في السياسة، كما في الأمن، لا تُقاس اللحظات بخطوط الزمن بل بما تحمله من قدرة على إعادة رسم المعادلات. حادث وادي زبقين الذي أسفر عن استشهاد ستة عسكريين من فوج الهندسة، سواء كان عرضيًا أو مفتعلًا، يأتي في توقيت حساس يطرح سؤالًا جوهريًا:
"من المستفيد من كسر التفاهم الصامت بين الجيش والمقاومة؟"
ابتداءً من جلسة الثلاثاء، كلّفت الحكومة اللبنانية الجيشَ إعدادَ خطةٍ لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام، وهو ما اعتبره حزب الله "خطيئة كبرى" وفق ما صرّح به حزب الله ونقلته وكالات دولية[1][2][3].
من الناحية الشكلية، القرار جاء بعنوان سيادي: توحيد السلاح، وإعادة الاعتبار لسلطة الدولة. لكن من الناحية الفعلية، هو اختبار لقدرة الحكومة على فرض مسار استراتيجي يعيد رسم المعادلة الأمنية في لبنان، في ظل حضور طرف مسلح كحزب الله يربط سلاحه بملف المواجهة مع إسرائيل[1][4].
تجلّى ذلك في مشهد الاحتجاجات الليلية وتراجع مجموعاتٍ أمام الجيش دون مواجهات واسعة، بما يوحي بحسابٍ دقيقٍ للخطوات من طرفي الدولة والحزب، وتجنّب تعمّد الصدام المباشر الذي قد يفتح أبوابًا أمنيةً وسياسيةً خطِرة.
على الصعيد الدولي، يتزامن القرار مع موجة دولية متصاعدة لدعم الدولة الفلسطينية ووقف الانتهاكات في غزة، مع مواقف أوروبية متقدمة واحتجاجات شعبية واسعة، بما يضع إسرائيل تحت ضغطٍ سياسي ومعنوي متزايد ويؤثر في حسابات الداخل اللبناني[5][6].
العوامل الخارجية المؤثرة على الداخل اللبناني:
1. إصرار الإدارة الأميركية بقيادة ترامب على ممارسة ضغط مباشر لانتزاع قرار حكومي وخارطة طريق مشروطة[4][7].
2. تصعيد أو تهدئة في غزة ينعكس فورًا على موقف المقاومة وموازين الردع.
3. تبدلات التموضع الإقليمي ومسارات الإمداد في الساحة السورية.
4. إدراج لبنان ضمن أوراق الضغط في المفاوضات الإيرانية–الاميركية
5. استفادة إسرائيل من الانقسام الداخلي مع تجنّب استفزاز قد يوحد الجبهة اللبنانية، في ظل أزماتها الداخلية (احتجاجات على خطة غزة[8], إرهاق قوات الاحتياط[9], استمرار النزوح الجزئي من الشمال[10], وضغوط اقتصادية متصاعدة[11], إضافة إلى توثيق حقوقي للهجمات السابقة وتأثيرها على المدنيين[12]).
6. تصريح المتحدثة الأميركية السابقة مورغان أورتاغوس الذي وصفت فيه شهداء الجيش اللبناني في وادي زبقين بـ"الأبطال"، وهو توصيف يراه البعض تعظيمًا نابعًا من كون الجيش اللبناني تلقى الضربة بدلًا من الجيش الإسرائيلي، الذي لو حاول الدخول لتفكيك الأسلحة أو الذخائر لكان هو المستهدف مباشرة. هذا الخطاب يعكس دعمًا سياسيًا وإعلاميًا أميركيًا لأي مسار يحدّ من قدرات المقاومة، ولو عبر إضعاف قنوات الدعم اللوجستي أو استهداف مخازنها بشكل غير مباشر.
تتراوح المواقف الدولية بين ضغطٍ أميركي متزايد وحذرٍ أوروبي يغلّب الاستقرار[4][5]، فيما تراقب إسرائيل المشهد اللبناني على وقع نقاشاتها الداخلية حول توسيع السيطرة في غزة[8] وتداعياتها.
أما داخليًا، على مستوى مجلس النواب، يظهر الرئيس نبيه بري أكثر تحفّظًا في الواجهة العلنية. يقرأه البعض محاولةً لتجنيب الساحة الشيعية أي احتكاكٍ مباشر، فيما يراه آخرون مقاربةً هادئةً بانتظار اتضاح المسار السياسي.
ختامًا، هذه لحظة مصيرية تختبر توازن القوى الداخلي وحدود القدرة الخارجية على فرض الأجندات؛ لكنها ليست نهاية الحكاية. بين سلاحٍ يعدّه البعض ضمانةً وآخرون عبئًا، يقف لبنان على عتبةٍ لإعادة صياغة عقده الوطني أو إرجائه.
المراجع:
[1] Reuters (Aug 5–7, 2025): قرارات مجلس الوزراء اللبناني وتكليف الجيش وضع خطة لحصر السلاح.
[2] AP News (Aug 5–7, 2025): انسحاب وزراء شيعة من الجلسة.
[3] Al Jazeera (Aug 6–7, 2025): وصف حزب الله للقرار بالخطيئة.
[4] Reuters (Jul 29, 2025): ضغط أميركي لاستصدار قرار حكومي.
[5] Al Jazeera (Aug 6–7, 2025): مواقف أوروبية وتظاهرات في اليابان.
[6] Euronews (Aug 7, 2025): مقترح أميركي يربط نزع السلاح بانسحاب إسرائيلي.
[7] Washington Post / PBS / AP (Aug 8, 2025): خطة السيطرة على مدينة غزة واحتجاجات داخلية.
[8] Times of Israel (May–Jul 2025): احتجاجات على خطة غزة وتداعياتها.
[9] Times of Israel (May–Jul 2025): تراجع الاعتماد على الاحتياط بفعل الإرهاق.
[10] Times of Israel: الشمال المُهجَّر جزئيًا وتباطؤ العودة.
[11] DW / Focus Economics (Jun–Jul 2025): الضغط الاقتصادي على إسرائيل.
[12] HRW (Mar 7, 2025): توثيق الهجمات على المدنيين 2024–2025.
#مي_حسين_عبدالله
تعليقات: