ضحايا الزواج المدني وجنسية الأم يراهنون على عدالة العهد الجديد

زواج مختلطلا تزال آلاف العائلات تعيش واقعاً قانونيا هشاً وتنتظر الشعور بالأمان والعدالة والمساواة (Getty)
زواج مختلطلا تزال آلاف العائلات تعيش واقعاً قانونيا هشاً وتنتظر الشعور بالأمان والعدالة والمساواة (Getty)


ماما... أنا لبناني؟

لم يكن سؤال آدم مجرّد فضول طفولي، بل صدى قلق يسكن طفلًا في السابعة من عمره، وانعكاساً لتشكيك يسمعه في محيطه. تسكت رنا رامز للحظة، تحتضن يده الصغيرة، وتجيب: "إنت ابني... من قلبي... والورق؟ لا يمكن ان يقرر من نحن".

قد يبدو إثارة موضوع إعطاء المرأة جنسيتها لأبنائها تفصيلا اليوم، وسط التحديات الكبرى التي يعيشها البلد، لكنها قضية حيوية لآلاف العائلات ومستقبل أبنائها.

رنا مثال. هي امرأة لبنانية ثلاثينية، تزوّجت من هاني، شاب سوري، بعقد مدني في قبرص، بعيدًا عن قيود الزواج الطائفي الذي لا يعترف بالعابرين للجغرافيا أو الدين. عادا إلى لبنان على أمل تأسيس حياة عائلية هادئة، لكن اصطدما بحقيقة مرّة: زواجهما غير مُعترف به رسميًا، وأطفالهما يعيشون بوضع قانوني "معلّق".

"رجعنا نحمل حباً ودفتراً عائلياً، ووجدنا أنفسنا في دوامة إقامة وتجديد ورفض"، تقول رنا بصوتها المتعب.

زوجها هاني، الذي يعمل من المنزل كمبرمج، يشعر بأنه "لا أحد" في الأوراق الرسمية.

"أنا مجرد ظل، حتى أولادي محرومين من الجنسية، كأنهم أولاد مؤقتين في بيت أمهم"، يعلّق هاني بأسى.

الضرر النفسي بدأ يزحف بهدوء على طفليهما. آدم أصبح صامتًا في المدرسة، يخاف أن يُخطئ، يبالغ في الالتزام. وسلمى، الأصغر، ترفض أن تترك يد والدتها، وتبكي كلما غابت عن ناظرها.

"صاروا يسألون إذا بيتنا بيت أو إقامة... وإذا باب المدرسة يمكن أن يقفل بوجههم"، تقول رنا، وقد اختلط الحزن بالغضب.

القلق يُعاش في كل لحظة وخطوة وقرار. رحلة مدرسية تستدعي تفكيرًا طويلًا: "رح يتقبلوا أولاد من زواج مختلط؟ رح يسألوا عن الأوراق؟ عن الإقامة؟"، تسأل نفسها كل مرة. وتضيف: "كأننا نعيش حياة ممنوعة".

القانون كعبء يومي

المشكلة لا تتوقف عند الاعتراف بالزواج. القانون اللبناني يمنع المرأة من منح جنسيتها لأولادها أو زوجها. في المقابل، يمنح الرجل هذا الحق تلقائيًا. هذا التمييز لا يخلق فقط فجوة قانونية، بل يعمّق شعورًا بالذنب والعجز لدى الأمهات.

تعبّر رنا عن هذا الحمل الثقيل بقولها:"أشعر أنني مسؤولة عن شعورهم بعدم الانتماء. فلا ورقة رسمية تحميني، أو تحميهم".

هاني، من جهته، بدأ يفقد ثقته بنفسه كرجل ورب أسرة. يقول بأسى"ينظر إليّ الناس كشخص من درجة ثانية، وكأنه لا حق لي لأربي أولادي ببلد أمهم". وقد بدأ ينسحب تدريجيًا من الحياة الاجتماعية، حتى من لقاءات الأهل، خوفًا من النظرات والكلام الهامس.

يراهن رنا وهاني على "العهد الجديد" في تغيير هذا الواقع المأساوي بالنسبة إليهما وللمئات من أمثالهم. يعتبران أن "الرئيسان جوزاف عون ونواف سلام يملكان الحسّ الانساني والقانوني وينحازان للعدالة"، لذا يتمنيان أن يجد هذا الملف حلاً قريباً.

قصتهما ليست حالة فردية. تشير دراسات تربوية إلى أن أكثر من نصف المراهقين في لبنان، الذين يعيشون في أسر مختلطة، يعانون من اضطرابات نفسية مضاعفة بفعل الانقسام القانوني والديني.

غياب الاستقرار القانوني يصير عبئًا يوميًا يتوزّع على الزوجين والأطفال مثل شظايا لا يراها القانون، لكنها تؤلم كل لحظة.

"إضافة إلى مشكلتنا بالقانون، المشكلة أيضاً بنظرة المجتمع الذي لا يعترف بنا كعائلة"، تقول رنا، وتكمل: "لماذا علينا أن نعيش بنصف انتماء؟ أليست الأم وطنا"؟.

الطريق إلى الإصلاح يبدأ، بحسب خبراء القانون والأسرة، بإقرار الزواج المدني داخل لبنان، تعديل قانون الجنسية ليشمل حق المرأة، إصلاح قوانين الحضانة، وتوفير خدمات الدعم النفسي والقانوني للعائلات المختلطة.

رنا لا تطلب الكثير. فقط تطلب أن تكون قادرة على ضم أطفالها من دون قلق إداري، أن يعيشوا يومًا عاديًا دون خوف من التجديد، أن تسير معهم في الشارع من دون أن تسأل سلمى: "ماما، إذا الشرطي شاف بابا، بيقول عنّا شي؟"

"لا تطلب رنا الكثير. تريد وطناً يعترف بأولادها فهم ليسوا مؤقتين. إحنا عيلة... بدنا نعيش".

القوانين والمعوقات

إلى اليوم، ورغم المطالب الحقوقية المتكررة، لا يزال قانون الجنسية اللبناني يحصر حق نقل الجنسية بالأب. ومنذ سنوات تقدم نواب مستقلون وهيئات مجتمع مدني، مثل حملة "جنسيتي كرامتي" بمشاريع قوانين لتعديل القانون. وقدم بعضها إلى لجنة المرأة والطفل النيابية. وتؤكد عدد من الناشطات في هذا المجال أنه "إلى اليوم، ورغم بدء مناقشة الاقتراحات في اللجنة النيابية، الاّ أنه لم يُقر أي تعديل فعليّ. والأمور تراوح مكانها". وتضيف"بعض الوزارات أصدرت تدابير تسهّل تجديد الاقامة كل ثلاث سنوات وبعض التسهيلات الأخرى كالتسجيل المدرسي أو العمل، لكنها قرارات استنسابية ومهددة بالالغاء او التعديل عند أي تغيير وزاري مثلا". وتقول "يستخدم بعضهم المخاوف الديموغرافية لمنع الاصلاح متحججين أن غعطاء الأم جنسيتها لاولادها قد يؤدي إلى تغيير طائفي أو حزبي في التوازن السكاني، خصوصاً في ما بتعلق باللاجئببن الفلسطينيين أو السوريين، وهي حجة غير مدعومة بأي بيانات أو دراسات علمية".

ومع ذلك، القضية لا تزال مفتوحة والرهان على "العهد الجديد" بأن يقارب الموضوع بعدالة، فيجنب آلاف العائلات مشاعر "الضحايا" المهمشين.

تعليقات: