استهداف «القرض الحسن»: مقدمة لضغط أكثر إيذاءً

أهالي بلدة مارون الراس يتفقدون بلدتهم بعد إنسحاب الجيش الإسرائيلي منها
أهالي بلدة مارون الراس يتفقدون بلدتهم بعد إنسحاب الجيش الإسرائيلي منها


لا يمكن وضع قرار «مصرف لبنان» حظر التعامل مع «القرض الحسن» والمؤسسات الشبيهة سوى في إطار الضغط الخارجي على بيئة المقاومة، بهدف عزلها عن حزب الله.

أصدر «مصرف لبنان» قراراً حظر بموجبه تعامل المصارف والمؤسسات المالية مع «مؤسسات الصرافة غير المرخصة أو الجمعيات والهيئات غير المرخصة»، لافتاً إلى أن «من بين المؤسسات والجمعيات غير المرخصة: جمعية القرض الحسن، وشركة سيدرز إنتر.ش.م.ل.، وشركة الميسر للتمويل والاستثمار، وبيت مال المسلمين، وغيرها من المؤسسات والهيئات والشركات والكتائب والجمعيات المدرجة على لوائح العقوبات الدولية».

القرار، الذي يندرج تحت عناوين وديباجات متنوعة، جاء في ظلّ تكثيف الولايات المتحدة الضغط على حزب الله. لكنه أثار جدلاً واسعاً حول تأثيره الحقيقي: هل هو ضربة مالية للحزب كما تدّعي الجهات الغربية؟ أم هو ضربة للفئات الفقيرة التي تعتمد على هذه المؤسسات في حياتها اليومية؟

ازدواجية معايير

الجمعيات والشركات المذكورة في القرار، ومن ضمنها «القرض الحسن»، تقدم خدمات مالية واقتصادية بلا فوائد، وتُدير ودائع من الذهب والمجوهرات، وتُموِّل مشاريع صغيرة، وتساعد في تمويل التعليم والعلاج الطبي. هي مؤسسات مسجلة رسمياً في لبنان، تعمل منذ عقود، وتعتمد على التبرعات وإيداع الذهب والمصوغات الذهبية لتأمين القروض، وليس على تحويلات مالية دولية أو عمليات ربحية.

تُعامل المؤسسات المشابهة لـ«القرض الحسن» في دول أخرى كأطراف فاعلة في التنمية

وهي مؤسسات مشابهة، إلى حدّ كبير، للجمعيات الخيرية والمؤسسات المالية التي تنتشر في العالم الإسلامي، مثل: بيت الزكاة في الكويت، ومؤسسة خدمت في باكستان، وجمعيات الزكاة في إندونيسيا، والمؤسسات المالية الصغيرة في مصر والسودان. الفرق الوحيد هو السياق السياسي اللبناني، الذي تُرسم فيه علامات استفهام حول أي مؤسسة تعمل في مناطق وجود الحزب، بينما تُعامل المؤسسات المشابهة في الدول الأخرى كأطراف فاعلة في التنمية.

اتهامات بلا أدلة

ورغم الاتهامات الأميركية - الإسرائيلية المتكررة لهذه المؤسسات، غير أنه لم يتم حتى الآن تقديم أي دليل قاطع على أنها تُستخدم لتمويل الحزب أو نشاطاته العسكرية، ويعود ذلك إلى عدم وجود علاقة بينها وبين عمليات التمويل المزعومة. في الواقع، الحزب لا يستفيد مالياً من هذه المؤسسات، بل على العكس، تعتبر خسائرها الناتجة من تأخر المقترضين في السداد عبئاً مالياً على الحزب في النتيجة، وليس مصدر دخل.

لذلك، لا يمكن وضع القرار سوى في إطار حملة الضغوط الغربية والإسرائيلية المتزايدة على الحزب، ومحاولة توظيف الدولة اللبنانية فيها. وهذا النوع من الضغوط، وإن كان رمزياً من ناحية التأثير المالي المباشر على الحزب، إلّا أنه يندرج ضمن إستراتيجية متشابكة تهدف إلى: عزل الحزب عن بيئته الاجتماعية، وتشويه صورته كجهة تقدم خدمات حقيقية، وتصويره كجهة غير قادرة على حماية المؤسسات التي يُعد مسؤولاً عنها.

كما يعتبر القرار بتأثيراته جزءاً من الحرب غير المعلنة على بيئة الحزب نفسها، إذ من سيُصاب فعلياً هو الفئات المحتاجة في لبنان، التي ستفقد مصدراً مهماً لدعمها على الصعيد المالي والاجتماعي، ولا بديل لها في فاعليتها وتسهيلاتها في لبنان.

ما يثير القلق أكثر هو أن هذا القرار قد يكون تمهيداً لخطوات مستقبلية أوسع وأكثر إيذاء، وقد لا تقتصر على المؤسسات المالية فقط، بل تمتد إلى مروحة واسعة من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والخيرية والرياضية التي تقدم خدماتها في مناطق بيئة حزب الله عموماً.

لا تقرأ هذه الخطوة إذاً كإجراء مالي، بل كمدخل واضح لتصعيد مُقبل، قد تشمل تداعياته الحياة اليومية لشريحة واسعة من اللبنانيين، وهو ما قد يُثير ردود فعل من الصعب احتواؤها، ويزيد من الإرباك في المشهد الداخلي في لبنان.

تعليقات: