قضية جورج عبد الله.. حين ينحني القضاء لإملاءات السياسة

تكشف هذه القضية كيف يمكن للدول العظمى أن تحوّل القانون إلى أداة قمع (الأخبار)
تكشف هذه القضية كيف يمكن للدول العظمى أن تحوّل القانون إلى أداة قمع (الأخبار)


لم تكن قضية المناضل اللبناني جورج عبدالله مجرد محاكمة قانونية عادية، بل تحولت، على مدار أربعة عقود، إلى نموذج صارخ لاختراق السياسة للقضاء، وتزييف العدالة تحت ضغوط خارجية.

لم تكن قضية المناضل اللبناني جورج عبدالله مجرد محاكمة قانونية عادية، بل تحولت، على مدار أربعة عقود، إلى نموذج صارخ لاختراق السياسة للقضاء، وتزييف العدالة تحت ضغوط خارجية.

فقد كشفت تصريحات المسؤولين الفرنسيين والوثائق المسرّبة وقرارات الإفراج المُعطَّلة، أن ملف عبدالله كان «محكوماً مسبقاً» بأجندة سياسية، لا بأدلة قانونية.

ظلّ اسم جورج عبد الله يتردّد في أروقة المحاكم الفرنسية لأكثر من أربعين عاماً، ليس كمجرد متهم أمام القضاء، بل كضحية لنظام قضائي انحنى لإملاءات السياسة.

تكشف هذه القضية، التي تحوّلت إلى أيقونة للانتهاك المنظّم لحقوق الإنسان، كيف يمكن للدول العظمى أن تحوّل القانون إلى أداة قمع حين تتعارض المواقف السياسية مع مبادئ العدالة.

بعد 41 عاماً من الاعتقال، أعلنت وزارة العدل الفرنسية، اليوم، الإفراج عن المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، أقدم السجناء السياسيين في أوروبا، على أن ينفذ القرار في 25 تموز الجاري.

عائلة بين الأمل والحذر

يصف روبير عبد الله، شقيق جورج، معاناة العائلة بأنها «تشبه معاناة عائلات الأسرى أو الشهداء»، ويؤكد لـ«الأخبار» أن حياتهم «ظلت معلقة بانتظار العدالة، تسير وفق إيقاع هذه القضية، تارة تطفو على السطح وتارة أخرى تُنسى، لكننا نعيشها كل يوم».

ورغم ترحيبه بالقرار، لا يخفي روبير تشكيكه بسبب الخيبات السابقة، ويقول: «مررنا بلحظات كان يُفترض فيها أن يتحرر جورج، لكنها تحوّلت إلى أحلام مؤجلة. حتى اليوم، لا يزال الأمر معلقاً بين قد وربما. القانون يقول لا عائق، لكنّ السياسة قد تصنع المعجزات».

محاكمة الفكر... مقاومة أم «إرهاب»؟

يرفض روبير اتهام أخيه بـ«الإرهاب»، مستشهداً بتصريح لوزير الخارجية الفرنسي الأسبق من بيروت، ويضيف: «والده الذي قاتل النازيين وُصف في الأرشيف الألماني بالإرهابي! فكل مقاوم للاحتلال يصبح إرهابياً بعيونهم».

من جهتها، تكشف المحامية فداء عبد الفتاح لـ«الأخبار»، عن انتهاكات قانونية فادحة في القضية، مشيرة إلى اعتراف رئيس الاستخبارات الفرنسية السابق بأن الملف «مُلفَّق»، واصفاً إياه بأنه «وصمة عار على جبين القضاء الفرنسي«.

وتضيف: «13 قراراً بالإفراج جُمّدت بسبب ضغوط أميركية وصهيونية»، موضحة أن وثائق «ويكيليكس» تثبت «تورط هيلاري كلينتون شخصياً في منع إطلاق سراحه».

ضغوط دولية.. ومفارقات القضاء الفرنسي

وكان محامي الدفاع، جان لوي شالانسيت، قد أشار إلى أن القرار النهائي جاء بعد عقود من «التسييس الفاضح»، لافتاً إلى أن عبد الله كان «مؤهلاً للإفراج» منذ 1999، لكن الضغوط الأميركية، كما تكشف الوثائق، حالَت دون ذلك.

في باريس، بدأت السفارة اللبنانية إجراءات «ترحيل» جورج عبد الله، بينما حذّرت النقابية، رولا يحيى، من تدخلات إسرائيلية محتملة لتعطيل التنفيذ، في ظل تاريخ من «العبث السياسي» بالملف.

لماذا الآن؟

ترجّح المحامية عبد الفتاح أن يكون القضاء الفرنسي قد أدرك، أخيراً، أن الملف تحوّل إلى «عبء قانوني وأخلاقي»، خاصة بعد تحوّله إلى نموذج صارخ لتسييس العدالة. بينما يرى مراقبون أن المتغيّرات الجيوسياسية، بما فيها تراجع النفوذ الفرنسي في لبنان، قد تكون دافعاً لباريس نحو إنهاء هذا الملف.

ليست قصة جورج عبد الله مجرد سجلّ قانوني، بل شهادة على انتهاك العدالة لمصلحة السياسة. فبعد 41 عاماً، تبقى الأسئلة: هل يُغلق الملف حقاً؟ أم أن تاريخ 25 تموز قد يتحول إلى فخّ جديد؟ العائلة تنتظر، والقضاء أمام الاختبار الأصعب: فهل يحرّر نفسه من أعباء السياسة؟

يصف روبير عبد الله معاناة العائلة بأنها «تشبه معاناة عائلات الأسرى أو الشهداء» (أ ف ب)
يصف روبير عبد الله معاناة العائلة بأنها «تشبه معاناة عائلات الأسرى أو الشهداء» (أ ف ب)


تعليقات: