كامل جابر: ثالث صيف بلا زوار وسياحة.. جنوب لبنان سجين الحرب

آلة الحرب الإسرائيلية لم توقف استهدافها اليومي لمناطق متفرقة جنوب نهر الليطاني المشمول بالقرار الأممي 1701 (أ ف ب)
آلة الحرب الإسرائيلية لم توقف استهدافها اليومي لمناطق متفرقة جنوب نهر الليطاني المشمول بالقرار الأممي 1701 (أ ف ب)


مجمل المناطق جنوب نهر الليطاني إما مدمرة أو متضررة أو مقفلة بسبب الوضع الأمني

ملخص

تعالت مدينة صور على الجراح التي أصابتها جراء حرب الـ66 يوماً وما تلاها، مما خلف في عاصمة البحر الجنوبية دماراً كبيراً وأدى إلى سقوط عدد كبير من أبنائها ضحايا الغارات الإسرائيلية التي تكررت عليها، وأسقطت أبنية بكاملها على من فيها خلال أحيان كثيرة. المدينة شبه الجزيرة استعادت اليوم موسمها السياحي من خلال مطاعمها ومقاهيها وفنادقها المنتشرة على البحر، بعدما شرعت أبوابها باكراً خلال الموسم السياحي الحالي.

موسم سياحي ثالث تخسره المطاعم والمتنزهات في جنوب لبنان بسبب الحرب التي لم تنته بعد، على رغم قرار وقف إطلاق النار الصادر خلال الـ28 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، إذ إن آلة الحرب الإسرائيلية لم توقف استهدافها اليومي لمناطق متفرقة جنوب نهر الليطاني المشمول بالقرار الأممي 1701، وعلى طول الأراضي اللبنانية شرقاً وشمالاً وغرباً وصولاً إلى العاصمة بيروت، مما يخلق توتراً دائماً ويوقع مزيداً من القتلى والدمار، إضافة إلى منع إسرائيل سكان نحو 23 قرية أو بلدة عند الحافة الأمامية من الحدود من العودة إلى ديارهم والمباشرة بإعادة تعمير بيوتهم المدمرة كلياً ومؤسساتهم المختلفة، ومنها المؤسسات السياحية المنتشرة على ضفتي نهر الليطاني (أطول أنهار لبنان) من مرجعيون شرقاً إلى الناقورة غرباً عند الساحل الجنوبي.

ويمكن الجزم إذا ما استبعدنا مدينة صور أن مجمل المناطق السياحية جنوب نهر الليطاني إما مدمرة أو متضررة أو مقفلة بسبب الوضع الأمني السائد، وللموسم الثالث على التوالي إذ ما اعتبرنا انطلاق "حرب الإسناد" التي شارك فيها "حزب الله" من الجهة اللبنانية دعماً لغزة خلال الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بداية الحرب والتوتر، إذ يسقط يومياً قتلى تستهدفهم المسيرات الإسرائيلية وسلاح المدفعية على الطرقات وفي أزقة القرى والأحياء السكنية، وحتى داخل قرى الحافة الأمامية خلال محاولات العودة إليها.

استمرار التدمير

خلال الرابع من يوليو (تموز) الجاري، أصدرت بلدية ميس الجبل (البلدة الحدودية التي شهدت تدميراً ممنهجاً لبيوتها ومؤسساتها ومزارعها تجاوز 80 في المئة) بياناً، قالت فيه "مرة جديدة استفاق أهلنا في مدينة ميس الجبل على اعتداءات إسرائيلية متكررة، إذ أقدم العدو فجر اليوم على تفخيخ وتفجير معمل حديث للبياضات يملكه ابن المدينة الحاج صبحي حمدان في حي الجديدة على طريق عام مستشفى ميس الجبل الحكومي. فبعدما دمر معمله خلال الحرب الأخيرة أعاد صاحبه بناءه وتجهيزه على نفقته الخاصة، وبدأ العمل به منذ أسابيع قليلة، واليوم دمر بالكامل من جديد. واستكملت الاعتداءات فجراً بتفجير العدو محرك جرافة تعمل لمصلحة مجلس الجنوب في إزالة الردم في حي كركزان شمال ميس الجبل".

تختصر هذه الحادثة حوادث كثيرة تقوم بها إسرائيل يومياً بغية منع سكان هذه المناطق الحدودية من العودة إليها واستعادة حياتهم الطبيعية فيها، مما يبقي أكثر من 100 ألف من سكانها الأصليين نازحين في أماكن متفرقة داخل مدن الجنوب وقراه البعيدة نوعاً ما من الحدود وفي العاصمة بيروت، وهؤلاء يشكلون عادة حيزاً أساساً من الحركة السياحية التي كانت ترتاد المقاهي والاستراحات والمتنزهات لا سيما تلك القريبة من مجرى نهر الليطاني في أقضية مرجعيون وبنت جبيل والنبطية وصور، والذي يصب في البحر شمال مدينة صور، قرب القاسمية.

وفي مرجعيون عاصمة القضاء لم يزل الشلل يصيب المرابع السياحية بسبب ما تعانيه قرى القضاء وبلداته من تهجير مستمر، ويشمل هذا الشلل أكبر مدن القضاء الخيام التي دمرت فيها إسرائيل حيزاً كبيراً من بيوتها وقصورها ومؤسساتها، ولم تزل تسيطر بالنار على ما يحيطها من أماكن سياحية وزراعية من خلال احتلالها تلة الحمامص المشرفة تماماً على الخيام وعلى سهلها وسهول سرده والعمرة ووطى الخيام والوزاني حيث كانت تنتشر مجموعة من المنتجعات والمطاعم، وبخاصة عند ضفاف نهر الوزاني الذي يشكل امتداداً لنهر الحاصباني ويعبر شرق الخيام ويتابع نحو تخومها الجنوبية الشرقية، قبل أن يدخل إلى الأراضي السورية المحتلة.

سياحة مرجعيون خجولة

يقول إلياس اللقيس صاحب أحد المنتجعات السياحية في بلدة إبل السقي جارة مرجعيون والخيام "إذا تحدثنا عن موسم سياحي بمعنى السياحة الجدية لا يوجد موسم هذا الصيف في مناطق مرجعيون، يمكن أن تكون هناك حركة خفيفة بين إبل السقي ومنطقة حاصبيا، لكنها حركة خجولة تصبح معدومة كلما توجهنا جنوب مرجعيون ثم امتداداً نحو الغرب وصولاً إلى الناقورة. وهناك أعراس محدودة وربما أعياد ميلاد، لكن أن نقيم سهرة في نهاية كل أسبوع هذا أمر لم يعد يتكرر منذ ثلاثة مواسم متعاقبة، منذ صيف 2023". ويضيف "معظم روادنا على قلتهم هم من المغتربين، ولولاهم لما كانت هناك سياحة بالمطلق، خصوصاً أن سكان القرى الشيعية التي تحيطنا وتنتشر من مرجعيون حتى الناقورة غير مقبلين على السياحة هذا الموسم إما بسبب النزوح الذي لم ينته حتى اليوم وبعد سبعة أشهر من قرار وقف إطلاق النار، أو بسبب الحزن الدائم في أوساطهم، إذ ثمة قتلى يسقطون يومياً بسبب الاستهدافات الإسرائيلية المتنقلة، التي تستهدف العائدين إلى القرى الشيعية أو عناصر ومناصرين محسوبين على ’حزب الله‘، لذا معظم الرواد في هذا الموسم من المسيحيين والدروز، وطبعاً تراجعت أعداد الدروز أخيراً بسبب ما يحصل في السويداء السورية".

ويروي اللقيس أنه أقام عرساً لابنه طارق السبت الماضي في إبل السقي "كان هناك ما لا يقل عن 100 مشارك، معظمهم من المغتربين اللبنانيين أتوا من كندا والنرويج وأوروبا". ويتابع "ومثل هذا الحفل وهذا العدد ربما لن يتكرر كثيراً بسبب الكلفة العالية للفرد في المطاعم والمتنزهات والمنتجعات السياحية، وكذلك لن يغامر أصحابها بإيجاد فرق عمل متكاملة للمطبخ والخدمة بكلف عالية ربما لن يعوضها الزبائن المحدودون ممن يرتادون هذه المرابع حالياً". ويلفت اللقيس إلى أن اليد العاملة السورية "وبعد سقوط النظام تراجعت كثيراً بسبب عودة من كانوا يعملون في القطاع السياحي إلى بلادهم، وهذا الأمر تسبب في ارتفاع أجرة العامل بخدمة المطاعم اليومية من 15 دولاراً قبل الحرب إلى 25 و30 دولاراً حالياً".

صور مدينة فوق العادة

تعالت مدينة صور على الجراح التي أصابتها جراء حرب الـ66 يوماً وما تلاها، مما خلف في عاصمة البحر الجنوبية دماراً كبيراً وأدى إلى سقوط عدد كبير من أبنائها ضحايا الغارات الإسرائيلية التي تكررت عليها، وأسقطت أبنية بكاملها على من فيها في أحيان كثيرة. المدينة شبه الجزيرة استعادت اليوم موسمها السياحي من خلال مطاعمها ومقاهيها وفنادقها المنتشرة على البحر، بعدما شرعت أبوابها باكراً خلال الموسم السياحي الحالي، وكذلك من خلال مئات الخيام المرخصة التي تنتشر كل صيف على شاطئها الرملي ويرتادها جمهور شعبي، وتقدم مأكولات في طليعتها السمك الذي تشتهر به عاصمة القضاء و"سيدة البحر" بحسب لقبها التاريخي.

يقول عضو المجلس البلدي داخل مدينة صور الطبيب غسان فران "بدأ الموسم السياحي في مدينة صور بصورة جيدة هذا العام، والخيم البحرية التي ترخصها البلدية تعج بالناس أيام الجمعة والسبت والأحد، وتمتلئ مقاعدها وطاولاتها بالكامل، حتى الشاطئ يزدحم بالناس". ويضيف "المطاعم والمطابخ المنتشرة على الشاطئ كذلك الأمر، يمكن القول إن الوضع السياحي في صور ممتاز، لكن لا موسم سياحياً في قرى صور ومنطقتها التي لم تزل تعاني تبعات الحرب بينما الخط الحدودي فيها مدمر بالكامل، من الناقورة إلى بنت جبيل صعوداً نحو المرتفعات الشرقية القريبة من الحدود السورية المحتلة في كفرشوبا وشبعا ومزارعها".

تعالت مدينة صور على الجراح التي أصابتها جراء حرب الـ66 يوماً وما تلاها مما خلف في عاصمة البحر الجنوبية دماراً كبيراً وأدى إلى سقوط عدد كبير من أبنائها ضحايا الغارات الإسرائيلية (أ ف ب)
تعالت مدينة صور على الجراح التي أصابتها جراء حرب الـ66 يوماً وما تلاها مما خلف في عاصمة البحر الجنوبية دماراً كبيراً وأدى إلى سقوط عدد كبير من أبنائها ضحايا الغارات الإسرائيلية (أ ف ب)


يقول إلياس اللقيس صاحب أحد المنتجعات السياحية في بلدة إبل السقي جارة مرجعيون والخيام \
يقول إلياس اللقيس صاحب أحد المنتجعات السياحية في بلدة إبل السقي جارة مرجعيون والخيام \"إذا تحدثنا عن موسم سياحي بمعنى السياحة الجدية لا يوجد موسم هذا الصيف\" (أ ف ب)​​​​​​​


إلياس اللقيس
إلياس اللقيس


تعليقات: