الحاج صبحي القاعوري
إن من يتولى مسؤوليات عامة يتعرض بطبيعة الحال للنقد، سواء أصاب الناقد أم جانب الصواب، لأنه يرى الأمور من زاويته الخاصة، غالبًا مايركز على ظاهرها دون الاطلاع على ما يجري خلف الستار.
سماحة الشيخ نعيم قاسم، لا شك أن قبولكم بتحمل مسؤولية أمة يوازي في ثقله جبل الشيخ، بل يزيد، قرار شجاع لا تُحسدون عليه. ومع ذلك، يبقى النقد حقًا مشروعًا ومطلوبًا، ما دام يهدف إلى تصويب المسار.
التزامكم الكامل بما وافقت عليه الحكومة من وقف لإطلاق النار، برعاية أميركية وفرنسية لتنفيذ القرار 1701، موقف نقدره. منحتم الدولة فرصة للحل السياسي، رغم إيماننا العميق بأن لا جدوى من المسار الدبلوماسي مع كيان غاصب لا يعترف بحق، ولا يلتزم بتعهد.
الهدف، من منحكم الفرصة للدولة ، إسكات الأصوات المطالِبة بنزع السلاح، لتصل الدولة في النهاية إلى قناعة بأن لا تحرير للأرض ولا حماية للوطن من دون مقاومة. وخلال هذه الفترة، نرى أنها فرصة لإعادة الهيكلة إداريًا وعسكريًا، على ألا يطول أمدها.
لقد أثبتت التجارب أن العدوّ لا تحترم أي قرار، ولا تعترف بأي اتفاق، ولا تؤمن إلا بمنطق القوة. ومع أن المقاومة والدولة يملكان أوراق ضغط حقيقية، إلا أنهما لم يستخدماها لدفعه إلى الالتزام بوقف إطلاق النار، عبر الرد الفوري على أي اعتداء.
وكان على الدولة، أقلّه، أن تهدد أميركا وفرنسا بسحب الجيش من الجنوب، لتتولى المقاومة مهامها كاملة. ولكن، للأسف، هذا لم يحدث، فكانت النتيجة أكثر من 200 شهيد، و450 جريح، وما يزيد عن 3750 اعتداء.
إن للصبر حدود. حتى النبي أيوب عليه السلام، الذي يضرب به المثل في الصبر، قال في نهاية محنته:
أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ (الأنبياء: 83).
أما البيئة الحاضنة للمقاومة، التي ودعت أبناءها الشهداء بالعز والفخر، وسقت الأرض الطيبة بدمائهم، لم تنظر إلى دمار البيوت، بل ردّدت: "ما رأينا من الله إلا جميلًا". لكنها اليوم تصرخ: الضرر قد مسّنا، لم يعد بإمكاننا تحمّل الإيجارات، ولاالصبر على العوز. تناجي ربها، ألا يطول صبر المقاومة، إلى ما لا نهاية.
وفي ختام المشهد، يروي المقال قصة رمزية:
مولود حديث الولادة، سمع ممرضة تقول لزميلتها: "هل توافق أميركا وإسرائيل على ورقة الرؤساء الثلاثة؟" فجاء صوت المولود يقول:
بسم الله الرحمن الرحيم -
الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ.
وكأن هذا المولود الحديث يعلن منذ اللحظة الأولى: لا ثقة بهما.
* الحاج صبحي القاعوري
تعليقات: