مي عبدالله: ما بعد الهدوء..

مي حسين عبدالله: هل نُهيّئ أنفسنا لحرب فعلية، أم لحرب على الوعي؟ هل تُهدّدنا الصواريخ، أم الروايات؟
مي حسين عبدالله: هل نُهيّئ أنفسنا لحرب فعلية، أم لحرب على الوعي؟ هل تُهدّدنا الصواريخ، أم الروايات؟


حين يُستهدف الجنوب بالتهديدات، نتصدى لها بالبيانات،

أما إن جاء التهديد من الشرق، فيُستحضر الجيش…

فهل تُجزّأ السيادة؟

ينقضي شهر تموز على وقع تصعيد إعلامي عاد فجأة ليعلو في أسبوعه الأخير. تتقاطع التحذيرات والتصريحات والقراءات، فيما يتهيّأ آب ليبدأ محمّلًا بأسئلة غير بريئة عن الحرب والسلاح والمصير، بينما الأعين تترصّد أيلول…

بدا آب وكأنه هدوءٌ مشروط، أو تفاهم غير مُعلن. لا أحد تحدّث عن هدنة، لكن الجبهات التزمت صمتًا ثقيلًا، تخلله استقبال المغتربين، وانتعاش في الفعاليات الصيفية، وبعض الاستثمارات الطارئة، وكأن شيئًا ما يُدار خلف الستار. لم تُسجّل غارات كبرى، ولم تخرج إسرائيل عن نسق «الاحتواء المدروس». لا حرب، لا تصعيد كبير، ولكن لا ثقة أيضًا.

ورغم هذا الصمت العسكري، لم يهدأ الداخل. عاد الهجوم على المقاومة بلهجة أشد، وعاد الحديث عن طرح ملف السلاح على طاولة الحكومة، ولو تحت عناوين «تنظيم السلاح تحت سلطة الدولة»، في توقيتٍ تزامن مع التصعيد الإسرائيلي على البقاع، ما يُثير تساؤلات مشروعة حول تلاقي بعض الضغوط الدولية مع مناخ داخلي يتهيّأ لفتح معركة السلاح من بوابة الحكومة."

وكان لافتًا أن نبرة الهجوم على المقاومة قد خفّت لبعض الوقت، عقب تصريحات الموفد الأميركي توم براك التي حذّر فيها من «عودة لبنان إلى خارطة بلاد الشام إذا لم يُحسن معالجة ملف العلاقة مع دمشق والسلاح»، وهو ما اعتُبر مسًّا مباشرًا بالسيادة الوطنية، وفضح الخلفيات الحقيقية للضغوط المفروضة على المقاومة. لكن سرعان ما خرج من يزايد بـ«الوطنية»، مدّعيًا أن أي خطر يأتي من الحدود الشرقية أو الشمالية سيتصدّى له الجيش اللبناني، في محاولة لقطع الطريق على شرعية سلاح المقاومة. فبات الخطر القادم من الجنوب يُجابَه بالبيانات، أما الخطر من الشرق والشمال فيُحال تلقائيًا على الجيش، ضمن معادلة انتقائية تخدم خطابًا واحدًا: نزع سلاح المقاومة

أما إسرائيل، فلم تُخفِ حيرتها. فبعض تصريحاتها – كما في تقارير «هآرتس» و«قناة 12» – تعكس رغبة في الخنق بدل الحرب، في العزل السياسي بدل التورّط العسكري. تعرف تل أبيب أن معركتها الداخلية لم تنتهِ، وأن الذهاب نحو الجنوب اللبناني قد يشعل ما لا يُطفأ.

في المقابل، أعلنت وزارة التربية على فتح المدارس في موعدها، مع استثناءاتٍ محدودة في بعض المناطق الحدودية. قرارٌ يُقرأ كرسالة صمود أكثر منه إشارة استقرار. وكأن البلاد تحاول استدراج الطمأنينة من بوابة التعليم، رغم هشاشة الواقع الأمني.

في اليومين الأخيرين من تموز، بدأ الضجيج يعلو من جديد. مقابلات، تحليلات، تهديدات ناعمة وخشنة. تصريحات من رأسَي السلطة التنفيذية تلوّح بالتفاوض من جهة، وتناقش ملف السلاح من جهة أخرى. تزامن ذلك مع مؤشرات ميدانية مقلقة، أبرزها الغارات التي استهدفت منطقتي الجرمق والمحمودية في البقاع. ادّعت إسرائيل أنها ضربت منشآت لتصنيع المسيّرات. فجأة، عاد التصعيد إلى الواجهة، واهتزّت فرضية "الهدنة غير المكتوبة".

غارات الليطاني ليست نهاية صيف، بل بداية مشهد جديد. رسائلها مزدوجة: لإثارة الداخل، ولتذكير الخارج أن زمن الصمت قد ينتهي.

ووسط كل هذا، يبرز سؤال لا يُطرح في العلن كثيرًا: هل نُهيّئ أنفسنا لحرب فعلية، أم لحرب على الوعي؟ هل تُهدّدنا الصواريخ، أم الروايات؟

ربما لا تقع الحرب في أيلول، لكن حربًا من نوع آخر تتسلل: حرب على السردية، على المعنى، على البوصلة.

لا شيء أشدّ وطأة على العقل من الانتظار في الظلام.

فحين لا تنفجر الحرب، لكن يظل صوتها حاضرًا في الأذهان…

وحين يُفتح العام الدراسي على موعده، لكن الحقيبة محشوة بالقلق…

وحين تُضبط الجبهات بالصمت، لكن الشاشات تضجّ بقرع الطبول…

نكون أمام حالة لا اسم لها، إلا أنها تمهيد لما هو أخطر:

حرب تُخاض بلا قذائف… بل بالخطاب، بالإعلام، وبالخريطة السياسية.

القذائف تحرق الحقول، لكن الخطاب المشبوه يحرق الإدراك…

الغارة تُخيف لساعات، لكن السردية المضلّلة تُفكك الذاكرة والبوصلة.

فلنكن متيقظين ...

#ما_بعد_الهدوء

#حرب_السردية

#مي_حسين_عبدالله

#الغارات_الإسرائيلية

#لبنان

 #تحليل_سياسي

تعليقات: