من رثاء الروح إلى مسرح الهوية: تحوّلات العزاء الشيعيّ

عاشوراء الضاحية الجنوبية حزب الله (Getty)أتت عاشوراء هذا العام مثقلة بجرحٍ لم يندمل (Getty)
عاشوراء الضاحية الجنوبية حزب الله (Getty)أتت عاشوراء هذا العام مثقلة بجرحٍ لم يندمل (Getty)


منذ عامٍ بالتمام، وبالتزامن مع العاشر من محرّم، نشرت صفحة"Heritage and Roots" – تراث وجذور – للمؤرخ اللّبنانيّ شارل حايك، على منصاتها الافتراضيّة، مقطعًا مصورًا (رابط الفيديو على فايسبوك) يظهر سيدات جنوبيات يردّدن "ندبية" وهي قصيدة رثاء مغناة، بلهجةٍ لبنانيّة جنوبيّة. سيدات يضعن أغطيةً بيضاء فضفاضة على رؤوسهن فيما ينسل منها شعرهن، يترنحن بتباطؤ، يتراقصن، يحركن أيديهن تارةً في الهواء أو يلطمن صفحة صدورهن وأحضانهن بحنوٍّ وخفة، بينما تبرق أعينهن بحزنٍ شفيف، إحياءً للمراسم العاشورائيّة.. وذيل المقطع، المصور في العام 1985 ليتمّ عرضه ضمن فيلم "زهرة القندول" لمي المصري وجان شمعون في العام نفسه، بعبارةٍ واحدة: "التراث الثقافي اللبناني في عاشوراء، تقليد شبه مهدد بالانقراض". واجتاح – نمطيًّا – بعدها بساعاتٍ قليلة وسائل التواصل الاجتماعيّ، وسط جمهورٍ من المتحسرين وآخر من المستنكرين والمقارنين بين مشهد العزاء سابقًا وحاليًّا، ناهيك بالشامتين. وهذا بالجدال المكرّر حدّ الابتذال.

ولو أن صدرنا ضاق قليلًا، ولو كنا أكثر اتقادًا بالنوستالجيا البليدة ومقتنعون بدوغما لبنان الحلم الذي تتلاقى فيه الثقافات لتفرش حقلًا من الورود الملّونة لذرفنا دمعتي شوقٍ وحسرة على تراثنا الآفل أوّلًا، ثمّ زدنا بيتًا على شعر جموع المحلّلين لسيكولوجيّا الطائفة الشيعيّة وتحوّلاتها السوسيولوجيّة والسياسيّة في الأربعين سنة الماضية. لكن، بما أنّ هذين الشرطين غير متحقّقين، وبما أنّ صدْرنا أوسع، فلن نفعل ذلك. لن تقرؤوا (ولو أردتم) في هذا النصّ عباراتٍ من قبيل: "هذه أفعال الاحتلال الإيرانيّ في لبنان" (نعلم، نغمةٌ مكرّرة حدّ الكليشيه)، أو "تحوّل المجلس العاشورائيّ إلى تجارةٍ في الحزن والواقعة الكربلائيّة"، أو أنّ "الطائفة الشيعيّة – ما بعد حزب الله – صارت طائفةً إكزوتيك بعاداتٍ إكزوتيك".

لن نقول ذلك ببساطة، لأنّ النظريّات القائلة إنّ التحوّلات السياسيّة بعد الحرب الأهليّة وبروز حزب الله لاعبًا أساسيًّا أدّيا إلى تسييس طيفٍ واسعٍ من العادات والطقوس الثقافيّة والدينيّة لدى الطائفة الشيعيّة، وأسهما في تغيّرها تغيّرًا جذريًّا بنيويًّا، وحوّلاها، في المقابل، إلى وسيلة تعبيرٍ عن القوّة السياسيّة والهويّة الطائفيّة المتجدّدة، كافيةٌ ووافية. ثمّ إنّ مشهد النسوة الجنوبيّات قبل نحو أربعين عامًا (في أوج الحرب الأهليّة والصراع جنوبًا) يوثّق، بحدّ ذاته، لحظات أدائهنّ الطقس الجنائزيّ، أو أحد وجوهه العقائديّة المتمثّل في العزاء والحزن العاشورائيّ، بكلّ ما يحمله من دلالات. وهو مشهدٌ يحتمل أن يقارب على نحوٍ محايث، بعيدًا عن إسقاطاتنا – البريئة منها والمسيّسة – المنطلقة من ضيق صدرٍ "صوابيّ"ّ (political correctness) أو منزعنا البراغماتيّ لفهم الظاهرة.

وإن كنّا لا نجزم بأنّ المقارنة بين الماضي والحاضر، في هذه الحالة، غير مشروعة، فإنّها مقارنةٌ لئيمةٌ بين عفويّةٍ وتواضعٍ سابقين وبين بهرجةٍ وتمويلٍ حاليّين. وهي تستدعي، بالمقابل، تساؤلًا جوهريًّا غفل عنه معظم من علّقوا على هذا المقطع وسواه من التوثيق البصريّ والمدوّن للتراث اللبنانيّ: كيف تحوّلت أدبيّات وفنون الرثاء والتأبين من تعبيرٍ إنسانيٍّ بحت إلى حدثٍ سياسيّ؟ وكيف تغيّر "الحزن الشفيف" -أي ذاك الذي ألهب قرائح شعوب المشرق العربيّ والشرق الأوسط، ومنها لبنان- من شعورٍ تلقائيٍّ صادق، ولا سيّما لدى الطائفة الشيعيّة، إلى حزنٍ مفتعلٍ سياسيٍّ بهذا الحجم؟ وكيف انتقل دور النساء تحديدًا، في التعبير عن الحزن، من دورٍ محوريٍّ وعضويّ في حدثٍ بالغ المشهديّة، إلى دورٍ عرضيٍّ بالغ التزمّت؟

الحزن الشفيف كشعورٍ عامّ ومتأصّل؟

بدايةً، يعتقد عددٌ واسعٌ من المؤرّخين والباحثين أنّ شعوب المنطقة العربيّة، ولا سيّما في الشطر الشماليّ من المشرق العربيّ، تميّزت نصوصها الأدبيّة وفنونها، منذ صيرورتها الأولى، بالميل إلى الحزن وغلظ الهمّ. يوثّق ذلك أقدم لوحٍ كتابيّ لملحمة "جلجامش" الذي يضمّ أوّل إشارةٍ إلى الحزن والرثاء والتأبين في بلاد ما بين النهرين؛ إذ يرى جلجامش جسد صديقه "إنكيدو" وقد مات ميتةً تراجيديّةً، فيناديه قائلًا: "أيّ نومٍ هذا الذي غلبك واستولى عليك؟". وعلى مدى سبعة أيّامٍ، يظلّ جلجامش ينتف شعره ويمزّق ثيابه، متجوّلًا خارج أسوار مدينة أوروك السومريّة في جنوب العراق. وفي أحد نصوص الملحمة يقول: "لقد حلّ الحزن في جوفي" و"أصبحت خائفًا من الموت، وأجول في البريّة".

وبذلك يكون هذا اللّوح أوّل توثيقٍ لطقوسٍ جنائزيّةٍ فرديّةٍ وتلقائيّةٍ أقامها جلجامش كردّ فعلٍ مباشر على الفقد، وهي طقوسٌ لا تزال شعوب المنطقة تمارسها إلى اليوم عند وقوع الموت (نتف الشعر، لطم الصدر، النحيب والرثاء، تمزيق الملابس، إيذاء النفس، الرقص والغناء، و"التشحير": تلويث الوجه والظاهر من الجسد بالفحم). ومن هذه الممارسات تناسلت عاداتٌ ارتبطت ارتباطًا مباشرًا بتاريخ منطقةٍ كانت دائمًا تموج بالاقتتال والشّقاق. صار التعبير عن الأسى الناجم عن الفقد والانفصال أدبًا وفنًّا مستقلّيْن عن الهمّ الوجوديّ، وأحد أشكال "التعويض" القاسي، وطريقةً دراميّةً للتعبير عن انهيار شيءٍ عزيزٍ على سكّان هذه الجهات، يستحضر عند الحاجة.

وانتقل جانبٌ غير هيّنٍ من هذا الإرث إلى بلاد الشام، الّتي كان لها همومها الخاصّة؛ فتأثّرت فنونها -ونتحدّث هنا عن الموسيقى خصوصاً- بهذه الطقوس، كما نرى في الفنّ الفراتي والبدويّ والموال والزّجل اللبنانيّ. وقد انطبعت الفنون الثوريّة بهذه الصبغة أيضًا، كما بدا جليًّا في ثيمة أغاني ثورات "الربيع العربيّ". وممّا لا لبس فيه أنّ الذائقة الموسيقيّة لسكّان هذه البلدان تأثّرت بالحزن والشّجن اللّذين يغلبان على المزاج العامّ والذات الجمعيّة في هذه البقعة؛ فتأثّرت الموسيقى العربيّة بدلالتيْهما بدورها. ولعلّ غلبة استعمال المقامات ذات النّفس الحزين -كالصّبا والكرد والنّهاوند، وغيرها من المقامات الأساسيّة والفرعيّة- على المقامات المبهجة أو الحماسيّة في الأغاني والموسيقى العربيّة خير دليلٍ على ذلك.

تسييس الحزن لا احتلاله

وإنْ كنّا لا نستحضر بإسهابٍ التراث الثقافيّ المتراكم لسكّان المشرق العربيّ، فذلك إنّما للتأكيد على أنّ هؤلاء ابتدعوا عاداتهم الخاصّة للتعبير عن شعور الأسى والتّرح والكدر المفطور على الفقد أو الحسرة. وهذا بالضبط ما يجعل مشهد تغيّر هذه العادات مستغربًا؛ وخصوصًا أنّ مشهد النّسوة، بمناديلهنّ البيضاء الّتي يلوّحن بها في الهواء، وأغطيتهنّ الناصعة الّتي تنسدل عن رؤوسهنّ، ونواحهنّ باللهجة المحكيّة التلقائيّة المفهومة، وأثوابهنّ السّوداء، وأصواتهنّ المتداخلة في سيلٍ من الانتحاب والنّواح، وعيونهنّ المغلّفة بشيءٍ من الدّعة والقنوط، وأطفالهنّ، وموقعهنّ الجغرافيّ في قلب الجنوب -جبل عامل بما يحمله من رمزيّةٍ نكوبةٍ- كان كولاجًا متكاملًا يختزل تاريخًا من ثقافة الحزن الضاربة جذورها في عمق وجدان شعوب المنطقة. هذا المشهد، قبل أن يكون احتفاليّةً عقائديّةً، كان التجسيد المطلق لهذه الثيمة، بحميميّتها وصخبها وأبهتها.

غالبيّة المصادر التاريخيّة، ترى أنّ التحوّل وقع عبر ثلاث آليّات متشابكة منذ منتصف الثمانينيّات: أوّلًا نقل الطقس من باحات البيوت إلى الشارع العام وما استتبعه من تنظيم أمنيّ؛ ثانيًا تبنّي سرديّات المقاومة الّتي صاغها حزب الله فصار العزاء بيانًا سياسيًّا بقدر ما هو طقسٌ ديني؛ ثالثًا اقتصاد الانفعال الذي أعادت وسائل التواصل إنتاجه، فجعلت من اللطميّة محتوى معوْلما يبحث عن "لايك" أكثر مما يبحث عن دمعة.

ويفسر عدد من المؤرخين تغير المشهد العام للعزاء وتحديدًا المرتبط بعاشوراء، والذي كان يقام على نطاقٍ محدود وتلعب فيه النساء الدور الأبرز، باعتبار أنّه كان يقام في المنازل، واعتبروا أن ظهور إحياء شعائر عاشوراء في العلن بدأت بجبل عامل وحصل ذلك في العهد العثمانيّ، وبدأ في النبطية من خلال الجالية الإيرانيّة الّتي حصلت على ترخيصٍ خاص من الخارجيّة العثمانيّة أو من الباب العالي لإحياء المراسم بشكل رسميّ. وكانت "اللطميات" والندبيات تردّد باللغة الفارسيّة في النبطية، وسرعان ما أثارت إعجاب أهالي النبطية الذين كانوا يندسون في المواكب ويرددون بعض الكلمات الفارسية لتضليل العسكر العثمانيّ المحيط بحلقة الإحياء. بعد زوال الحكم العثماني، بدأت المراسم تنظّم بشكل مشترك بين الإيرانيين وأهالي النبطية، وبقيت المسرحية باللغة الفارسيّة، ثم ترجمت النصوص إلى العربية سنة 1926، فصار الجمهور المحلّي يردّدها بلا حاجة إلى الاستعارة الفارسيّة.

في هذه الحقبة تحديدًا، تأثّرت المراسم العاشورائيّة أوّلًا بالتقليد الإيرانيّ، ثمّ بالصّبغة العراقيّة التي طغت لاحقًا بفعل حركة الهجرة التعليميّة لطلّاب الحوزة الدينيّة في العراق. واستمرّ الوضع على ما هو عليه حتّى بدايات تسلّل تأثير الثورة الإسلاميّة إلى لبنان، فتأسيس حزب الله لاحقًا. وترجّح بعض المصادر أنّ المنعطف الأبرز وقع في 16 تشرين الأوّل 1983، حين دخلت قافلةٌ إسرائيليّةٌ وسط الموكب العاشورائيّ في النبطية، فقتل شابٌّ وأصيب آخرون. فجعلت تلك الحادثة، وما تلاها من اغتيالاتٍ وقصفٍ متكرّر، دم الحسين يتقاطع مع دماء "الشهداء" الأحياء، ومهّدتْ لحضورٍ سياسيٍّ تعبويٍّ صريحٍ لنواة حزب الله الناشئ.

وفي السّياق السياسيّ والاجتماعيّ الأوسع، يمكن النظر إلى هذا التغيّر بوصفه جزءًا من إعادة تشكيل الهويّات الدينيّة والسياسيّة في لبنان، ولا سيّما في ظلّ التحوّلات التي شهدها المجتمع الشيعيّ منذ الحرب الأهليّة وما بعدها. فمنذ حرب تمّوز 2006 تسارع "التضخّم البصريّ": منصّاتٌ مرتفعة، إضاءةٌ مسرحيّة، مضخّمات صوتٍ حيّ، وطائراتٌ مسيّرةٌ تنقل العزاء مباشرةً إلى ملايين الشاشات. وتقدّر كلفة بعض المجالس الكبرى في عامي 2024–2025 بمئات آلاف الدولارات، فيما تتنافس البلديّات على من يرفع مجسّم الخيمة الأكبر، أو يبتكر مؤثّرًا ضوئيًّا أحدث. بالتوازي، ارتقى المنشدون باللّطميّة من مقامات صبا وكرد البطيئة (نحو 60 نبضة في الدقيقة) إلى نهاوند ورسْت وعجمٍ حماسيّةٍ تتجاوز 100 نبضة، مع إيقاع 6/8 وأوركسترا كاملة؛ تحوّلٌ موسيقيّ-انفعاليّ يجعل المستمع أقرب إلى نشيدٍ حزبيّ منه إلى رثاءٍ وجدانيّ.

اليوم بات ارتباط هذه الطقوس أوضح بالواقع السياسيّ والعسكريّ المباشر، ولا سيّما بعد انخراط حزب الله في المقتلة السوريّة واستثماره الحدث في سياقٍ عقائديّ. هكذا تحوّلت قصيدة الرثاء المغنّاة – التي كانت تؤدّى على مقامٍ بطيءٍ حزين – إلى أغنيةٍ ثوريّةٍ حماسيّةٍ؛ وهو ما يتبدّى جليًّا عند تفكيك نصوص هذه القصائد المستحدثة. بلغت "رقمنة" الحزن حدًّا جعل 68 في المئة من مقاطع ‎#latmiyyat على تيك توك تستخدم فلاتر الدمّ واهتزاز الكاميرا لتحظى بمكافأةٍ أعلى في خوارزميّة التوصية. وقد أظهر تحليلٌ أجري عام 2024 لبيانات المنصّة أنّ الفيديو الأسرع إيقاعًا والأكثر مؤثّراتٍ هو الأوفر حظًّا في الوصول إلى المشاهد؛ ما يدفع المنشدين إلى مزيدٍ من التصعيد البصريّ-السمعيّ، ويغذّي حلقةً لا تنتهي من الانفعال الممنهج.

النساء بين النواحات والمنظمات؟

وما تحول دور المرأة في الطقوس العاشورائيّة إلا انعكاس لهذه التغيرات الاجتماعيّة والسّياسيّة العميقة في المجتمع الشيعي اللّبنانيّ. وحيث كانت النساء تلعب دورًا مركزيًا في التعبير عن الحزن والألم خلال الطقوس العاشورائيّة، والتي تعتبر من أهم الأحداث الدينيّة في المجتمع الشيعي. وكان هذا الدور يشمل النواح والرثاء بشكلٍ علنيّ وجماعيّ (كان هناك نوّاحات)، مانحًا النساء مساحة للتعبير عن مشاعرهن والمشاركة الفعّالة في الطقوس الدينيّة. وأبرز الأمثلة على هؤلاء هي الحاجة حسيبة عبد الله هاشم بدير (1926 – 1992)، المشهورة في النبطية وبجنوب لبنان، وكانت قارئة عزاء ومنشدة مواويل وزجل شعبيّ، حتى لقّبت بـ"خنساء النبطية" لشهرتها في مراثي الإمام الحسين وأهل بيته. وسرعان ما بدأت هذه الأدوار تتغير لتصبح أكثر تقيدًا وعرضيّة. وهذا تناولته "المدن" تفصيليًّا في مقالٍ سابق لها تحت عنوان:" لماذا تحجب صور النّسوة وأسماؤهن.. ضحايا الحروب؟"

عاشوراء بعد الحرب: تجسيد الجرح وتجديد المظلوميّة

كما وأنّه من النافل القول، إنّه وبعد الحرب الإسرائيليّة الأخيرة على لبنان وما خلّفته من دمارٍ في الضاحية الجنوبيّة والجنوب، دخلت عاشوراء هذا العام مثقّلة بجرحٍ لم يندمل وشعورٍ جمعيّ بالمظلوميّة: حمل المشاركون صور من سقطوا في الغارات على بيروت والنبطيّة، رفرفت لافتاتٌ سوداء يجاورها وجه الشهيد والطفل اليتيم، وتعاظمت الهتافات التي تمزج "يا حسين" بـ"لبيك يا نصرالله"؛ هكذا امتزج دم كربلاء بدم المعارك الأخيرة، فصار العزاء استعراضًا للثبات بقدر ما هو بكاء، وتحوّلت اللطميّة إلى نشيدٍ يعلن أنّ خسائر الحرب امتدادٌ لـ"جرح الظلم" نفسه الذي وسم المخيّلة الشيعيّة منذ واقعة الطف.

واليوم، وبين خطاب "الأصالة" الذي ينوح على ما فقد، وخطاب "الابتكار" الذي يحتفل بما استحدث، تدور عمليّةٌ يومية لإعادة تعريف العزاء. والحال فإنّ الحزن لا يحتلّ ولا يزيّف بالكامل؛ إنّه مادةٌ طيّعة يعيد الفاعلون -من رجال دين ومنشدين وتقنيّي صوت وإعلاميين وقادة أحزاب- صبّها كلّ سنة وفق موازين القوّة وحساسيات الجمهور. لذا قد لا يكون السؤال: "أيهما أصيل وأيهما مفتعل؟" بل "كيف يركّب الحزن، وبأي وسائط، ولصالح من؟".

تعليقات: