لماذا يهاجم الحزب؟ وما هي تهمته؟؟
أهو لأنه قاوم الاحتلال الإسرائيلي الذي غصب أرض فلسطين واعتدى على جنوب لبنان؟
أم لأنه تلقّى دعمًا ماليًا وعسكريًا من إيران ليتمكن من مواجهة هذا الكيان؟
كثيرون يصفون الحزب بأنه "ذراع لإيران"”، وكأن هذه العبارة إدانة بحد ذاتها. لكن هل في ذلك إهانة بالضرورة؟ وهل يختلف توصيفه كـ«ذراع» عن واقع حركات التحرر التي احتاجت، تاريخيًا، إلى ظهير إقليمي يدعمها لتستمر وتنجح؟
لفهم هذه العلاقة بعيدًا عن التقديس الأعمى أو الاتهام الأعمى، نحتاج أن نعود إلى علم العلاقات الدولية. فهذا العلم يشرح لنا أن الجماعات المسلحة غير الحكومية (Non-state armed groups) لا تستطيع الصمود طويلًا ما لم تجد دولة حاضنة توفّر لها الموارد والتسليح والدعم السياسي. وهنا يظهر ما يسمى بنموذج الأصل–الوكيل (Principal–Agent Theory)، وهو نموذج تحليلي معروف في العلاقات الدولية يدرس العلاقة بين جهة داعمة قوية (الأصل) وجهة منفذة أضعف (الوكيل)، حيث يقدّم الأصل الموارد والتوجيه مقابل التزام الوكيل بتحقيق أهدافه. (راجع: Kiewiet & McCubbins, 1991؛ Hawkins et al., 2006).( عبد الحميد، كاظم علي ،(2014)، "نظرية الوكالة في العلاقات الدولية")
هذا لا ينفي صدق عقيدة الحزب، ولا يهون من تضحياته، بل يضع الأمور في سياقها:
• الحزب نشأ من رحم مقاومة ضد الاحتلال
• التقت أهدافه مع أهداف إيران في مواجهة إسرائيل
• تقاسما نفس العقيدة الإسلامية المقاومة للظلم
• فدخل في شراكة استراتيجية مع إيران وفّرَت له البقاء والنمو
لكن في نهاية المطاف، تظل الدولة العميقة الإيرانية — ممثلةً بأجهزة الأمن والحرس الثوري — هي من يحدد سقف حركة الحزب وخياراته المفصلية، حفاظًا على المصلحة القومية الإيرانية قبل كل شيء.
وفق منطق العلاقات الدولية، وحسب نموذج الأصل–الوكيل، فإن إيران — من خلال أجهزتها العميقة (الحرس الثوري، الاستخبارات، المؤسسات العقائدية) — تحتفظ بالقرار النهائي بشأن بقاء الحزب أو إضعافه، إذا ارتأت أن مصالحها الاستراتيجية تتطلب ذلك. فالدول، في نهاية المطاف، لا تتحرك بالعواطف، بل بميزان المصلحة القومية، وهو ما يجعل كل وكيل (مهما عظُم دوره) خاضعًا لإرادة داعمه.
ولكي لا تبدو هذه العلاقة غريبة عن المجتمع اللبناني، يجدر التذكير أن معظم القوى السياسية اللبنانية الكبرى مرّت بعلاقات أصل–وكيل مشابهة خلال الحرب الأهلية وما بعدها. ( راجع : ق قصير، سمير. (2004) أمراء الحرب وأزمنة السلم"، بيروت، دار النهار) و (طرابلسي ، فواز ، تاريخ لبنان الحديث من الامارة الى اتفاق الطائف)
لكن هنا يبرز سؤال جوهري:
هل يعني ذلك أن المقاومة في لبنان ستنتهي إذا انتهى الحزب أو ضَعُف؟
الإجابة: طبعا لا.
لأن المقاومة لم تكن وليدة إيران بحد ذاتها، بل كانت ثمرة ظلم تاريخي وقع على الأرض وأهلها. الذين حملوا السلاح ودافعوا عن القرى والبلدات اللبنانية، هم أبناء هذه الأرض. والذين استشهدوا لتحريرها هم أبناء هذه الأرض.
هنا يجب أن نتذكّر أيضًا أن المقاومة نشأت أصلاً في ظل غياب الدولة اللبنانية عن حماية مواطنيها، وعجز جيشها آنذاك عن التصدي للاحتلال الإسرائيلي الذي اجتاح الجنوب. هذا الغياب البنيوي هو ما دفع الناس إلى تأسيس مجموعات مقاومة شعبية، سدّت الفراغ الأمني ودافعت عن كرامتهم وأرضهم، ولجأت بطبيعة الحال إلى دعم خارجي لتحصين نفسها في مواجهة عدو يفوقها قوة وعدة.
اليوم، الداعم هو إيران، وغدًا قد يولد ألف داعم آخر — لأن فعل المقاومة فعل مستمر لا يموت، متجذر في الناس، ويتكيّف مع ظروفهم، ويتخذ أشكالًا مختلفة بحسب الزمن والتموضع السياسي.
يمكن للحزب أن يضعف أو يُغيَّب بفعل حسابات كبرى، لكن لا يمكن اقتلاع فكرة الدفاع عن الأرض والحق من وعي الناس. هذه الفكرة ستجد دائمًا من يحملها، حتى لو تغيّر الاسم والشعار والداعم.
وبذلك، فإن من يفهم قواعد العلاقات الدولية يدرك أن الأذرع العسكرية تظهر وتختفي، بينما تبقى قضية الأرض والحرية قادرة على توليد مقاومة جديدة كلما تجدد الخطر، في أي زمان ومكان.
الخاتمة
إن توصيف علاقة الحزب بإيران من منظور علم العلاقات الدولية لا ينتقص من قيمة المقاومة، ولا من شجاعة من حملوا السلاح ودافعوا عن أرضهم، بل يضع الأمور في إطارها الواقعي: جماعة مقاومة انطلقت من معاناة أبناء الأرض، ثم استندت إلى دعم دولة كبرى تشترك معها في العقيدة والهدف.
قد يتغير هذا الدعم بفعل حسابات المصالح أو تقلبات السياسات، وقد تتدخل الدولة العميقة في إيران لتعيد ترتيب أولوياتها، فتضعف الحزب أو تستبدله إذا اقتضى الأمر. ومع ذلك، فإن جذوة المقاومة لا تموت، لأنها أعمق من الأسماء والشعارات، وهي فعل متجذر في ضمير الناس وإرادتهم.
سيبقى أبناء الأرض هم أصحاب الكلمة الفصل متى تجدد الاحتلال، وسيجدون حتمًا من يساندهم، لأن الحق يولّد دائمًا حلفاء، حتى لو تغيّر الزمان والتموضع.
وهكذا، فإن قراءة هذه العلاقة بمنطق علم العلاقات الدولية تمنحنا نظرة هادئة، لا تقديس فيها ولا تهجم، بل فهم متزن لحركة التاريخ وصراع المصالح، دون أن ننسى أن إرادة الشعوب هي الأصل، وهي التي تصنع المقاومة وتعيد إنتاجها مهما تبدلت الظروف.
#مي_حسين_عبدالله
تعليقات: