معمل للبياضات في ميس الجبل تعرض للقصف الإسرائيلي بعد إعادت تعميره (اندبندنت عربية)
تستهدف المزارعين والبيوت الجاهزة والمباني المعاد إعمارها وحتى الجرافات والمعدات
ملخص
على رغم اتفاق وقف إطلاق النار تواصل إسرائيل شن ضربات في جنوب لبنان وتمنع عودة السكان إلى قراهم المدمرة عبر استهدافهم بالطائرات المسيرة وتفجير منازلهم وممتلكاتهم في محاولة لفرض منطقة عازلة خالية من السكان قرب الحدود. على رغم ذلك يصر بعض السكان على العودة إلى قراهم وبيوتهم.
يوقن العائدون إلى قرى وبلدات جنوب لبنان، لا سيما تلك التي دمرتها إسرائيل بنسبة عالية جداً خلال حرب الـ66 يوماً الأخيرة، وقبلها وبعدها على رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار الذي تحدته إسرائيل بإبقائها على خمس نقاط محتلة في تلال لبنانية حدودية، أن إسرائيل تمنعهم عن سابق إصرار وتصميم من هذه العودة، وتسعى إلى إيجاد منطقة عازلة قرب الحدود ممنوعة من الحياة والسكن.
وتتمثل إجراءات الإسرائيليين باستهداف العائدين إلى نحو 23 قرية وبلدة مدمرة بنسب تتجاوز الـ80 في المئة في مختلف أحيائها، و100 في المئة قرب الحدود، من خلال استهدافهم بالمسيرات، وقد سقط عديد منهم منذ بدء العودة في فبراير (شباط) الماضي، أو بتدمير البيوت الجاهزة التي أدخلوها إلى قراهم ووضعوها فوق أطلال بيوتهم المدمرة كي تكون سكناً موقتاً قبل المباشرة في إعادة الإعمار، ناهيك بتدمير بعض الأبنية التي جرى تشييدها في الأشهر الخمسة الماضية، أو تدمير الجرافات والشاحنات العاملة في إزالة الركام وأطلال البيوت. وفي معظم الأحيان تقول إسرائيل إن ضرباتها المستمرة تستهدف عناصر في "حزب الله" وأسلحة وبنى تحتية للحزب.
ممنوع بناء ما دُمِّر
في موقف تصعيدي لافت يؤكد المحاولات الإسرائيلية لمنع عودة السكان الجنوبيين إلى بيوتهم وخلق منطقة عازلة عند الحدود أعلن اليوم وزير المال الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أن "الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من النقاط الخمس في جنوب لبنان"، مشيراً إلى أن "القرى التي دمرها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان لن يعاد بناؤها". ولفت سموتريتش إلى أن هناك احتمالاً كبيراً بأن يكون سلاح "حزب الله" قد دمر فعلياً، وأن يكون المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي قد تخلى عنه. وأكد أن "سكان الشمال لن يروا (حزب الله) على الأسوار بعد الآن".
في الرابع من يوليو (تموز) الماضي، وبحسب بلدية ميس الجبل (البلدة الحدودية التي شهدت تدميراً ممنهجاً لبيوتها ومؤسساتها ومزارعها تجاوز الـ80 في المئة)، "أقدم العدو الإسرائيلي فجر اليوم على تفخيخ وتفجير معمل حديث للبياضات يملكه ابن البلدة الحاج صبحي حمدان في حي ’الجديدة‘ على طريق عام مستشفى ميس الجبل الحكومي. فبعدما دمر معمله خلال الحرب الأخيرة، أعاد صاحبه بناءه وتجهيزه على نفقته الخاصة، وبدأ العمل به منذ أسابيع قليلة، واليوم دمر بالكامل من جديد. واستكملت الاعتداءات فجراً بتفجير العدو لمحرك جرافة تعمل لمصلحة مجلس الجنوب في إزالة الردم في حي كركزان شمال ميس الجبل".
"بنيتُ فدُمِّر مرة ثانية"
في لقاء مع حمدان يروي ما حدث لمعمله منذ إعادة تعميره وصولاً إلى تدميره مرة ثانية، وهو لم يترك مسقط رأسه ميس الجبل بعد تفجير معمله لصناعة البياضات، فيقول "عدت واستأجرت بيتاً ومحلاً في ميس الجبل وحولته إلى معمل متواضع. أنا عدت إلى بلدتي في الـ18 من فبراير (شباط) الماضي، بعد وقف إطلاق النار. وفي الثالث من مارس (آذار) الماضي، بدأت بأعمال الجرف والحفر على أنقاض معملي الذي دمرته إسرائيل خلال الحرب ثم البناء مباشرة، وانتهيت منه بعد نحو شهرين، بمساحة 400 متر لكل طابق، سفلي وعلوي، وعلى نفقتي، وجهزته بالمعدات اللازمة، وصرنا نذهب إليه ونعود منذ مطلع يونيو (حزيران) الماضي، ولم نلمس إشارة واحدة إلى أي تهديد إسرائيلي، أو حتى رصاصة واحدة من مواقعها المطلة على بلدتنا، كي نتنبه إلى منعنا من البناء في هذه المنطقة من بلدتنا".
ويضيف حمدان، "في الرابع من يوليو الجاري، جرى تفجير المعمل، الذي جهزته بالمعدات اللازمة، بنحو 10 ماكينات خياطة حديثة، وبالبضاعة من أقمشة وخيطان وغيرها، بلغت كلفتها نحو 100 ألف دولار تضاف إليها كلفة البناء التي تجاوزت الـ100 ألف دولار، ربما كنت جريئاً في هذا الأمر، غير أنني اتكلت على الله وأردت أن أستعيد مهنتي ومعملي على اعتبار أن اتفاقاً جرى برعاية الولايات المتحدة وفرنسا والأمم المتحدة من خلال قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، لا أحد نصحني بألا أعيد البناء والتجهيز، أو حتى شجعني. سألت البلدية ولم تمانع وغير البلدية ولم أسمع تحذيراً من أحد بألا أقدم على ما أقدمت عليه، كل ما فعلته كان بقرار ذاتي بعدما شاورت عائلتي".
"لا يريدون عودتنا"
عن العودة على رغم مما يشوبها من خطر يتابع حمدان، "أقولها بصراحة، هذا التراب في ميس الجبل متغلغل في دمي، لا أستطيع أن أعيش حتى على مقربة منها، بل فيها تماماً، لا أعرف أن أعيش إلا هنا، لذلك عدت أنا وعائلتي، وإن فجروا المعمل، سأبحث عن مكان آخر وأعيد التأسيس. نحن لا نرتكب جرماً أو مخالفة بذلك، هذه أرضنا وبلادنا، والعودة إليها ليست بمغامرة، ما دام اتفاقاً دولياً وأممياً رعى هذه المسألة وأقر بعودة سكان هذه القرى والبلدات الحدودية إلى بيوتهم، إن ما تفعله إسرائيلي مناقض تماماً لما اتفق عليه وللمواثيق الدولية التي تسمح للسكان بالعودة حتى لو كانت تحت الاحتلال، ألم يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار؟ وهل الاتفاق تضمن بنداً بأنه لا يمكن لأصحاب البيوت المدمرة أو المتضررة وأصحاب المصالح باستعادة حياتهم الطبيعية في قراهم؟".
ويشير حمدان إلى أن كل ما قام به من إعادة بناء المعمل وتجهيزه "من جيبي الخاص وعلى نفقتي، لم يدفع لي أحد من أي جهة كانت، وتحديداً الدولة اللبنانية، أي تعويض أو مبلغ لدعم خطواتي، وتراني الناس اليوم فتقول لي: الله يعوض عليك، فأرد: ومن غيره سيعوض؟ ظننت أنه في اليوم التالي لتفجير المعمل سترسل جهة ما مبلغاً لدعمي وحثي على الصمود وتشجيعي على البقاء وإعادة المحاولة، لكن لم يفعلها أحد، حتى بمبلغ ألف ليرة لبنانية".
ويرجح حمدان أن "الإسرائيليين لا يريدون لنا أن نعود إلى مناطق الحافة الأمامية من الحدود، يعني إلى الأراضي والمناطق المحاذية للحدود، أنا بمواجهة مستعمرة المنارة التي تبعد نحو كيلومتر واحد عن مصنعي، على طريق مستشفى ميس الجبل الحكومي، يبدو أن الحدود والطرقات ما زالت مفتوحة أمام الإسرائيليين، فيدخلون متى يشاؤون، ويفخخون ويفجرون ولا يمنعهم أحد، حتى بنود القرار الأممي 1701، أنا أوقن أن العدوان لم ينته حتى اليوم".
يرغب حمدان في أن يعيد بناء معمله الخاص في ميس الجبل، "حتى لو في حي آخر بعيد نوعاً ما عن الحدود، لكن لم يتبق لي مال كي أكرر المحاولة، خساراتي تفاقمت، بين التدمير الأول والتدمير الثاني والنزوح ومتطلبات العيش خارج البيت والأرض، وما كنت ادخرته سابقاً غامرت به في إعادة بناء المعمل".
تعسف وتطهير عرقي
يأسف وزير خارجية لبنان السابق (بين 2011 و2014) عدنان منصور من أن "إسرائيل لا تخرق القوانين الدولية والاتفاق الموقع يوم الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 وحسب، بل تنتهك حقوق الإنسان. وعندما تمنع دولة الاحتلال إسرائيل سكان المناطق الحدودية من العودة إلى بيوتهم فهذه قمة التعسف والتطهير العرقي، إذ تستهدف العائدين في بيوتهم وأرواحهم في الوقت عينه، لذا ما تقوم به إسرائيل على مدى أكثر من ثمانية أشهر هو عدوان ممنهج ومستمر لم يتوقف، وهو ضد الاتفاق المعتمد، وأيضاً ضد مبادئ الأمم المتحدة والقرارات الدولية، ما تفعله إسرائيل ينتهك حقوق الإنسان بالكامل". ويضيف "من أسف شديد أن الدولة اللبنانية لا تملك قرار إعادة سكان الجنوب إلى بيوتهم خشية أن تصطدم بالقوة العسكرية الإسرائيلية التي تمنع هذه العودة، لبنان اليوم سلاحه الوحيد هو الدبلوماسية، لكن هل الدبلوماسية هذه نفعت وتعطي نتائجها الإيجابية مع عدو مثل العدو الإسرائيلي؟ ثم من سيلزم العدو الإسرائيلي بوقف إطلاق النار إن لم تكن هناك جهة دولية ومؤسسات فاعلة؟ هناك الولايات المتحدة الأميركية من تستطيع ذلك، هل الولايات المتحدة تقف إلى جانب القانون العام أو إلى جانب اللبنانيين؟ لا هي تقف إلى جانب إسرائيل، لو كانت أميركا فعلاً تريد عودة سكان المناطق الحدودية إلى قراهم للجمت إسرائيل عن الاستمرار في عدوانها وهي تستطيع، ولكن للأسف الشديد السياسة الأميركية تعمل لمصلحة إسرائيل وما يصب في مصلحتها ولبنان متروك لقدره وللدبلوماسية بعدما أخذت الدولة اللبنانية على عاتقها مسألة توجيه الأمور بالدبلوماسية التي لم تفلح حتى الآن".
معمل بياضات في ميس الجبل قبل وبعد قصفه من قبل الجيش الإسرائيلي (اندبندنت عربية)
المنتجات داخل معمل البايضات قبل تعرضه للقصف الإسرائيلي (اندبندنت عربية)
الخسائر في معمل البياضات في ميس الجبل بعد قصفه من قبل إسرائيل (اندبندنت عربية)
تعليقات: