقانون الدولي وبنظر الكثيرين طالما أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال جاثمًا على الأرض اللبنانية.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الحكومة الجديدة في التحدث عن "حصر السلاح" و"إرضاء" القوى الخارجية، يغفل البعض عن القضايا الحاسمة التي ينتظرها الشعب اللبناني. فمنذ سنوات، يواجه المواطن اللبناني أزمة اقتصادية خانقة، وتضاؤل فرصالعمل، وانقطاع الكهرباء الذي أصبح جزءًا من حياة اللبنانيين اليومية. فما الذي قدمته الحكومة في هذا المجال؟ هل بدأ العمل على إعادة الأموال المنهوبة للمودعين؟ أم أن هذا الملف سيظل بعيدًا عن دائرة الاهتمام؟
الشعب اللبناني يأمل في أن تكون الحكومة الجديدة أكثر اهتمامًا بالقضايا الداخليةالتي تمس حياته اليومية، مثل توفير الكهرباء على مدار الساعة وتحقيق العدالة في توزيع الثروات. لكن يبدو أن هذا الاهتمام لا يُقاس بنفس سرعة التجاوب مع المطالب الخارجية، ما يثير تساؤلات حول أولويات الحكومة الحالية.
في النهاية، تظل أسئلة كبيرة معلقة في أفق السياسة اللبنانية: هل ستظل الحكومة الجديدة أسيرة للضغوط الخارجية أم أنها ستتمكن من تحقيق التوازن بين السيادة الوطنية والاحتياجات الداخلية الملحة؟ وهل ستتمكن من الوفاء بتطلعات الشعب اللبناني نحو الاستقرار والازدهار؟
الحاج صبحي القاعوري
تعليقات: