راشد شاتيلا: ستبقى فلسطين، بكل أبعادها التاريخية والإنسانية، اختبارًا حيًّا لصدقية المواقف
لم تكن فلسطين، في أي مرحلة من مراحل التاريخ الحديث، مجرد أرض محتلة أو ملف سياسي قابل للتفاوض، بل كانت دائمًا قضيةً أخلاقية بامتياز، تختصر جوهر المظلومية العربية، وتعكس عمق التحدي القومي في وجه مشاريع الإلغاء والتفكيك.
لقد شكّلت فلسطين، منذ نكبة عام 1948، محور الوعي العربي، ليس فقط لكونها وطنًا سُلب من شعبه، بل لأنها أصبحت رمزًا يتجاوز حدود الجغرافيا إلى عمق الضمير العربي والإنساني. ومن المؤسف أن هذه القضية التي كانت يومًا على رأس أولويات الدول والشعوب، أصبحت في بعض الخطابات قضية مُرحّلة ، في ظل انشغال الداخل العربي بأزماته المتعددة.
لكنّ الحق لا يُبطل بالتقادم، ولا تُلغيه الاضطرابات الإقليمية. فالشعب الفلسطيني، بما يُمثله من صمود يومي في الداخل والشتات، يُعيد في كل لحظة التذكير بأن الكرامة لا تُقاس بالبيانات، بل بالفعل. وبرغم التحديات الهائلة، لم يتنازل عن حقه، ولم يفقد بوصلته، وظلّ يتمسك بثوابته وفق منطق القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وهنا، لا بد من التوقّف أمام واجب عربي لا يسقط بالتعب أو التراخي. فالدعم الحقيقي لفلسطين لا يُقاس بما يُقال، بل بما يُنجز سياسيًا، دبلوماسيًا، إعلاميًا وإنسانيًا. والمطلوب اليوم ليس فقط تأكيد الموقف، بل صياغة استراتيجية عربية عقلانية، تحمي الحقوق وتُبقي فلسطين في قلب الحضور الدولي.
إن الالتزام بفلسطين لا يتناقض مع الواقعية السياسية، بل يُعبّر عن رؤية متوازنة، تعطي الأولوية للحق، وتحفظ الكرامة، وتحمي المصالح العليا للأمة.
ستبقى فلسطين، بكل أبعادها التاريخية والإنسانية، اختبارًا حيًّا لصدقية المواقف، وميزانًا حقيقيًا للأخلاق السياسية. ومن لا يستطيع أن يُنصف الحق، فعلى الأقل لا يجب أن يشارك في تهميشه. فالقضية لم تمُت، ولن تموت، لأنها ببساطة تختصر حلم الإنسان العربي بالحرية والعدالة.
راشد شاتيلا
تعليقات: